قدر لي أن أزور بعض أقسام ومراكز دراسات الشرق الأوسط في الجامعات الأمريكية وخصوصاً مراكز دراسات الشرق الأوسط في جامعة جورج تاون، وجورج واشنطون، وجون هوبكنز، وكولومبيا، وأن التقى ببعض الأساتذة الذين يديرون تلك الأقسام والمراكز. ومراكز دراسات الشرق الأوسط تأتي في طليعة المراكز العلمية التي تجد اقبالاً من الشباب الأمريكي مقارنة بمراكز الدراسات الآسيوية والأفريقية والروسية وأمريكا اللاتينية، باعتبار أن منطقة الشرق الأوسط تقع ضمن الاستراتيجية الأمريكية. يقول د. كلوفيس مقصود: (منذ اطلالة الجزء الأخير من هذا القرن تبين كم لتلك المنطقة من أهمية بالنسبة لأمريكيا، فلم يعد الشرق الأوسط مجرد بقعة من الأرض مرسومة في كتب التاريخ والجغرافيا التي تدرس للطلاب الأمريكيين كجزء من التاريخ المنقرض، بل أصبح امتداداً لاهتمامات هذه القارة الممتدة مصالحها إلى كل أنحاء العالم، ولم يعد الشرق الأوسط منبعاً لروايات ألف ليلة وليلة أو كليلة ودمنة أو غيرهما، فقد أصبح عاملاً مشاركاً في مقدرات هذه القارة الأمريكية على الاستمرارية في فرض هيبتها وتقدمها التكنولوجي والتجاري على العالم). ولذلك فإن أعداداً كبيرة من الطلاب والدارسين يهتمون بمنطقة الشرق الأوسط خصوصاً في مجال الاستكشافات الثقافية واللغات هذا النوع من الاتصالات والتبادل الأكاديمي والثقافي ساعد على التعرف على المنطقة وخاصة في الدراسات والمواضيع المعاصرة في السياسة والاقتصاد والثقافة، وتؤكد د. جودي تكر وهي بالمناسبة احدى الاكاديميات البارزات في مركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة جورج تاون على أن تعلم اللغة العربية احدى لغات الشرق الأوسط أصبح عاملاً أساسياً في الحياة الأكاديمية والعملية، وبالذات للمهتمين بشؤون الشرق الأوسط، كما أن الاهتمام بالبحوث والدراسات التي تتعلق بالشرق الأوسط يأخذ حيزاً كبيراً من الدوائر الرسمية والخاصة، والذي يتمثل في تقديم الدعم المالي للبحوث والرحلات الاستكشافية، ولكن يظل موضوع الشرق الأوسط موضوعاً متشعباً وواسعاً، وتظل معظم الأبحاث والدراسات التي كتبت وطرقت تنطلق من الصراع العربي الإسرائيلي، وهذا لا شك ينعكس أثره على الادارة الأمريكية وعلى أجهزة الاعلام وبالتالي على الحياة الأمريكية. ليست مراكز دراسات الشرق الأوسط في الجامعات الأمريكية مجرد قاعات أكاديمية لدراسة التاريخ والجغرافيا والأديان، وإنما تتعدى هذا الدور إلى دراسة الدول دراسة دقيقة وشاملة تصل في معظم حالاتها إلى العمق الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والاستراتيجي، وذلك عن طريق الأبحاث والدراسات الاستكشافية الجادة، التي تستفيد من نتائجها الحكومة الأمريكية والشركات الدولية. فمثلاً مركز الدراسات العربية المعاصرة بجامعة جورج تاون ينتظم في علاقات استشارية مع تلك الدوائر. يقول د. جون رودي رئيس قسم البرامج بالمركز: (لدينا برنامج رسمي للتعريف بالعالم العربي خارج النطاق الأكاديمي، وذلك للإجابة على الأسئلة بقدر الامكان، أيضاً نساعد المكتبات المحلية المهتمة بشؤون الشرق الأوسط والعالم العربي بالاضافة إلى الأساتذة بالمدارس الأمريكية، ونمد كل هذه القطاعات بالمعلومات المطلوبة عن العالم العربي بقدر المستطاع، وفي بعض الأحيان نمد بعض الشخصيات الهامة ببعض المعلومات ونساعدهم للاستفادة منها في أشياء مختلفة في حياتهم العملية المتعلقة بالعالم العربي، كما نرسل بعض طلاب الدراسات العليا لالقاء محاضرات بالمدارس الأمريكية المختلفة والتجمعات والنشاطات الموجودة في الحياة الأمريكية بصورة عامة، ويقوم المركز كجزء من هذا النشاط بتقديم المحاضرات (السمنارات) في المواضيع المختلفة). المركز له علاقة بالدوائر الحكومية الأمريكية حيث يقدم بعض الاستشارات التي تساعد الحكومة الأمريكية على تقييم بعض المسائل والأمور التي تهم العالم العربي، ويقدم بعض المعلومات لأجهزة الاعلام المختلفة، فالموقع الاستراتيجي للمركز في العاصمة (واشنطون) له دور هام في التأثير على السياسة الأمريكية والرأي العام الأمريكي والعالمي.