برعاية ولي العهد.. سدايا تنظم القمة العالمية للذكاء الاصطناعي في نسختها ال4 سبتمبر 2026م بالرياض    "محافظ محايل" يؤدي صلاة الاستسقاء مع جموع المصلين    ارتفاع الإنفاق على البحث والتطوير بنسبة 30.4% خلال عام 2024م    نجاح فصل التوأم الملتصق الجامايكي «أزاريا وأزورا» بالرياض    محافظ صبيا يؤدي صلاة الاستسقاء تأسياً بسنة النبي واستجابة لتوجيه خادم الحرمين الشريفين    الدحيلان عميداً لتقنية الأحساء    أمير القصيم يؤدي مع جموع المصلين صلاة الاستسقاء في جامع الأمير عبدالإله بن عبدالعزيز ببريدة    التضخم في السعودية يبلغ 2.2% في شهر أكتوبر 2025    شراكة مجتمعية بين ابتدائية قبيبان وجمعية «زهرة» للتوعية بسرطان الثدي    هيئة التقييس الخليجية تشارك في أعمال الدورة ال48 لهيئة الدستور الغذائي (CODEX)    أول اجتماع لمكتب المتقاعدين بقوز الجعافرة    تعليم الطائف يناقش أداء المدارس    تقني الشرقية تختتم "راتك 2025"    مصرية حامل ب9 أجنة    أمير حائل يدشّن عددًا من الحدائق الجديدة بالمنطقة .    الثقوب الزرقاء ورأس حاطبة.. محميتان بحريّتان تجسّدان وعي المملكة البيئي وريادتها العالمية    محافظ محايل يزور مستشفى المداواة ويطّلع على مشاريع التطوير والتوسعة الجديدة    البرازيل تمدد محادثاتها بشأن قضايا خلافية في قمة المناخ    المنتخبات السعودية ترفع رصيدها إلى 22 ميدالية في دورة ألعاب التضامن الإسلامي    تحذير فلسطيني من تهجير قسري في قلنديا ينتهك القانون الدولي الإنساني واتفاقيات جنيف    المصلون يؤدون صلاة الاستسقاء في جميع مناطق المملكة    عقد شراكة بين فرع الهلال الأحمر السعودي وبيت الثقافة بمنطقة نجران    أمانة نجران تطلق حملة موسم التشجير لعام 1447    تراجع أسعار الذهب 0.1 %    ورشة استراتيجية مركز الملك سلمان لأبحاث الإعاقة 2026–2030    رئيس برشلونة ينفي تقارير عودة ميسي    كمبوديا وتايلاند تتبادلان الاتهامات بالتسبب بمواجهات حدودية جديدة    الرياض تحتفي بانطلاق البطولة العربية للجولف للرجال والرواد    ذاكرة الحرمين    الشلهوب: الرسائل المؤثرة.. لغة وزارة الداخلية التي تصل إلى وجدان العالم    كريستيانو رونالدو: المونديال القادم هو الأخير لي    ستة معايير سعودية تقود عملية تطوير مؤسسات التعليم العالي عربيًا    خادم الحرمين يدعو لإقامة صلاة الاستسقاء اليوم    يجتاز اختبار القيادة النظري بعد 75 محاولة    شهدت تفاعلاً واسعاً منذ إطلاقها.. البلديات: 13 ألف مسجل في مبادرة «الراصد المعتمد»    وسط مجاعة وألغام على الطرق.. مأساة إنسانية على طريق الفارين من الفاشر    وسط جدل سياسي واسع.. الرئيس الإسرائيلي يرفض العفو عن نتنياهو    وزير الخارجية يستعرض مع نظرائه الأمريكي والهندي والألماني المستجدات    تعزز مكانة السعودية في الإبداع والابتكار.. إطلاق أكاديمية آفاق للفنون والثقافة    «مغن ذكي» يتصدر مبيعات موسيقى الكانتري    160 ألف زائر للمعرض.. الربيعة: تعاقدات لمليون حاج قبل ستة أشهر من الموسم    في دور ال 32 لكأس العالم للناشئين.. مواجهات صعبة للمنتخبات العربية    في الميركاتو الشتوي المقبل.. الأهلي يخطط لضم الألماني«ساني»    أوروبا