ينشط المجتمع المدني الأفريقي في الدفع الى الحكم الرشيد، فپ"مؤسسة مو ابراهيم"لرجل الأعمال السوداني محمد فتحي ابراهيم، مثلاً، تساهم في البحث عن الاستقرار والتنمية المستدامة في القارة السمراء فبعدما أعلنت المؤسسة قبل سنة عن جائزة سنوية قدرها خمسة ملايين دولار أميركي لقادة الدول الأفريقية - جنوب الصحراء الذين تنحوا عن السلطة بعد أن أثبتوا كفاءة وتميزاً في الحكم، أصدرت دليلاً للحكم الرشيد في الدول الأفريقية ال48 الواقعة جنوب الصحراء، أعده البروفيسور روبرت روتبيرغ، الأستاذ في كلية كيندي للحكم في جامعة هارفارد، بمعاونة فريق مختص من الباحثين. ومن خصائص الدليل، أولاً: الشمول، إذ إن العدد الكبير من المقاييس المندرجة فيه تجعله واحداً من أشمل تقويمات الحكم في البلدان الأفريقية جنوب الصحراء الكبرى التي تم ابتكارها إلى الآن. وثانياً: التركيز على السلع السياسية، إذ يعرف الدليل الحكم بأنه توفير السلع السياسية الرئيسة، مسجلاً نتائج مُعرفة وقابلة للقياس بدلاً من التقويمات غير الموضوعية. ثالثاً: التغطية الجغرافية، فقد درس دليل"مو إبراهيم"البلدان الأفريقية جنوب الصحراء الكبرى كافة لمدة ثلاث سنوات وسنوياً في ما بعد، مما يجعله الأكثر شمولاً والأحدث الذي تم إعداده حتى الآن. وأخيراً الترتيب، إذ يعتبر هذا الدليل أول محاولة ترتب بوضوح وصراحة البلدان الأفريقية جنوب الصحراء بحسب نوعية الحكم فيها. ويقيس دليل إبراهيم لشؤون الحكم في أفريقيا توفر السلع السياسية الرئيسة، والتي تُجمع تحت خمس فئات مهمة توفر معاً تعريفاً للحكم السليم، وهي: السلامة والأمن، وسيادة القانون والشفافية والفساد، وحقوق الإنسان، والتنمية الاقتصادية المستدامة، والتنمية البشرية. ويتم تطبيق 58 مقياساً مستقلاً على كل دولة لوضع خمس درجات لكل فئة، بحيث ينتج عن متوسط مجموع درجات هذه الفئات، درجة كلية للدولة. وفي هذا الإطار، قررت لجنة التحكيم لجائزة مو إبراهيم للحكم الرشيد، اختيار جواكيم شيسانو الرئيس السابق لموزمبيق، كأول فائز في الجائزة، نظراً للدور الرائد الذي قام به في سبيل نقل بلاده من النزاعات إلى الديموقراطية والاستقرار السياسي والاقتصادي. وقال كوفي أنان الأمين العام السابق للأمم المتحدة رئيس اللجنة إن إنجازات شيسانو في نشر السلام وتحقيق الوفاق والمصالحة وترسيخ الديموقراطية وتحقيق النمو الاقتصادي لبلاده، حازت على تقدير أعضاء اللجنة. وأثنى أنان على ما حقق شيسانو خلال فترة حكمه من نمو اقتصادي، وعلى جهوده في مجال الحد من الفقر وتدعيم البنية التحتية ومحاربة مرض نقص المناعة المكتسبة الإيدز، مضيفاً أن دوره تخطى حدود بلاده، إذ أعطى لأفريقيا صوتاً مسموعاً على الصعيد الدولي. وجواكيم شيسانو من مواليد تشرين الأول أكتوبر 1939، ونشأ في قرية صغيرة نائية اسمها ماليهس تابعة لمركز شابتو، في قطاع يحمل اسماً فلسطينياً"غزة"، وكانت بلاده وقتها مجرد مستعمرة تسمى"شرق أفريقيا البرتغالية". كان شيسانو أول طالب أسود في موزمبيق يلتحق بالمدرسة الثانوية، وبعد أن اجتازها سافر إلى البرتغال ليدرس الطب في جامعة لشبونة، إلا أن نشاطه السياسي ومطالبته باستقلال بلاده، جعل السلطات البرتغالية تقرر اعتقاله، لكنه فر إلى فرنسا ومنها عاد إلى أفريقيا سراً، لينضم إلى جبهة التحرير الموزمبيقية"فريليمو"، وناضل ضد الاحتلال البرتغالي حتى نالت بلاده الاستقلال عام 1975. عقب الاستقلال، تشكلت حكومة من الثوار رأسها سامورا مايشل، وتولى فيها شيسانو منصب وزير الخارجية، ساهم في تعزيز العلاقات مع الدول الغربية، لكن، لم يرض البعض عن الحكومة، الأمر الذي أدى إلى انخراطهم في تمرد مسلح ضدها، وترتب على موت الرئيس مايشل في حادث طائرة عام 1986، تدهور الأوضاع في موزمبيق، إذ اشتد الصراع على السلطة وتحول في ما بعد إلى حرب أهلية. في تلك الظروف السيئة تولى جواكيم شيسانو الرئاسة، ونجح في وقف الصراع وعمل على تحقيق التقدم الاقتصادي وتكريس الديموقراطية ذات الأحزاب المتعددة، إذ فاز في أول انتخابات حرة عام 1994، ثم فاز للمرة الثانية في عام 1998 ضد قائد المتمردين السابق ألفونسو دالكاما، وفي 2005، قرر شيسانو عدم ترشيح نفسه لولاية ثالثة، على رغم أن الدستور يجيز له ذلك، مكتفياً بما قام به، وتاركا الفرصة لدماء جديدة تحكم البلاد. ومن الجدير بالاهتمام، اختيار مؤسسة"مو إبراهيم"مكتبة الإسكندرية كي تستضيف حفلة تكريم أول فائز بالجائزة الخاصة بالدول الأفريقية جنوب الصحراء، في نوع من التأكيد على عمق وتجذر العلاقات والصلات العربية الأفريقية، بحسب ما صرح مدير المكتبة الدكتور إسماعيل سراج الدين: "إنني اتطلع قدماً إلى اليوم الذي تتكاتف فيه جهود كل الجهات والمؤسسات والمنظمات الحكومية وغير الحكومية، لدفع التنمية المستدامة في القارة الأفريقية الغنية بمواردها الطبيعية والبشرية، إن مبادرة رجل الأعمال الدكتور محمد فتحي إبراهيم خطوة على طريق طويل يحتاج إلى الكثير من الجهد لإنجازه". * مدير إدارة الإعلام في مكتبة الإسكندرية.