إن الله خلق الإنسان وأطلق له العنان ليعمر هذا الكوكب وفقا لقواعد تحقيق المصالح ودرء المفاسد حتى تنمو الحياة عليه، وتزدهر وتتجلى نعم الخالق فيه وفقاً لما قاله تبارك وتعالى: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ(11) سورة الضحى. وفي الأرض وعليها آيات من الجمال الفطري الذي يرتقي بحياة الإنسان إلى مدارج التكريم والامتنان، واستمع إلى القرآن وهو يسجل طرفاً من هذه المشاهد في قوله: {وَزَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ}(12) سورة فصلت، وقوله: {حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ} (60)سورة النمل، لذا كان لزاماً علينا اليوم أن نبحث عن حقائق الجمال في بيئتنا المشيدة ماهيتها وكيفية تحقيقها في مدننا الحديثة التي تعاني من أمراض متعددة فضلا عن أن كثيراً منها يصدق عليه قول القائل:( أكل عليها الدهر وشرب). ان طرح فكرة المدن الخضراء في المملكة العربية السعودية يجب أن يكون جدياً لمعرفة القدرات والامكانات الموردية التي يمكن أن تدعم هذه القضية. إننا حينما نتحدث عن التخضير لمدننا فإنه يجب النظر إلى الردود الكبيرة له على حياتنا الصحية والاجتماعية والاقتصادية، فمثلاً تستطيع مساحة خضراء من 30 - 40م2 ان تزود بالأوكسجين الضروري اليومي لشخص، وفي دراسة اخرى فإن ما مساحته فدان من النباتات يستطيع أن يمد ما يقرب من 18 شخصا بالأكسجين اللازم لحياتهم. إن النباتات تستطيع أن تحافظ على مستوى الأوزون الطبيعي وتمتص كثيراً من الغازات الملوثة والخطيرة على صحة الإنسان. لست بصدد ذكر الفوائد النباتية، ولكن معرفة انها تحمل بداية قصة جميلة ومثيرة لكي نتمتع بحياة أفضل في مدننا أمر يجب الإشارة إليه، كم نعاني من المشكلات الصحية والاجتماعية التي تستطيع المدن الخضراء ان تقللها مما سيوفر الملايين التي تضيع هدراً في علاج تلك المشكلات في المستشفيات أو المؤسسات الاجتماعية. اننا حينما نجعل البيئة الخارجية التي نقضي فيها الساعات الطوال أكثر جمالاً واخضراراً فإننا إنما نساعد على الوصول إلى الراحة والهدوء النفسي الذي ربما ساعد كثيراً على حل قضايا مرورية واجتماعية، وفي المقابل فإن وضع الإنسان في بيئة مضطربة تخلو من الجمال والحلول البيئية، قد يجلب المتاعب ليس في الخارج فقط بل حتى في داخل البيوت. أنا لا أدعو إلى وضع حلول مكلفة، ولكن إلى إدراك ان هناك نباتات في البيئة يمكن أن نستخدمها من غير أن تثقل عواتقنا بتكاليف باهظة، كما ان هناك موارد ضائعة أحياناً مثل مياه الصرف الصحي التي يمكن أن تحيط مدننا بغابات خضراء، وحتى تقنيات الري فقد تطورت بما يقلل من صرف المياه، فهناك تقنية المياه الجافة التي يمكن أن تساهم في تنمية المدن الخضراء، أعتقد أنه متى ما وضعت الخطط المناسبة فإننا نستطيع أن نصل الى مدن خضراء بما يتناسب مع بيئتنا وظروفها، وان الأمر ليس من ضرب الخيال، ولا واقعاً بعيد المنال.