وكندا تدعوان لتنفيذ اتفاق غزة    الوكالة الذرية تفقد القدرة على التحقق من مخزون اليورانيوم الحساس    تجربة الأسلحة النووية مرة أخرى    وفد رفيع المستوى يزور نيودلهي.. السعودية والهند تعززان الشراكة الاستثمارية    القيادة تعزي رئيس تركيا في ضحايا تحطم طائرة عسكرية    القيادة تعزي الرئيس التركي    فيصل بن فرحان ووزيرة خارجية كندا يستعرضان العلاقات وسبل تعزيزها    فرحة الإنجاز التي لا تخبو    أمير جازان يشهد انطلاق أعمال ورشة الخطة التنفيذية لمنظومة الصحة 2026    جلسة حوارية حول "الاتصال الثقافي بين السعودية والصين" في قسم الإعلام بجامعة الملك سعود    تحسين متوسط العمر في ضوء رؤية 2030    «محمية الإمام» تطلق تجربة المنطاد    دراسة: فيروس شائع يحفز سرطان الجلد مباشرة    بدء التسجيل لجائزة سلامة المرضى    أمير نجران يستعرض تقرير "التجارة"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



10 امتار فقط على شاطئ بحيرة طبريا بين مد وجزر . العقدة السورية - الاسرائيلية : الارض أم المياه ؟
نشر في الحياة يوم 06 - 12 - 1999

تنصب جهود جميع المعنيين بقضية السلام بين العرب واسرائيل على تذليل العقبات أمام استئناف المفاوضات على المسار السوري - الاسرائيلي. وتواجه هذه الجهود التي ترعاها الولايات المتحدة وتشارك فيها أطراف اقليمية ودولية متعددة، وآخرها فرنسا، عقبات لم يتم التغلب عليها حتى الآن، ذلك "ان الظروف غير ملائمة لاستئناف المفاوضات"، على حد قول وزير الخارجية الفرنسي أوبير فيدرين بعد زيارة دمشق في 11/11/1999. فسورية تمسكت من جانبها ب"الخط الأحمر" الذي وضعته كشرط لاستئناف المفاوضات، وهو ان تبدأ من حيث انتهت والصحيح أنهيت من جانب نتانياهو المفاوضات السورية - الاسرائيلية العام 1996. وهذا يعني في المفهوم السوري ان ما تم الاتفاق عليه ما بين 1992 و1996 بين سورية واسرائيل وهو في حدود 80 في المئة كما قال عنه الوزير فاروق الشرع هو حقيقة ثابتة وقائمة ينبغي البناء فوقها، بل وإكمالها للوصول الى اتفاق المئة في المئة وليس هدم وإلغاء ما تم التوصل اليه وبدء المفاوضات من نقطة الصفر!
أما اسرائيل، وعلى رغم اختيارها ايهود باراك رئيساً للوزراء في الانتخابات، مكلفاً متابعة خط اسحق رابين لإيجاد حل للصراع العربي - الاسرائيلي، فإنها اعتبرت الموقف السوري بمثابة شرط مسبق وبالتالي فهي ترفض أي شرط مسبق لاستئناف المفاوضات. وهي تود ان يشرع الجانبان بالتفاوض من دون شروط مسبقة.
التفسير السياسي، بل الجيو - سياسي، لهذين الموقفين هو ان سورية تتمسك بما تسميه "الوديعة" وهو ما تقول عنه إنه تعهد من اسحق رابين نقل اليها بواسطة الولايات المتحدة، وخلاصته استعداد اسرائيل للانسحاب من الجولان حتى خطوط 4 حزيران يونيو 1967. وهذه مسألة أساسية، بل المسألة الجوهرية في الموقف السوري لتحقيق السلام. أما اسرائيل باراك فترفض الإلتزام مسبقاً بهذا الطرح وتتحدث عن أربعة أمور ذات صلة به:
1- ان رابين في رأيها طرح على سورية مجرد احتمال بالانسحاب لاختبار رد فعل الرئيس حافظ الأسد، لكنه لم يطرح انسحاباً، لا عملانياً ولا كاملاً. فهو طرح "انسحاباً في الجولان وليس انسحاباً من الجولان".
