تعتبر كابلات الاتصالات من روافع القيمة الجيوستراتيجية للدول المعاصرة، بل يذهب بعض الاختصاصيين الى وصفها ب «الجهاز العصبي للدولة». وحرصت الإمبراطورية البريطانية على مدّ كابلات التلغراف بين مستعمراتها كلها. وحذت الولاياتالمتحدة حذوها، فنشرت شبكات التلغراف اللاسلكية ثم الكابلات النحاسية للهواتف التقليدية، وشبكات الميكروويف للمكالمات الدولية، وصولاً إلى الألياف الضوئية للإنترنت. وتعتمد قيمة الدولة (وكذا حال الشركات العملاقة) على مدى تفاعلها مع الجوار. ومثلاً، تجسّدت أول ظواهر النهضة الهندية الحديثة، في مطلع القرن الحادي والعشرين، في عمل الشركات الهندية الكبرى (خصوصاً «تاتا» و «رليانس») على ربط قاعدتها الصناعية في الهند مع بقية أرجاء العالم، عبر السيطرة على الكابلات التي تربط أوروبا مع آسيا. وصارت شركتا الكابلات البحرية للإنترنت، وهما «فلاج» و «تايكو» مملوكتين لشركتي «تاتا» و «رليانس». وفي السياق عينه، نشرت شركة «فرانس تليكوم» كابل «سي- مي- وي-3»، وسرعان ما وُضِع تحت إدارة شركة «تاتا إنديكوم» الهندية للتليفونات. وكذلك الحال بالنسبة لكابل «سي- مي- وي-4» الذي أنشأته «فرانس تليكوم»، وتديره حاضراً شركة «في أس أن إل» الهندية للهاتف. على خطى الهند والأرجح أن الدول الواقعة في منطقة شرق قناة السويس، تسير على خطى الهند في ما يتّصل بكابلات الانترنت، عندما تتوافر لديها الامكانات، لتحسين أوضاعها تجارياً وجيوستراتيجياً. ولا غرابة في انتشار أنباء عن خطط سعودية وإماراتية لمدّ كابلات من سنغافورة شرقاً إلى إيطاليا غرباً، عبر مصر. على الصعيد الإقليمي، تحوّل الكابل السعودي - السوداني «أس إيه أس-1» SAS-1 حقيقة واقعة، في حين «يتلكأ» الكابل المصري السوداني، على رغم الإعلان عن بدء العمل فيه منذ عقد ونيف. في السياق عينه، يجدر لفت الانتباه إلى أن إحدى الجولات الحالية في سباق التسلح عالمياً، تتمثّل في حرب المعلومات. في هذا الإطار، استطاعت هجمات متلاحقة من مجموعات ال «هاكرز»، أن تقطع الاتصالات بين إستونيا والعالم الخارجي أكثر من ثلاثة أسابيع، في نيسان (أبريل) 2007. وكذلك عملت الصين على فرض نطاق عناوين علوي لمواقع الانترنت باللغة الصينية، كي تتجنّب مرور حركتها الإلكترونية عبر «قلب» الإنترنت الحالي الكائن في الخوادم العملاقة لهذه الشبكة في واشنطن. وفي سياق متّصل، تتواصل الأخبار والتسريبات عن أجيال متطوّرة من الغوّاصات النووية المخصّصة للتنصّت على كابلات الاتصالات ومحتوياتها. ويتضمّن عمل هذه الغوّاصات إحداث قطع في الكابلات البحرية للاتصالات، ثم توصيلها بسرعة، بعد «تفريغ» محتوياتها. وتنفيذاً لتلك المهمة، زُوّدت هذه الغوّاصات بغرفة منفصلة يعمل فيها فريق لحم الألياف الضوئية بعد قطع الكابل، وجر إحدى ناحيتيه إلى هذه الغرفة. وتضمّ هذه الفئة من الغوّاصات النووية طراز «أكولا-II» الروسي، و «ويو إس إس جيمي كارتر» الأميركية وأعلنت إسرائيل اخيراً أنها نشرت شبكة اتصالات متخصّصة بالاستشعار في قاعي البحرين المتوسط والأحمر، تحسّباً لهجوم من غوّاصات إيران. وطلبت إسرائيل من ألمانيا التعجيل ببناء غوّاصتين من طراز «دولفين» يتوقّع أن تعملا في هذا المضمار. ويشهد بحرا «أوخوتسك» و «بارنتس» في شمال المحيط الهادئ، حرباً مستعرة بصمت بين أميركا وروسيا منذ ثمانينات القرن الماضي، للتنصّت وقطع كابلات الاتصالات بين الطرفين. وتعتبر أشياء مثل الاستعراض والتسريب والإيحاء، جزءاً من الحرب النفسية المصاحبة لهذا السباق. ولذا، تغصّ الانترنت بالتخمينات ونظريات المؤامرة (ربما يكون بعضها تسريبات)، حول حوادث انقطاع الكابلات البحرية للإنترنت.