في الدورة الحادية والعشرين لمهرجان نانت السينمائي للقارات الثلاث جرى تخصيص تظاهرة للسينما العربية المشرقية، وذلك انطلاقاً من اتجاه المهرجان لعدم الاكتفاء بعرض افلام هذه القارات آسيا، أفريقيا، اميركا اللاتينية وانما بالعمل ايضاً على المساعدة في تطوير سينما هذه البلدان عبر تخصيص تظاهرات موازية ذات غاية محددة، كتظاهرة عن السينما المكسيكية، وعن كتاب السيناريو فيها، وعن السينما العربية وأحوالها، اذ عرض هذا العام اكثر من ثلاثين فيلماً من سورية، لبنان، فلسطين، الأردن، العراقوالكويت بمشاركة عدد من سينمائيي هذه البلدان اضافة الى سينمائيين من دول الخليج: الامارات، البحرين، اليمن، عُمان والسعودية. وقد خصص يوم عمل كامل لمناقشة اوضاع السينما في هذه البلدان. ولم تدع مصر لهذه الندوة لأن "السينما المصرية سبق وقدمت في المهرجان في العديد من الدورات" كما ذكر فيليب جالادو مدير المهرجان الذي نظم وأدار يوم العمل هذا مع دومينيك شاستر. واكد مدير المهرجان في كلمته على ضرورة وجود كل هؤلاء في فرنسا "وجودكم، انتم المبدعون، ضروري لنا ولكم، نحن في قارب واحد، والوضع السينمائي المتمثل بهيمنة السينما الاميركية يتطلب منا المقاومة والعمل معاً على خلق سينما ابداعية". شارك في الندوة عدد من النقاد والمبدعين بينهم المخرجة نجوم الغانم الامارات التي قرأت ورقة العمل التي أعدها خلفان مصبح الوكيل المساعد لشؤون الثقافة والفنون في ابو ظبي، وقد ذكرت ان الامارات هي "دولة حديثة لم تقم فيها بعد صناعة سينمائية وليس هناك الا فيلم واحد "عابر سبيل" صور في الثمانينات بكاميرا فيديو وعرض في الصالات، كما توجد بعض الافلام الوثائقية التي تعرض في التلفزيون". واشتكى المخرج بسام الذوادي من البحرين كمنتج في تلفزيون بلده: "لا احد يسمعنا لا الحكومة ولا شركات الدعم" وتمنى على ندوة نانت الخروج "بتوصيات ترفع الى وزارات الثقافة والاعلام لتحريك العجلة.." وأضاف "السينما في البحرين بدأت مع خليفة شاهين، وكان مصوراً يعمل مع البريطانيين في البحرين ثم قام بانتاج بعض الافلام التسجيلية التي فاز بعضها بجوائز عالمية كفيلم "الموجة السوداء" الذي يتحدث عن البيئة والتلوث كما شارك مع والت ديزني كمنتج وكممثل في فيلم "حمد والقراصنة" ثم جاء فيلمي الروائي الحاجز كأول فيلم بحريني طويل 90. وشارك من الكويت المخرج الكويتي خالد الصديق الذي كان اول من اخرج فيلماً كويتياً العام 1971 وهو فيلم "بس يا بحر" عن كفاح الشعب الخليجي مع الطبيعة والصراع من اجل البقاء من خلال قصة القوص وصيد اللؤلؤ. وقد ذكَّر في مداخلته بأن هناك افلام تسجيلية عن الكويت قامت بانجازها شركات النفط الأجنبية "ثم بدأ مخرجون كويتيون العام 65 بعمل افلام قصيرة… وبعدها انجز هو فيلميه". وعن تأثير الدولة في السينما "قامت الدولة في الكويت بمحاولتين لدعم السينما من خلال الفيلمين "الرسالة" و"عمر المختار" وقد حدثت لها بعض المشاكل من هذين الفيلمين ولذلك فهي تخاف الآن من احتضان السينما". ثم سرد حادثة طريفة حدثت معه بعد عرض فيلمه "عرس الزين" في مهرجان كان العام 1978 وبينما كان في صحبة السفير الكويتي سمع صحفياً اميركياً معلقاً "هذا الفيلم، رائحته نفط!" وهذا بالرغم من ان الدولة لم تصرف على فيلمه شيئاً وانما اعتمد في