2- ان ما تم بحثه والتوافق في شأنه في المفاوضات ليس قراراً ملزماً لاسرائيل لأنه لم يُقر في المؤسسات الدستورية، حيث للسلطات التنفيذية والتشريعية الحق بقبوله أو تعديله أو رفضه.
3- ان اسرائيل تفضل الكلام عن الحدود الدولية بين سورية وفلسطين وليس عن حدود الرابع من حزيران 1967 لأنهما غير متطابقتين.
4- وهي، على لسان باراك، تدعو سورية الى استئناف المفاوضات على قاعدة قرار مجلس الأمن الرقم 242 بقراءته الاسرائيلية وفيها تشديد على نقطتين: دعوة اسرائيل للانسحاب من أراض عربية محتلة "وليس كل الأراضي المحتلة"، والاعتراف بحق جميع دول المنطقة في العيش بسلام داخل حدود آمنة ومعترف بها. مما يعني، في المفهوم الاسرائيلي، ضرورة اجراء تعديلات على الحدود مع دولة عربية، هي سورية، ومع كيان غير دولاتي هو الضفة الغربية.
أما الولايات المتحدة، فقد أعلنت بعد طول صمت "ان اسرائيل لم تتعهد انسحاباً كاملاً من الجولان" لأنه "لن يكون اتفاق على شيء قبل ان يتم الاتفاق على كل شيء". وبهذا تكون اميركا قد اتخذت موقفاً الى جانب اسرائيل ورفضت وجود "وديعة" رابين التي يتحدث عنها السوريون.
يتبين مما تقدم ان عقدة المفاوضات السورية - الاسرائيلية ليست مجرد مسألة شكلية أو بسيطة، فحتى لو وافقت الدولتان على استئناف المفاوضات لأسباب تكتيكية، فإن العقدة بينهما تستجمع أربعة أبعاد متداخلة: البعد الجغرافي، والبعد الاستراتيجي، والبعد السياسي، والبعد الأمني بامتداده الى جنوب لبنان.
يتناول البعد الجغرافي بشكل رئيسي طبيعة الحدود بين سورية وفلسطين 1923 ثم بين سورية واسرائيل ثم حدود وقف اطلاق النار بين الجانبين 1949 واحتلال الجولان في حرب حزيران 1967 وتوسيع هذا الاحتلال في حرب تشرين 1973.
فالصراع يتركز بشكل رئيسي على هذه المنطقة المعروفة بحفرة الانهدام وهي الفالق الأرضي الواقع بين الجولان والجليل والممتد جنوباً حتى البحر الميت. فالممر الضيق من إصبع الجليل ووادي الحولة شمالاً الى بحيرة طبريا وملتقى نهري اليرموك والأردن جنوباً، يجعل من هضبة الجولان المطلة عليه مباشرة بشكل حاد، والتي تغذية بحوالي 770 مليون متر مكعب من المياه كمعدل سنوي عام أي نحو ثلث حاجات اسرائيل المائية مسألة شديدة الدقة والأهمية. فهو "أشبه بالألزاس واللورين بالنسبة الى سورية، وأشبه بخط ماجينو بالنسبة الى اسرائيل". وترى صحيفة "لوموند" انه "إذا كانت القدس هي مدينة الايمان والرموز لدى اليهود، وإذا كانت الضفة الغربية هي محك الهوية ومصير شعب فلسطين، فإن الجولان هو حقل الصراع الذي تختلط فيه ثلاثة: السيادة والحدود والأمن. وبالتالي فإن مصيره لا تحدده الايديولوجيا ولا الديانة بل الجيو - استراتيجيا".
بناء عليه، فإن العودة الى الخرائط الجغرافية مسألة بالغة الأهمية، فمن دونها يصعب فهم جوهر المشكلة وموقف الفرقاء، والعودة الى الخرائط تبين المعطيات الآتية:
أولاً- يعرّف ميشال فوشيه الحدود السياسية بأنها "خلاصة اسقاط الزمان في المكان"، أي انها خلاصة ميزان القوى في فترة تاريخية معينة يتم رسمها على أرض الواقع وهي تعكس مصالح القوى الدولية المؤثرة ومن ثم مصالح القوى الاقليمية والمحلية. وهكذا فحدود فلسطين السياسية تم رسمها وفق معايير، منها توازن مصالح بريطانيا وفرنسا في المنطقة، والاعتبارات الاستراتيجية والاقتصادية وضغوط الحركات الصهيونية خصوصاً في موضوع المياه، لا سيما بحيرة طبريا ومنابع الأردن. ويعتبر زئيف شيف المعلق العسكري الاسرائيلي المعروف: "ان الدفاع عن مصادر المياه هو ضرورة استراتيجية". وبالتالي: "فإنه ينبغي الإصرار على ان تتضمن الاتفاقات مع سورية بشكل تام مصادر مياه نهر الأردن".
