سرني وأثلج صدري ما كتبه الأستاذ حسين أبو راشد في مقالته بهذه الصحيفة الغراء، وبعد استعراضي للمقال عدة مرات من منطلق اهتمامي ومعرفتي حق المعرفة بالمنطقة التي ورد ذكرها في المقال، والأماكن والأزقة والشوارع في منطقة "أجياد" التي كنت من روادها والتي تم التفكير في تطويرها، وقد قام الأستاذ حسين بتغطية هذا الجانب في مقاله كتاريخ مُضيء للأجيال الحاضرة والقادمة، وكان موفقًا في تسجيل التطوير الذي سيبقى على مر الزمن ذكرى لأهل مكة وضيوف الرحمن. وأود هنا أن أضيف إلى ما ذكر أن هناك رجلًا عصاميًا، هو والده عبدالقادر فقيه الذي أعرفه منذ صغري شامخًا وقورًا ورائدًا في أفكاره ومشروعاته، فعلى سبيل المثال كان رائدًا في استيراد السمن النباتي حيث كان أهالي مكة يعانون من شُح السمن البري لعدم توفره إلا بعد هطول الأمطار على البوادي والوديان وضواحي مكةوالطائف وهدى الشام، وأذكر أن التجار الذين يعملون في تجارة السمن البري كانوا قليلين! أحدهم كان في منطقتنا "المُدّعَى" هو الراحل عبدالله وزان -رحمه الله- في محله في مدخل منزل الصلواتي بجانب دكان العطار، والشيخ نوري جستنية، وآخر في سوق المعلا، والثالث في خان اليوسفي القريب من المسعى، وأيضًا في جرول وسوق الصغير والمعابدة. وتبدأ القصة، حيث كان من عادة الشيخ عبدالقادر فَقِيه أن يقضي الصيف مع عائلته وأبنائه في مدينة الطائف، والسكن في منزلهم بحي العزيزية بجوار مبنى البعثة العسكرية المتعاقدة مع وزارة الدفاع، وكان موظفو البعثة يستوردون احتياجاتهم من الخارج! فلاحظ ابن الشيخ عبدالقادر أن مخلفات البعثة تحتوي على عُلب سمن نباتي (Vegetable Ghee)، فطلب من أحد موظفي البعثة عُلبة من هذا المنتج، وقرر الشيخ عبدالرحمن فَقِيه - بعد أخذ موافقة والده - الاتصال بالشركة الصانعة في هولندا، وتم استيراد السمن النباتي بشكل تجاري وتسويقه بأحجام ومقاسات مختلفة في أسواق مكة، وأقبل عليه الأهالي خصوصًا بعد الإعلان عنه في صحيفة البلاد تحت ماركة "رأس البقرة - فَقِيه"، وحل -إلى حد كبير- محل السمن البري، وانتشر بسرعة وبدأ توزيعه حتى خارج مكة، ووصل إلى معظم مدن المملكة. لقد صدق الأستاذ أبو راشد فيما سطره بأن الشيخ عبدالرحمن فَقِيه يُعد رائدا في كثير من الأعمال والمشروعات التي قدمها وقام بها، فعلى سبيل المثال لا الحصر بدأت فكرة مشروع مزارع فَقِيه للدواجن عندما كان الشيخ عبدالرحمن فَقِيه وصديقه الشيخ بسام البسام في زيارة لمدينة الرياض، والتقى صديقه المهندس محمد على مكي (مدير مشروع مزارع الخرج) الذي دعاه لزيارة مشروع الدواجن، فلفت انتباه الشيخ عبدالرحمن الرعاية الفنية والإنتاج الوفير للدواجن، فقرر بعد عودته لمكة أن يطرق هذا المجال ويكرر التجربة، ونجح وغطى حاجة السوق في مكة ثم في باقي مدن المملكة. ولا بد من الإشارة إلى قيامه بتشجير مشعر عرفة والمطر الصناعي، وهو أول من أدخله وكانت له الريادة، ولا ننسى مشروع جبل عمر المكون من (26) مبنى شاهقًا.. هذا الصرح العظيم والجميل في قلب المنطقة المقدسة للتسهيل على زوار البيت الحرام والمعتمرين لأداء مناسكهم بيسر وسهولة. وأخيرًا.. هذه خواطر سجلتها على عجل لما عرفته عن هذه العائلة التي امتازت بالمشروعات الريادية والأيادي البيضاء لعمل الخير، إنه حقًا وجيه مكة، وأنا على يقين أن هناك الكثير شاركوني نفس المشاعر. أسأل المولى العلي القدير أن يرعاه ويحفظه بعينه التي لا تنام، فهو بلا شك أحد أبناء مكة البررة.