انتاجه على أمواله. وعندما جاء دور المخرج الفلسطيني ايليا سليمان للكلام، بدأ موجهاً حديثه للمترجم "أتقبل اللهجة الفلسطينية؟!" ثم انطلق بعدها في هجوم أثار البعض وأعجب وأضحك البعض الآخر "اعتقد بأن اختياري للمشاركة في هذه الندوة قد تم بطريقة عشوائية ربما لقلة المخرجين الفلسطينيين، لأنني لا امثل فلسطين، فأنا من الناصرة وهي خارج اتفاق اوسلو". ثم اضاف بأنه لا يمثل، حتى، السينما العربية "لا أمثلها ولم اتأثر بها وما رأيته منها لم احبه" وعبَّر عن رفضه لوضع السينما في اطر "السينما العربية، السينما الأوروبية او سينما الدول المتخلفة". ومن سورية شارك المخرج نبيل المالح الذي ذكر المحاولات السينمائية الاولى في بلده "كانت على يد مغامرين عاشقين للعبة، اذ صور اول فيلم سوري طويل العام 1928" وتتابعت المحاولات على فروق زمنية طويلة الى ان تكونت وزارة للثقافة ايام الوحدة مما عني "بأن للثقافة مكان" وبعد تأسيس مؤسسة السينما في العام 63 بمشاركة خالد حمادة وصلاح ذهني تواجدا في المهرجان، أرسلت بعثات الى الدول الاشتراكية. وأشار المالح الى ان هؤلاء الخريجين هم الآن "ثروة المؤسسة" وبأن هذه المؤسسة "هي اهم انجاز على مستوى الوطن العربي لأنها مستمرة وحية وبمجرد ان تقدم السيناريو وتحصل الموافقة عليه فانه سيصور" ورأى بأن ما سمي الآن بالسينما السورية هو في حقيقته "سينما المخرجين" فلكل مخرج صيغته وأسلوبه. وأشار الى نقطة هامة وهي "تهاوي الصالات وتهاوي طقس الذهاب الى السينما في سورية كحدث اجتماعي ممتع" وذلك بعد سياسة احتكار استيراد الأفلام من قبل المؤسسة بغرض حماية المستهلك، ولكن الذي جرى هو "استيراد للأفلام الرخيصة". اما بالنسبة للوضع الحالي للسينما فقد قال "فيلم واحد في العام، يعرض في اوروبا وغيرها ولكنه لا يعرض في البلدان العربية، وسوق مصر لا تعرض اي فيلم عربي". وبالتالي فقد اصبحت السينما السورية من دون "اهمية اذ لم نستطع ان نصنع مشاهداً سورياً او مشاهداً عربياً". وأكد على هذه القضية ايضاً المخرج اللبناني غسان سلهب "نحن لا نعرف بعضنا، اذ هذه هي المرة الاولى التي أرى فيها تجمعاً سينمائياً عربياً بهذه الكثافة، وهو أمر مستغرب ان يحصل هنا في نانت! ونحن لا نعرف ما ينتجه الآخرون ولا نرى في بلداننا افلامنا ولا افلام جيراننا..". اما عن السينما اللبنانية فقد قال "لا سينما لبنانية ولكن سينما مخرجين لبنانيين". وجرت بعدها مناقشة طويلة مع الحضور تم خلالها الحديث عن دور الدولة والقطاع الخاص في السينما، وطرح مدير الندوة سؤالاً حول هذا الدور وأعطى مثالاً "في سورية هذا الدور قوي وفي لبنان ضعيف والسؤال هو هل يمكن تخيل سينما خلاقة ذات قيمة فنية في دولة داعمة للسينما ام في دولة لا تدعمها؟". وتنوعت الاجابات فأشار المالح الى ان الأنظمة العربية هي "خارج الزمن في موضوع الثقافة، ولا اتفاق عربياً في هذا الخصوص". والى ان الشيء الوحيد الذي اتفق عليه العرب هو "الرقابة" وقال بأن الوضع في سورية هو "حالة خاصة وناجحة في حدود ما يمكن انجازه لأن السينمائيين لا يستجدون هناك ولكن ينتظرون!"" وهذا الانتظار قد ادى بالمخرج اسامة محمد الى عدم اخراج اي فيلم منذ العام 88! وعن القطاع الخاص "هذا القطاع يعرف بأن المردود يأتي من التلفزيون". واعتبر المخرج اسامة