ثانياً- ان مراجعة مختصرة لمشكلة الحدود بين فلسطين وسورية تلقي ضوءاً كاشفاً على جوهر الصراع الحالي بين سورية واسرائيل. فلقد مرت هذه الحدود حتى الآن بست مراحل:
- مرحلة اتفاقية سايكس - بيكو بين بريطانيا وفرنسا 1916.
- مرحلة معاهدة باريس بين بريطانيا وفرنسا 1920.
- مرحلة الحدود الدولية لجنة نيو كمب - بوليه 1923 والتي نالت موافقة عصبة الأمم العام 1934 وصارت الحدود الدولية لفلسطين مع سورية ولبنان.
- مرحلة حدود وقف اطلاق النار بعد حرب فلسطين 1949.
- مرحلة حدود الرابع من حزيران 1967.
- مرحلة حدود فصل القوات بين سورية واسرائيل، بمسعى هنري كيسنجر في 1974.
فالموقف السوري يدعو الى العودة الى حدود الرابع من حزيران 1967، في حين يدعو الموقف الاسرائيلي عملياً الى تعديل في الحدود الدولية لعام 1923، خصوصاً في الشريط الممتد شمال شرقي بحيرة طبريا.
ثالثاً - لكي نفهم خلفية الموقفين السوري والاسرائيلي، لا بد من استعادة المعطيات الجغرافية الآتية:
- اتفاقية سايكس - بيكو 1916 جعلت اصبع الجليل ومعظم بحيرة طبريا داخل القطاع الفرنسي أي في الدولة العربية.
- أما اتفاقية باريس 1920، فجعلت اصبع الجليل وقسماً من الجولان ومعظم بحيرة طبريا داخل حدود فلسطين داخل القطاع البريطاني.
- والأهم في الموضوع كله هو الحدود الدولية لفلسطين لعام 1923 التي رسمتها "لجنة نيو كمب - بوليه" والتي يجري الصراع حولها لأنها تشكل حتى اليوم الحدود المعترف بها من الأسرة الدولية. تنطلق هذه الحدود من بلدة المطلة الى مكان قريب من بانياس ثم تنعطف جنوباً في خط شبه مواز لنهر الأردن شاملاً النهر وروافده ومنطقة بحيرة الحولة ثم تقترب من مجرى النهر عند جسر بنات يعقوب ثم تسير على بعد 500 متر شرقي نهر الأردن حتى مصبه في بحيرة طبريا. ثم، وهذا هو المهم، يسير خط الحدود على بعد عشرة أمتار فقط من ساحل البحيرة لجهة الشرق ويتبع الحدّ أي تغيير في مستوى المياه بسبب المد والجزر والتبخر وبسبب انشاء السدود على نهر الأردن جنوب البحيرة وذلك حتى منطقة قرية النقيب، ومن هناك تتجه الحدود شرقاً بعرض يقارب الكيلومترين شرقي - جنوبي البحيرة وصولاً الى نهر اليرموك ومدينة الحمة، شاملة مثلث الأردن - اليرموك، بما فيه محطة سكة الحديد في سمخ غربي بحيرة طبريا.
رابعاً- هذه المنطقة هي لب الخلاف الاسرائيلي - السوري الحالي. "فموضوع بحيرة طبريا، كما يقول زئيف شيف، هو الأهم لأن الأمر يدور حول أكبر خزان للمياه وهو الوحيد في دولة اسرائيل". ويضيف: "لا يمكن الموافقة بأي شكل من الأشكال على عودة السوريين مجدداً الى شاطئ بحيرة طبريا، فالحدود قبل حرب الأيام الستة تمر على بعد عشرة أمتار منها في جزئها الشمالي الشرقي، وينبغي ابعاد الجيش السوري والصيادين عنها. فهي مياه غالية ومهمة جداً بالنسبة الى اسرائيل أكثر من النفط، والسبيل لتجاوز هذه المشكلة هو تعديل الحدود... بسبب حساسية اسرائيل الى خزان المياه المهم".
