التعليم ليس أوعية تُملأ بمعلومات جامدة، ولا قوالب تحفظ عن ظهر قلب لتُفرغ في أوراق الاختبار؛ بل هو إشعال لشمعة الفكر، وإيقاظ لملكة العقل، وإحياءٌ لروحٍ متطلعة إلى المعنى، التعليم رسالة بناءٍ قبل أن يكون تلقينًا، وصناعةُ إنسانٍ قادرٍ على حمل هم وطنه قبل أن يكون حشدًا لمعارف متفرقة. والطالب الحق ليس من يحفظ المعلومة فحسب، بل من يتقن فنّ التفكير، ويملك شجاعة المواجهة، ويستطيع أن يتخذ قراره بعقلٍ راشدٍ وفكرٍ ناضج، هو من يرى في التحديات فرصًا للارتقاء، وفي المشكلات مساحاتٍ للإبداع، فيقف شامخًا أمام الحياة لأنه تدرب على تحمل المسؤولية. وما أحوجنا اليوم إلى أن نعيد النظر في طرائقنا التربوية وأساليبنا التعليمية، فنوجّهها لتكون مرتكزة على الطالب، فهو المحور، وهو القلب النابض بالعملية التربوية. فإذا سُلب هذا الدور، وأُعفي من أعبائه، لم يجنِ إلا الضعف والتواكل، ولم يذق لذّة الإنجاز ولا طعم النضج. ومن المؤسف أن نرى اليوم بعض الأسر قد أُغرقت بالرسائل عبر قروبات الواتساب، حتى بدا وكأن الطالب غائبٌ عن مدرسته، أو كأن ولي الأمر هو الطالب الفعلي، بل قد يحدث أن يُلقي بعض المعلمين عبء الواجبات والتكاليف على الأهل، فيتحول جهد المدرسة إلى إشعارات متلاحقة، بدل أن يكون تكليفًا مباشرًا للطالب نفسه، وهنا يختلط الدور، ويضيع الأصل، فينشأ الطالب مُستندًا إلى كتف غيره، لا متحملًا لمسؤوليته. إن المدرسة ليست مخزنًا لتكديس المعارف، بل فضاء رحب تُغرس فيه القيم، وتُنمَّى فيه المهارات، وتُبنى فيه الشخصية المتوازنة، التي تجمع بين الأصالة والمعاصرة، وبين العلم والعمل، وهنا يتجلى دور المعلم الملهِم، لا كناقلٍ للمعلومة فحسب، بل كقائدٍ تربوي يوقظ الطاقات الكامنة، ويزرع الثقة في النفوس، ويطلق فيهم روح المبادرة والإبداع. فما قيمة تعليمٍ يُعود الطالب على التهرب من مسؤوليته، أو يُلقي بأعبائه على أهله، أو يُرحلها بعض المعلمين إلى أولياء الأمور عبر قروبات الواتساب؟! إن المسؤولية لا تُنقَل ولا تُفَوَّض، بل تُحتمل وتُعاش، ومن لم يحملها بنفسه لم يعرف طعم النضج، ولم يذق لذّة الإنجاز. وحين ينهض الطالب بواجبه، ويُدرك أن طريق العلم جهادٌ وجهد، وتعبٌ ومشقّة، عندها فقط يكون صانع الغد وباني المستقبل، لا متكئًا على غيره، ولا مختبئًا وراء جدران التواكل، بل فاعلًا في مجتمعه، عاملًا في نهضته، مؤمنًا أنه المسؤول أولًا وأخيرًا عن مسيرته.