محمد بأن هناك "هوة كبيرة بين السياسة والثقافة ولا يمكن مواجهة العولمة دون فهم هذه الهوة، والدولة التي تنهب ثروات شعوبها لا تعطي استقلالية للمثقف، واذا كانت الحرية مفقودة فليس معنى ذلك الا نطالب بها وبقوة". وانتهى الى القول حول العلاقة مع الدولة "لا علاقة للدولة بالسينما، فلترفع يدها عن حريتنا وتدخلها في رأينا، ولكن هذا لا يمنع بأن يكون لنا الحق بالمطالبة بموازنة للثقافة لأن هذا حقنا كشعوب. والدولة مطلوبة ولازمة هنا". وبعدها انتقل الحديث الى التلفزيون ودوره "التخريبي للسينما"، كما قال اسامة محمد، واضاف: "السينما والتلفزيون كقابيل وهابيل"، وأجمع المشاركون على ان العمل التلفزيوني لا يصل الى مستوى العمل السينمائي ابداعياً. وتخوف البعض من الوصول الى يوم "لا تعرض فيه في الصالات الا الأفلام التلفزيونية". وقد كانت هناك نقطة ايجابية اشار اليها الحضور وهي تواجد مؤسسات ثقافية محلية كالمجمع الثقافي في ابو ظبي ومؤسسة شومان في الأردن… تحاول عرض الافلام التي لا تعرض في الصالات التجارية حيث تهيمن الافلام الاميركية… كما تقوم هذه المؤسسات بتنظيم مهرجانات سينمائية متنوعة كمهرجان السينما العربية او مهرجان السينما الفرنسية في عمان…. وفي الختام تشكلت لجنة منبثقة من السينمائيين الموجودين وعملت على صياغة "رسالة مفتوحة من ملتقى السينمائيين العرب في نهاية القرن العشرين في نانت" طالبت فيها بضرورة تحمل الدول والحكومات العربية لمسؤوليتها بجدية وفاعلية اكثر "بعيداً عن الخطاب اللغوي المكرور" وذلك عبر: تخصيص ميزانيات للانتاج السينمائي واقامة المزيد من صالات العرض - انشاء صناديق للدعم السينمائي في جميع الدول العربية تقتطع ايراداتها من ايرادات العروض ومن الاعمال السينمائية التي تعرض في محطات التلفزيون وفي الفيديو، وتكون مفتوحة امام التبرعات الشخصية والعامة - حرية القطاع الخاص ودعم مشاريعه - النظر الى الانتاج المشترك مع الدول الاوروبية او غيرها على انه نافذة حوار وتضامن ثقافي ندي وتشجيع هذه المبادرات كونها تفتح الباب المغلق امام توزيع الفيلم العربي ووصوله كقيمة ثقافية الى المشاهد الغربي - الحرية الفكرية للمبدع السينمائي العربي والوقوف ضد المنع والاتهام السياسي لأن النقد والحوار هما الأساس الوحيد المؤهل للتقييم الفني للعمل - انشاء معاهد ونشر الثقافة السينمائية. وحول العلاقات الثقافية السينمائية مع اوروبا طالب الملتقى الجهات الأوروبية والفرنسية خاصة بالمساعدة على تأمين منح اكاديمية وضرورة التعامل المتكافئ مع السينمائيين العرب بغض النظر عن وضع دولهم الاقتصادي مشيرين الى ان المصلحة الثقافية الأمثل تأتي من تبني مشاريع انطلاقاً من عمقها الفني والثقافي وانتمائها لهويتها الأم اولاً. كما دعوا الى ضرورة حفظ الأرشيف السينمائي العربي عبر التعاون مع مؤسسات السينما الاوروبية. وختم البيان او الرسالة المفتوحة بنوده بالاشارة الى ان "هذه الرسالة المفتوحة يجب ان ينظر اليها كرفض حتمي للوضع المتردي الذي وصلت اليه الثقافة العربية المعاصرة على مختلف اصعدتها وما السينما الا كيان مهم وأساسي فيها… وهي حالة واقعية فاعلة في حياتنا الاجتماعية والثقافية وعلينا العمل على كل ما من شأنه وضع حد لتردي وضعها وتفعيل كافة القرارات المتخذة والمؤجلة"