هذا الكلام الواضح الذي كتبه المراسل العسكري لصحيفة "هآرتس" العام 1994 يشكل المرجعية التي استند اليها رابين ويستند اليها باراك لتحديد موقفه من المفاوضات الآن. وهذا هو معنى لعب المسؤولين الاسرائيليين رابين وبيريز وباراك على الألفاظ حين يتحدثون عن انسحاب في الجولان وليس عن انسحاب من الجولان. وهو مكمل للعب على ألفاظ القرار الرقم 242 باعتباره ينص على انسحاب من أراض محتلة وليس من الأراضي المحتلة. وفي هذه النقطة يدمج باراك النصين ليؤكد ضرورة انسحاب اسرائيل الى حدود آمنة ومعترف بها مما يعني في رأيه ضرورة اجراء تعديلات ضرورية على حدود العام 1923 لتصبح آمنة بالنسبة الى اسرائيل أو ما يسميه شاوول كوهين من مركز الدراسات الاستراتيجية جافي: "حدود اسرائيل التي يمكن الدفاع عنها". ويرى كوهين "ان اسرائيل لن تقبل تنفيذ قرار الامم المتحدة 242 من دون تغييرات حدودية اساسية، هذا إذا لم تعمد حقاً الى ضم الأرض ورفض القرار 242 كلياً". وعنده "ان التغييرات الحدودية المقترحة هي من النوع الذي يعزز أمن اسرائيل الاقليمي الذي هو هدف وطني مشروع". وهذا يطرح مسألة العلاقة الاستراتيجية بين الأمن والأرض بأبعادها الاقتصادية والديموغرافية والعسكرية. وفي هذا المجال يحدد كوهين خمسة احتياجات لاسرائيل: السيطرة على المياه، نقاط المراقبة، العمق الدفاعي، مساحات للنمو السكاني - الصناعي وانعدام الكثافة السكانية العربية.
خامساً - في مقابل ذلك، يشدد السوريون على ضرورة العودة الى حدود الرابع من حزيران يونيو 1967 وعلى مبدأ الأرض في مقابل السلام القرار 242 وعلى مرجعية مدريد كأساس للسلام العادل والشامل.
- فمن جهة أولى يعتبر السوريون بمثابة تحصيل حاصل ما أقرته اتفاقية الحدود الدولية 1923 بين سورية وفلسطين من حيث "حقهم في استخدام محطة سمخ لسكة الحديد والوصول الى المرسى والميناء على بحيرة طبريا. وان لسكان سورية ولبنان الحقوق نفسها في الملاحة والصيد في بحيرتي طبريا والحولة وكذلك نهر الأردن بين البحيرتين بشكل متساو مع سكان فلسطين...؟ اذن، حقوق في المياه في البحيرتين قبل تجفيف الحولة وحقوق في مياه النهر ما بينهما وكذلك حقوق في النقل.
- ومن جهة ثانية، فقد عزز السوريون حقوقهم هذه خلال حرب فلسطين 1948، مستفيدين من تفوقهم الاستراتيجي في أربع نقاط: زاوية بانياس، منطقة الحولة مقابل الدرداره وجسر بنات يعقوب زاوية مصب نهر الأردن في طبريا، والشريط الحدودي شرق طبريا الممتد من النقيب الى الحمة. وأصبحت هذه المناطق الخط الدفاعي السوري في مقابل الخط الدفاعي الاسرائيلي الممتد من المطلة عبر الجليل الى غرب بحيرة طبريا. ومع توقيع اتفاقية الهدنة بين سورية واسرائيل 1949 اعتبرت هذه المناطق الأربع: مناطق منزوعة السلاح مساحتها 66.50 كلم2.
ولقد نصت المادة الخامسة من اتفاقية الهدنة بين سورية واسرائيل 20/7/1949 على انه "في الأماكن التي لا ينطبق فيها خط الهدنة على الحدود الدولية بين سورية وفلسطين، فإن المنطقة الكائنة بين خط الهدنة والحدود تشكل بانتظار تسوية اقليمية نهائية بين الطرفين، منطقة مجردة تبعد عنها كافة قوات الطرفين المسلحة ولا يسمح بأي نشاط للقوات العسكرية فيها... وأي تقدم للقوات العسكرية في أي مكان منها يشكل خرقاً فاضحاً لهذه الاتفاقية".
