رفض المشاركون في أولى الجلسات الدولية لمنتدى جدة الاقتصادي الثاني عشر ( ما بعد التكتلات) أن يكون ارتفاع سعر البترول وراء تعطل النمو في بعض الاقتصاديات الناشئة، واعترف شوكت عزيز رئيس وزراء باكستان الأسبق بوجود الكثير من (الفساد) في بعض الحكومات أدت إلى تأخير عجلة النمو والإنتاج، في حين اتفق المشاركون على أن أثار الأزمة المالية التي عانت منها أمريكا وبعض دول أوروبا لن تنتهي قبل نهاية عام 2012م الجاري. وطغى الطابع العالمي على جلسات اليوم الثاني لمنتدى جدة الاقتصادي أمس (الأحد) وشارك اثنان من رؤساء الوزراء السابقين هما شوكت عزيز وعلي بابا جان رئيسا وزراء باكستان وتركيا في الجلسة الاولى التي جرت بعنوان ( ما بعد التكتلات) وناقشت السعي لتحقيق النمو الاقتصادي للدول الناشئة في ظل وجود الديون، وشارك بها جوزيه فرنانديز مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية للشئون الاقتصادية والطاقة والأعمال، والسيد أنيل غوبتا كبير المستشارين في معهد الهند والصين، وأدارها الإعلامي المخضرم ريز خان. وأكد شوكت عزيز رئيس وزراء باكستان الأسبق أن عدم تماسك سياسات البلدان الأوروبية أدى إلى تفاقم الأوضاع الاقتصادية في تلك البلدان بشكل مثير للقلق، بينما تحتاج اقتصاديات الناشئة إلى الإدارة السليمة وانخفاض أسعار النفط، مستشهداً بالتجربة الصينية، التي ينتظرها نمو اقتصادياً هائلاُ في حالة عدم ارتفاع أسعار النفط. وقال عزيز: هناك عبرة ودرس ينبغي أن نخرج به، فعندما يكون هناك اتحاد اقتصادي ناجح لابد أن يساهم ذلك في التنازل عن جزء من السيادة لكيان أكبر.. وهذا صعب على بعض الدول، وبالتالي هذه مادة للتفكير، والمعاهدة المالية التي تم الاتفاق عليها مؤخراً بين دول الاتحاد الأوربي هي خطوة في هذا الاتجاه، وإذا لم تتنازل عن جزء من سيادتك ستواجه هذه المشاكل، والأمر ينطبق على الاقتصاديات الناشئة، والتطور الذي حدث ل(النمور) الجدد مثل الصين والهند أعتمد بشكل كبير على تنازلت فقد سمحوا لدخول الاستثمارات الأجنبية بشكل كبير. وأضاف: الاقتصادات الناشئة تحتاج إلى الكثير من التحسين الاقتصادي، ومن أجل تحقيق ذلك لابد من التخلص من (الفساد) الذي كان مسئولاً عن تعطيل قطار التنمية في بعض الدول، ومن المهم أن تتحلى اقتصاديات هذه الدول بالشفافية لأنها تحتاج إلى مصارحة الناس بكل شيء والبعد أن الأمور السلبية التي تسببت مشاكل عديدة وتثير تأثيرات سلبية. ورأى عزيز أن كل بلد ينظر للطاقة والبترول على أنه مساهم في عوائد الموازنة، وقال: عندما ترتفع الأسعار لابد أن نقدم دعماً، ولا يمكن أن نلقي اللوم على الأوبك في رفع أسعار البترول، وأرى أنه لابد إحداث توازن في السوق من خلال ترشيد الإنتاج لبعض الدول. ونصح رئيس وزراء باكستان الأسبق السعوديين بالتركيز على استثمار إنتاج البترول ومشتقاته، وقال: السعودية تتمتع بمركز جغرافي رائع، وتتمتع بإنتاج جيد من البترول، وأتصور أنها تسير في الاتجاه الصحيح، وعلينا أن ندرك أن ليس بإمكان أي دولة أن تفعل كل شيء بمفردها بمعزل عن الآخرين، حتى الصين التي حققت نمواً بنسبة (8%) لا تعمل بمفردها. بدوره أكد السيد جوزيه فرنانديز مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية للشئون الاقتصادية والطاقة والأعمال على ضرورة خلق وظائف في الدول الناشئة والنامية، مشيراً إلى أن بلاده نجحت في السنوات الخمس الماضية في خلق (8) مليون وظيفة الأمر الذي عادت أثاره بشكل واضح على الناتج القومي، وساهم في تجاوز الأزمة المالية العالمية التي مازالت أثارها قائمة حتى الآن، ويعاني البعض من توابعها منذ وقوعها في عام 2008م. وأضاف: هناك نوعان من المخاطر.. الأولى ما حدث في المكسيك التي نجحت في الحفاظ على نموها، والثاني يبدو واضحاً في اليونان التي شهدت انهياراً اقتصادياً كبيراً في الآونة الأخيرة، على النحو الذي شاهدناه وكان وراء الاضطرابات الأخيرة. وأوضح أنيل غوبتا البروفسور في جامعة ماريلاند بالولايات المتحدةالأمريكية أن الاقتصاديات الناشئة تمثل حالياً نسبة 33 بالمائة من مجمل الاقتصاد العالمي، ومن المتوقع أن تمثل نسبة 50 بالمائة خلال السنوات المقبلة. وشدد محمد الصبان المستشار الاقتصادي في وزارة البترول والثروة المعدنية بالسعودية على “أن السعودية تراقب بقلق المشهد الدولي، على اثر الأزمات التي تمر بها البلدان الأوروبية، والولايات المتحدةالأمريكية”، وأكد أن هناك زيادة في حجم الإقبال على النفط في البلدان الخليجية وخاصة السعودية، حيث بلغ حجم الطلب الصيني على النفط بالسعودية أكثر من 2 مليون برميل، بينما هناك انخفاض في حجم الطلب للبلدان المتقدمة بنحو 2 مليون برميل. وأعتبر أن الاقتصادات الناشئة هي الأكثر جذباً في المشهد الاقتصادي العالمي، بينما سيعود الاتحاد الأوربي إلى الركود الاقتصادي ولن يتعافى قبل نهاية العام، في حين سيكون هناك نمو ضعيف جداً للاقتصاد الأمريكي، وقد رأينا مجموعة (الثمانية) ووجدوا أن العالم لا يمكن أن يتجاهل الاقتصاديات الناشئة، كما رأينا تأثير مجموعة العشرين التي تتمتع المملكة العربية السعودية بعضويتها على الاقتصاد في العالم بشكل كبير، ونحن نرى أن الزيادة في الطلب على النفط انخفض في بلدان أوروبا، بينما زاد في الصين، ونحن نواكب الوضع باعتبارنا نصدر النفط، وأتصور أن الطلب على النفط سينخفض أكثر في الفترة المقبلة. وروى الصبان الجملة التي قالها وزير البترول السعودي علي النعيمي لبعض الوزراء الأوربيين، عندما قال في أحد اجتماعاته معهم: (لن نبيع لكم البترول مجاناً، اعطونا فقط الضرائب التي تجمعونها من الناس)، وأتصور أن ارتفاع سعر البترول لا ينبغي أن يسبب أزمة لدى بعض الدول المتطورة، لكن من المهم البحث عن مصادر عديدة أخرى للطاقة. وشهدت الجلسة الأولى تفاعل العديد من الحضور المشارك في المنتدى مع المتحدثين، وطالب أحد السعوديين في مداخلته أن تكون العربية هي اللغة الرسمية للمنتدى.