كاذبة هي وسائل الإعلام التي تنشرالابتذال وتروج للاسفاف وتحرص على بث كل ما هو تافه، بحجة أن الجمهور عاوز كده. الجمهور لا يملك أن يصنع ذوقه بنفسه. هذه رفاهية لا يستطيع أن يدركها الجمهور في أكثر بلاد الدنيا تقدما. الجمهور يتقبل ما يتم إعداده له بعناية، ولا يفرض إرادته أو يملي شروطه لأنه لا يمتلك الإرادة أصلا. الجمهور الذي كان يستمع إلى ألحان محمد عبد الوهاب والأخوين رحباني ورياض السنباطي وبليغ حمدي ووديع الصافي ومحمد الموجي، لم يكن يفعل ذلك لأن لديه القدرة على تحديد ما هو جيد أو متقن أو ذو بناء موسيقي معقد، مما هو رديء أو غير متقن أو ذو بناء موسيقي هش. والجمهور الذي كان يستمع إلى أغنيات من أشعار الأخوين رحباني وأحمد شوقي وإبراهيم ناجي وسعيد عقل وبشارة الخوري وعلي محمود طه، لم يكن يفعل ذلك لأنه متذوق للشعر أو متخصص في دراسة الأدب العربي، ولكنه كان يفعل ذلك بفعل التعود ليس إلا. والجمهور الذي يندفع إلى مشاهدة المسلسلات التركية بحماسة عجيبة، لم يكن ليفعل ذلك لو كان لديه الخيار. لكن ماذا يفعل الناس وكل البدائل ضعيفة ولا تفي بأدنى شروط المصداقية المطلوب توفرها في صناعة الدراما؟. على الأقل فإن المسلسلات التركية مشغولة بحرفية واضحة. أي مسلسل تركي لا بد وأن يتوفر له فريق فني على أعلى المستويات ليتولى شؤون الماكياج والديكور والملابس والموسيقى التصويرية والإضاءة والتصوير. على العكس من المسلسلات العربية التي ما زالت تعتمد حيل ماكياج تخطتها صناعة الدراما في كل بلاد الدنيا منذ زمن طويل، كإضافة خصلات الشيب على شعور الممثلين الذين يفترض أنهم تقدموا في السن أثناء أحداث المسلسل. صحيح أن هناك أعمالا درامية عربية تتميز بدرجة عالية من الجودة على صعيد الصناعة، لكن العمل لا يمكن أن ينتشر ويجد الصدى المطلوب دون أن تتم خدمته من قبل وسائل الإعلام. وهو ما لم يتوفر لبعض أهم المسلسلات العربية كمسلسل (الاجتياح) الذي فاز بجائزة إيمي العالمية كأفضل مسلسل تلفزيوني قبل سنوات قليلة. الجمهور لا يملك من أمره الكثير. [email protected]