عندما خيّل الى الكثرين ان شمس كارل لويس أذنت بالغروب وانه لن يستطيع في اتلانتا ان يدافع عن لقبه في الوثب الطويل ولن يكون في وسعه ان يرمم امجاده المتداعية، عاد البطل الى دائرة الضوء مثبتاً انه الملك وانه رياضي القرن العشرين بلا منازع، فهذا الذي اخفق في التأهل لسباق ال100 متر وال200 متر في التجارب الاختبارية لاختيار الفريق الاميركي الى الالعاب الاولمبية وتأهل بشق النفس لمسابقة الوثب الطويل، ضرب مجدداً في اتلانتا محرزاً ذهبية الوثب الطويل وهي ذهبيته التاسعة في الألعاب الاولمبية ولقبه الاولمبي الرابع على التوالي في هذه المسابقة بعدما اتلف اعصاب الجماهير خلال التصفيات وخلال المسابقة النهائية باعتماده خطة الحبل المشدود او ما يعرف بخطة "شفير الهاوية". صحيح ان الحظ حالفه في معركته الاخيرة، فشارك الكوبي ايفان بيدروسو وهو لم يبل بعد من الجراحة التي اجراها، وفشل مواطنه مايك باول حامل الرقم العالمي في مقاربة رقمه العالمي أو مقاربة النتائج التي حققها خلال الموسم الحالي، لكن الصحيح ايضاً ان كارل لويس 35 عاماً يملك مؤهلات خارقة ويملك من الارادة والاصرار ما يجعله رجل المناسبات الكبيرة واللحظات الحرجة ولعل مشاركته بحد ذاتها تكفي لاثارة الرهبة في نفس غريمه مايك باول فتنعكس سلباً على معنوياته وبالتالي على ادائه. يقول جيفري ماركس مؤرخ سيرة كارل لويس والناطق الرسمي باسمه: "لقد وجد في نفسه القوة ليتدرب طوال فصل الشتاء كما لو كان محكوماً بالاشغال الشاقة، ليثبت للذين ما عادوا يؤمنون بقدراته انه ما زال قادراً على تحقيق الانجازات العظيمة. وصرح كارل لويس بعد فوزه قائلاً: "هذه الميدالية اقتضت مني جهوداً اقسى من الجهود التي بذلتها لاحراز ذهبياتي الثماني السابقة اذ كان عليّ ان اتدرب في البرد القارس كما لو كنت رياضياً مبتدئاً يتطلع الى ذهبيته الاولى". وبعد وثبته الرائعة التي بلغت 8.50 أمتار مازح كارل لويس بعض منافسيه الشباب ومنهم جيمس بيكفورد وجو غرين: "أعدكم بأنني لن ازعجكم بعد اليوم. المستقبل امامكم، اما انا فانني اكتفي بالحاضر والماضي". اما مدربه توم تيليز فقد استقبل الفوز بارتياح وهدوء اعصاب على اعتبار انه كان واثقاً من النتيجة: "كنت اعلم انه على الطريق الصحيح فتمارينه الاخيرة كانت ممتازة، ومحاولته الاولى اشارت الى انه في كامل لياقته البدنية مع ان الريح لم تكن مساعدة. المحاولة الثانية كانت أفضل. وقبل المحاولة الثالثة اومأت اليه بأن يسترخي وبأن يتذكر ما قمنا به في التدريب وعلى الاثر حقق القفزة الذهبية". وأضاف قائلاً: "كارل لويس مقاتل من الطراز الاول وهذا ما يحلم به اي مدرب. انه يصغي جيداً الى ما اقوله ثم يطبقه ميدانياً، وأنا اعتقد انه قادراً على تحطيم الرقم العالمي 8.95 أمتار خلال هذا الموسم وفي الموسم المقبل على أبعد تقدير والا فاته القطار كونه في الخامسة والثلاثين". وبعد انجازه التاريخي أثار كارل لويس مسألة انضمامه الى فريق التتابع في سباق 4*100 متر لتتاح امامه فرصة الانفراد باحراز الذهبية العاشرة علماً ان ثمة ثلاثة رياضيين حققوا تسع ذهبيات أولمبية لكنهم لم يحققوا شهرة "الملك" وهم الفنلندي باوفو نورمي في جري المسافات الطويلة دورات 1920 و1924 و1928 والسوفياتية لاريسا لاثينينا في الجمباز دورات 1956 و1960 و1964 والاميركي مارك سبيتز في السباحة 1968 و1972 وضغط الرأي العام الاميركي في هذا الاتجاه لكن المدرب رفض اشراكه، ومني الفريق الاميركي بهزيمة تاريخية امام الفريق الكندي. ترى لو شارك كارل لويس مع الفريق الاميركي هل كان قادراً على تعديل النتيجة؟ من الصعب الاجابة عن هذا السؤال، ولكن من المؤكد ان كارل لويس تخطى عتبة التاريخ ليدخل رحاب الاسطورة.