لكن اسرائيل شرعت منذ بداية الخمسينات في قضم المنطقة المنزوعة السلاح خصوصاً في نواحي الحولة حيث استغل الاسرائيليون حرب 1956 مع مصر لطرد السكان العرب من هناك الى سورية قرى كراد البقاره وكراد الغنامة وبراده...، كما يعترف رابين في مذكراته، وكانت هذه المحاولات تؤدي الى اشتباكات ومواجهات عسكرية مع السوريين. وفي حين عمد الاسرائيليون الى السيطرة على المناطق الثلاث المنزوعة السلاح شمال بحيرة طبريا حتى الجليل، ومساحتها 48.5 كلم، فقد سيطر السوريون على المناطق المنزوعة السلاح شرقي بحيرة طبريا حتى الحمة ومساحتها 18 كلم2، وبالتالي على حد المياه الشرقي للبحيرة. وعلى رغم الفارق في المساحة المحتلة بين الجانبين، فإن سورية كانت في موقف استراتيجي أفضل لأنها أصبحت مسيطرة على الجهة الشرقية من بحيرة طبريا وعلى الجهة الشرقية من ضفة نهر الأردن وهذا يمنحها عملياً ملكية نصف المياه في الجانبين، وهذا هو "الكنز الاستراتيجي الثمين" الذي تتمسك به سورية في كلامها على حدود الرابع من حزيران 1967، لأن هذا الوضع ظل قائماً حتى ذلك التاريخ. وفي الحقيقة: ليست "وديعة" رابين بالانسحاب الكامل من الجولان الى حدود 4 حزيران وليس الى الحدود الدولية سوى تأكيد لهذا الستاتيكو كمنطلق للمفاوضات. والمنطق السوري هذا يقطع على الاسرائيليين الطريق لاعتماد مقولة: ما هو لنا، لنا وحدنا، وما هو لكم هو لكم ولنا.
- ومن جهة ثالثة، فإن الرئيس الاسد لاسباب ذاتية ووطنية وايديولوجية وحزبية وتاريخية، لن يقبل بأقل مما قبل به الرئيس انور السادات: كل الارض في مقابل السلام، فالسابقة التي اقدمت عليها اسرائيل في سلامها مع مصر باعادة كامل الارض بما فيها طابا في ما بعد ستبقى معياراً لبقية دول الطوق حتى وان كانت لاسرائيل مبرراتها الخاصة في السلام مع اكبر دولة عربية. ويومها كان النقد الاكبر الذي وجهه اقصى اليمين الراديكالي الاسرائيلي الى حكومة مناحيم بيغن انه "سيأتي يوم يحذو فيه العرب حذو مصر لاعادتنا الى حدود السادس من حزيران 1967" وهو ما ترفضه كل القيادات الاسرائيلية وتعتبره واحداً من لاءاتها الاساسية.
باختصار، هناك العديد من العناصر والاسباب التي تسهم في انشداد عقدة المفاوضات السورية - الاسرائيلية، لكن العقدة الاساس التي تتخطى صحراء سيناء ووادي عربة هي تلك التي اعلنها بصريح العبارة الجنرال اوري ساغي احد كبار مساعدي باراك والمرشح لتولي ملف المفاوضات مع سورية واحد ابرز الخبراء الاسرائيليين في الشؤون السورية. فقد قال في محاضرة في شفا عمرو 17/11/1999: "انني ارى ان مشكلة المياه هي المسألة الاشد اهمية في المفاوضات مع سورية لأن قضية الترتيبات الامنية اسهل بكثير، ولا يمكن حلّ هذه المشكلة الصعبة من دون المثلث التركي - السوري - الاسرائيلي". وهو كلام له مغزاه وابعاده الجيو-استراتيجية!
ان المعركة الديبلوماسية الحقيقية بين سورية واسرائيل ستتركز في النهاية حول الشريط الارضي شرق بحيرة طبريا. اما علاقة المفاوضات بجنوب لبنان، فلها كلام آخر!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.