وَحْدَكَ، دُونَ غَيرِكَ

في النومِ ، لا أَحدٌ يراكَ
ولو صَرَخْتَ بملءِ صَوتِكَ في بَراري الحُلْمِ
لا أَثَرٌ يَدُلُّ على خُطاكَ
ولو مَشيتَ على حريرِ الرغبةِ الأُولى
لأَبعدِ قُبْلَةٍ،
الأَرضُ ليسَ بِوُسْعِها أَنْ تَسْتَدِلَّ
على التماعِكَ في تسابيحِ الغياب!
*
في النومِ، تُغْلِقُ بابَ جَفْنِكَ
في وجوهٍ لم تَعُدْ تَقْوَى على تصديقِ
معنى الحُبِّ في أَحداقِها،
بيديكَ تَفتحُ كُوَّةً للأَمسِ تَنْفُذُ
مِن خِلالِ مُحيطِها لربيعِ مَنْ غَمَروا
فؤادَك بالحياةِ وبالغناءِ وبالأَمل
في النومِ، يكفي أَنْ تُلَوِّحَ مِن سريرِكَ
للذين تُحِبُّهم كي يهبطوا
مِن غَيمِ ماضيهِم ومِن نِسيانِهم،
تَمضي لِسِرْبِ سنينكَ الأُولى
طَليقَ الروحِ، لا أُفقٌ ضَبابيٌ يُعِيقُكَ
في الطريقِ إلى أَقاصِيكَ البعيدة
*
في النومِ ، ينتصرُ الخيالُ
على هزائمهِ، ويقتصُ التمنِّي
من مواجِعهِ ومن سَجّانهِ
في النومِ، لا صبحٌ ولا ليلٌ هُنالِكَ
تَستوي الأَوقاتُ في المعنَى
وفي شَغَفِ التأَمُّلِ في الغياب
في النومِ، أَنتَ هُناكَ أَبعدُ
مِن صَدَى ذِكراكَ، أَقربُ
مِن تَفَتُّحِ زَهرةٍ في حَقْلِها،
أَنتَ الأخيرُ الأَوَّلُ الثاني وظِلُّكَ
في الطريقِ إلى الحقيقةِ ثالثُ اثنينِ
استعادا للتساؤلِ وِجهَةً مَنْسِيَّةً
*
في النومِ، لَنْ تحتاجَ بَوْصَلةً
لِتَعرِفَ أَنَّكَ المعنِيُّ بالأَحداقِ حَولكَ
كُلَّما التَفَتَتْ مِن الماضي إِليك،
أَنتَ وَحَدْكَ دونَ غيرِكَ
مَنْ عليهِ بأَنْ يُراقِبَ خِفَّةَ الأَرواحِ
يَلْمَسَ رِيشَ طائِرِها البهيج،
وأَنتَ وَحَدْكَ مَنْ عليهِ
بأَنْ يُحَرِّرَ ظبيةَ الشجنِ الأخيرةَ
مِن كمائنِ حُزنِها الآتي ومِن أَصفادِهِ
*
في النومِ، يَسْهُلُ أَنْ تُفتِّشَ
عن مَكانٍ هَادئٍ كيما تُبلِّلَ
وردَ روحِكَ بالغمامِ العاطفي
في النومِ، لَنْ تَحتاجَ بعدَ اليومِ
مِفتاحاً إضافياً لتدخلَ
بيتَ مَنْ أَحْبَبْتَها عند الهزيع
تأتيكَ مَنْ عَزفتْ طويلاً
عن وِصَالِكَ في سنينِ عذابِها،
تأتِيكَ مَنْ أَخْفَتْ غَرامَكَ
في ربيعِ خُدودِها الخَجلى وفي أهدابِها
*
في النومِ، يَصْلُحُ أَنْ تواعِدَ مَنْ أَردتَ
مِن النساءِ لِتَهتدِي لجفونِ
مَنْ أَسَرَتْ صِبَاكَ بِرَمْشِهَا القَرويِّ
مَنْ ظَلَّتْ تُحِبُّكَ دونَ رَغبةِ أَهلِها،
تَسرِي بهيجاً في خَيالِكَ نحوَ سِرِّ
الكوكبِ المرتابِ في أحداقِ مَنْ أغويتَهُنَّ
على ضِفافِ الصمتِ آخرَ مَرَّةٍ،
لستَ مُهْتَمَّاً لِتَعرِفَ مَنْ تَمادتْ
في تَجَاهُلِ سِحرِكَ الآتي مِن الذكرَى،
فلا امرأةٌ تُقَاوِمُ عِطْرَكَ الذكريَّ
في هذا المساء
*
في النومِ، يَلْتَفُّ الصحابُ
على بِساطِ فؤادِكَ الحاني
يزورُكَ مَنْ رُزِقْتَ وِدَادَهُ زمناً
ويحضرُ مَنْ لِخَطوَتِهِ انتظرت،
لكنَّ ثَمَّةَ بينهم طِفلٌ غريبٌ
لَستَ تَذكرُهُ يُحَدِّقُ باهتمامٍ
في عيونِكَ كُلَّما أَهملتَهُ
طِفلٌ غريبٌ كُلَّما قَرَّبْتَ مِتْرَاً
مِن مَلامِحِهِ اغْتَرَبْت!
طِفلٌ غريبٌ ظَلَّ يَحْمِلُ
في حدودِ يديهِ قَنديلاً كفيفاً
لستَ تَعلمُ سِرَّهُ، وكُلَّما
حاولتَ أَنْ تدنو لِتُشْعِلَ
مِن فتيلتِهِ انطَفَأْت!
أعياكَ فَهمُ التيهِ في قسماتهِ،
عيناهُ أشواكٌ مِن الماضي
تَهُبُّ على جفونِكَ
كالسهامِ الجارحاتِ متى التَفَتَ!
هو غارقٌ في صمتهِ، وغمامُ أسئلةٍ
يَحُطُّ على شفاهِكَ كالسرابِ
فلا اهتديتَ إلى مُحالِكَ
في البعيدِ ولا ارتويتَ!
تعبتَ في مَسْعَاكَ تَهْجِسُ بالوصولِ
إلى مشارفِ صَمْتِهِ المغزولِ
بالأَلمِ القديمِ وما وَصَلْتَ!
لِمَ لا تُصدِقُ في مَنامِكَ كُلَّ ليلٍ
أَنَّكَ المنسيُّ في جَفْنِ الصحابِ
وأَنَّ مَنْ أَسميتَهُ الطفلَ الغريبَ
يكونُ أَنتَ؟!
شاعر سعودي.