فنانة شابة، تحدَّت الصعاب وشقت طريقها الفني بعد تجاوز الكثير من العراقيل حتى اخترقت قلوب المستمعين، فما الذي يجعلها تقدم على خطوة ذات بعد سياسي خطير بمقاييس العالم العربي: مغادرة لبنان والمجيء الى اسرائيل، الأمر الذي من شأنه ان يهدم كل هذه الانجازات هكذا بغمضة عين. أهو لمّ الشمل مع الاهل حقا؟ أم فرصة جديدة للعمل؟ أم الاثنان معا، وربما امر ثالث ايضاً؟ أسئلة كثيرة طرحت عند قدوم الفنانة اللبنانية ندى رزق الى اسرائيل قبل حوالي ستة اشهر، خصوصاً بعدما اصدرت المحكمة العسكرية في لبنان حكما غيابيا بسجنها لمدة ثلاث سنوات بتهمة "التعاون مع العدو". والاسئلة لم تطرح فقط في لبنان، بل ايضاً لدى الفلسطينيين في اسرائيل المعروفين بفلسطينيي 48، الذين سيصبحون جمهور ندى رزق الجدد. فهؤلاء اتخذوا موقفا متشددا اكثر من موقف اللبنانيين، تجاه ميليشيات لحد، ورفضوا استقبالهم للعيش في قراهم ومدنهم بعد فرارهم الى اسرائيل اثر الانسحاب الاسرائيلي في أيار مايو 2000. ورفضوا حتى استقبال اطفالهم في مدارسهم. ولكن ندى رزق نجحت في الوصول الى هذا الجمهور المتعطش لكل ما هو فن عربي، فأقبل على حضور حفلاتها ولم يقاطعها، بل أصبح لها في صفوفهم صداقات تجعل كثيرين ممن يعرفون قصتها ويسمعون تصريحاتها المعادية للسياسة والسياسيين، يصفحون عنها وينظمون لها الحفلات. عندما توجهنا للقائها في نهاريا كانت المدينة تعيش حال الطوارئ. فالعملية التي نفذت قبل ايام في الشارع الرئيسي المجاور للمدينة شلومي وقتل فيها ستة اسرائيليين برصاص فدائيين وصلا الى المنطقة، من مكان لم يعرف مصدره بعد اسرائيل تصر على انهما وصلا من جنوبلبنان، جعلت كل منطقة الشمال في اسرائيل تعيش حال طوارئ. وعلى رغم ان عائلة رزق تسكن في حي هادئ بعيد عن كل هذا الضجيج، الا انها عاشت هذه الاجواء لحظة بلحظة، ومع انها تعيش وحيدة من دون الاختلاط مع الآخرين، لا اليهود ولا اللبنانيين الذين وصلوا من جنوبلبنان وسكنوا المدينة، كما تقول، الا انها مضطرة لان تتعايش مع الظروف الطارئة في مدينة نهاريا ومنطقة الشمال في اسرائيل المحاذية للحدود اللبنانية. ما الذي يجعل فنانة شابة مثلك تتخذ خطوة متطرفة كهذه وتصل الى اسرائيل وتجازف هكذا بمستقبلها؟ - أنا لم احضر الى اسرائيل من اجل اسرائيل. فقدومي الى هنا ليس سياسياً، وارفض التعامل معه كموضوع سياسي. جئت الى هنا من أجل عائلتي. من يتخلى عن أمه واخوته وعائلته، يتخلى ايضاً عن أمته ووطنه. لم أعد قادرة على التخلي عن عائلتي، ومن حقي ان التقيهم وأطمئن على وضعهم وحياتهم. فهم، كبقية العائلات اللبنانية، التي وصلت الى اسرائيل من جنوبلبنان، لا ذنب لهم بما جرى، انهم مساكين وابرياء. أتعرفين لقد أصابنا نحن أهل جنوبلبنان كما أصابكم أنتم الفلسطينيين الذين بقيتم في أرضكم في العام 48. لم يكن أمامكم اي حل وبقاؤكم في أرضكم عمل بطولي، لكن العالم العربي اعتبركم لسنوات طويلة خونة ولم يتعامل معكم كما هو الوضع اليوم. سنوات طويلة مرت حتى استدركوا حقيقتكم وحقيقة ما جرى لكم. لكن قضية مجيئك الى اسرائيل وظهورك في التلفزيون الاسرائيلي خطوة سياسية ايضاً، شئت ام أبيت، بل انها تنطوي على مخالفة للقانون اللبناني. ألم تتوقعي ان خطوة كهذه من شأنها ان تقضي على مستقبلك الفني؟ - لا... لن تقضي على مستقبلي الفني بتاتاً، ربما أواجه في البداية صعوبات، لكن ذلك لن يؤثر علي. فأنا منذ عشر سنوات أعمل في مجالي الفني وعلاقاتي وثيقة مع كثيرين من الفنانين في العالم العربي. وخلال السنوات الثلاث الاخيرة، ركزت عملي في مكان اقامتي في باريس، وكانت لي حفلات ناجحة في كافة الاقطار العربية. لكن لبنان اعتبرك متعاونة مع اسرائيل، وصدر ضدك حكم بالسجن. - لن أبقى بعيدة عن محبي ندى رزق في العالم العربي وعن وطني لبنان وبلدتي القليعة وأهلي وزملائي الفنانين. ربما لا أعود هذا الشهر الى لبنان، ولكنني حتما سأعود، وهذا من حقي. أنت متفائلة جداً، فعودتك الى لبنان تعني سجنك. - سأطلب إعادة المحاكمة وسأمثل أمام القاضي والمحكمة وأشرح لهم وجهة نظري. أعرف ان ذلك لن يتم بسهولة، وانني سأواجه الصعوبات وسأبذل جهوداً كبيرة في شرحي للجمهور الذي احبني، وانا واثقة انه لم ولن يكرهني، سأشرح له ما أفكر به وما الذي دفعني للحضور الى هنا. واعرف ان هذا الجمهور لا يكرهني. انا لم تكن لي اية علاقة سياسية مع اي طرف ولن تكون. فمنذ ان فتحت عيني على الدنيا لا اتدخل بالسياسة، حتى انني اكره السياسة والزعامات السياسية ومن يتعاطى بها. وكيف ستقنعينه؟ - بداية علي ان اقول ان ما فعلته هو تحد كبير وتضحية كبيرة ايضاً. وانا لا أتمنى لأي فنان عربي ان يعيش وضعا شبيها بالوضع الذي عاشه اهالي جنوبلبنان. ولكني اريد ان اقول لجمهوري وللفنانين انني لم ارتكب جريمة عندما قررت الحضور. وليست خيانة التواصل مع فلسطينيي 48. انا اقول علانية من حقي ان التقي عائلتي. والدي يريد العودة الى لبنان ويرفض ان يحمل جواز سفر اسرائيليا وهذا يمنعه من لقاء اولاده. لقد اتخذ قراره هذا لأنه يريد ان يعود الى لبنان، الى وطنه واهله. ونحن لا نعرف متى يأتي هذا الوقت. انا بكر العائلة. هي محتاجة لي وانا محتاجة لها. ولأنني انسانة، من حقي ان التقي عائلتي. الحقيقة انني ترددت كثيرا، ولكن اشتياقي لأمي وأبي هو الذي حسم. وهل موقفك هذا يقنع المحكمة العسكرية في لبنان؟ - انا اقول بصراحة انني لا الوم المحكمة لاتخاذها هذا القرار ضدي. فأنا ظهرت على شاشة التلفزيون الاسرائيلي، تلفزيون العدو وهذا امر مرفوض. ولكني سأقول ما اسلفته للقاضي، وسأضيف بانني هنا اعيش بين الفلسطينيين الذي يسمونهم عرب 48، وهؤلاء مسيحيون ومسلمون ودروز، مثلهم مثلنا. وهذه ليست جريمة. اذن زيارتك ليست فقط بدافع اللقاء مع العائلة. فقد ظهرت على شاشة التلفزيون الاسرائيلي وأقمت حفلات كثيرة! - صحيح انني تعاقدت مع عرب فلسطينيين على احياء حفلات وقد قدمت عدداً منها تعدى حضور الواحدة منها سبعمئة شخص. ومن هو هذا الجمهور؟ - من العرب الفلسطينيين، وللاسف هؤلاء الذين شنوا معركة كبيرة ضد وصول اللبنانيين الى اسرائيل، وأعلنوا رفضهم القاطع لاستقبالهم باعتبارهم خونة ، هكذا على الاقل قرأنا في الصحف، هؤلاء العرب تكتظ بهم القاعة عندما أقدم حفلة. يعني الموضوع المادي اخذ قسطاً من حسمك في اتخاذ قرار زيارتك الى اسرائيل؟ - وهذا ليس خطأ. انا اليوم شكلت فرقة من 12 شخصاً وهؤلاء من فلسطينيي 48، وفرقتنا تنتشر بين الناس وتحظى بنجاح. وهذا اعتبره تواصلا من الدرجة الاولى ووطنية ايضا. فليست جريمة ان نغني معا. وهذا يعني ان اقامتك ستطول في اسرائيل؟ - لا استطيع ان أحدد الفترة. هذا يتعلق ببضعة اشياء وبالاساس كيفية استمرار عملي وحفلاتي هنا. ألم تتوقعي ان ظهورك في التلفزيون الاسرائيلي سيضرك كثيرا؟ - لا أدري، لكن هذه هي الوسيلة الوحيدة التي يستطيع بواسطتها المواطن العربي الذي يعيش في اسرائيل ان يتعرف علي. لكن هذا قد يضر بكل مستقبلك في العالم العربي، حيث تربيت في بيتك الفني؟ - انا مدركة صعوبة ما قد أواجه. لكنني واثقة ان محبي ندى رزق في كل العالم العربي، يعرفون تماماً من هي ندى رزق ومدى حبها لوطنها بشكل خاص. فانا حرصت طوال الوقت على الحفاظ على لهجتي اللبنانية في الاغاني التي قدمتها، ولم الهث وراء الكسب المادي واتخلى عن لهجتي اللبنانية لاغني بلهجة خليجية او مصرية. فأنا لم اتخل عن حبي لارضي ووطني ومبدئي. ومحبو ندى رزق هم الذين يقررون اذا كنت لبنانية وطنية، وليست السلطة. الا تعتقدين بأن هؤلاء الذين قرأوا وسائل الاعلام العربية التي كتبت عنك بعد وصولك الى اسرائيل، تأثروا بالمواقف؟ - انا متأكدة انهم يعرفون كل شيء عني. ولا يهمني ما كتبت عني الصحافة. فالكتاب في نهاية المطاف هم اشخاص عاديون يكتبون وجهة نظرهم. لكن ثقتي كبيرة بالقضاء اللبناني وبأنه سيأخذ قراره بعيداً عن السياسة. انا واثقة انه عندما يسمع وجهة نظري سيعرف الحقيقة اكثر. فملفي الذي يعرفه الجميع منذ ان نشأت في لبنان ومن ثم عشت في باريس لن يتغير