تعزيز الاستقرار    المملكة ترحب بوقف إطلاق النار في اليمن    الاتحاد يقلب الطاولة على النصر ويقترب من حسم دوري روشن للمحترفين    خادم الحرمين يتلقى رسالة من رئيس كوت ديفوار    ولي العهد يهنئ ميرتس بتشكيل الحكومة الألمانية    الدفاع المدني: استمرار هطول الأمطار الرعدية على معظم مناطق المملكة حتى الأحد المقبل    نجاح فصل التوءم المصري.. والتوءم الصومالي يصل الرياض    القرار يوازن العرض والطلب ويحاصر ارتفاع أسعار الوحدات العقارية    إمارة الشرقية تنفّذ سلسلة ورش عمل لقياداتها    الخط السعودي في مدرجات الذهب.. حين يتجلّى الحرف هويةً ويهتف دعمًا    همسة إلى لجنة الاستقطاب    33 شهيدًا في قصف مدرسة تؤوي نازحين في غزة    نائب أمير الرياض يطّلع على أنشطة «بصمة تفاؤل»    الأميرة دعاء نموذج لتفعيل اليوم العالمي للأسرة    أحمد الديين الشيوعي الأخير    الجوازات تسخّر إمكاناتها لضيوف الرحمن في بنغلاديش    دوافع أوبك بلس لرفع الإنتاج    تطوير قطاع الرعاية الجلدية وتوفير أنظمة دعم للمرضى    القبض على يمني بالعاصمة المقدسة لارتكابه عمليات نصب واحتيال    محافظ الطائف يقلد القحطاني رتبة لواء    ريمونتادا مذهلة    إعادة تأهيل 40 مليون هكتار من الأراضي المتدهورة    تصعيد عسكري خطير بين الهند وباكستان بعد ضربات جوية متبادلة    تصاعد الهجمات بالطائرات المسيرة في روسيا    الموافقة على استحداث عدد من البرامج الاكاديمية الجديدة بالجامعة    نائب أمير منطقة مكة يستقبل القنصل العام للولايات المتحدة الأمريكية    الهلال الأحمر بنجران يكشف إحصائيات شهر ابريل 2025    نائب أمير منطقة مكة يرأس اجتماع اللجنة الدائمة للحج والعمرة    الخريف يجتمع بقادة شركة إيرباص    الشيخ بندر المطيري يشكر القيادة بمناسبة ترقيته للمرتبة الخامسة عشرة    أمير منطقة تبوك يدشن مرحلة التشغيل الفعلي لمشروع النقل العام بالحافلات    أمير تبوك يرعى حفل تخريج طلاب وطالبات جامعة فهد بن سلطان    وزير الخارجية ونظيره الأمريكي يبحثان هاتفيا التطورات الإقليمية والدولية    جراحة معقدة في "مستشفيات المانع" بالخبر تنقذ يد طفل من عجز دائم    اكتمال عملية فصل التوأم الطفيلي المصري بوقت قياسي    جامعة الملك سعود تُنظّم المؤتمر السعودي الدولي للأبحاث الصيدلانية والابتكار "مسير"    جمعية تحفيظ القرآن الكريم بطريب تعقد جمعيتها العمومية العادية    جسور ثقافية تربط الرياض ببكين في ندوة مشتركة بجامعة الأميرة نورة    أمير الجوف يواصل زياراته لمراكز محافظة صوير ويزور مركزي طلعة عمار وزلوم ويلتقي الأهالي    عمادة شؤون الطلبة بجامعة الإمام عبد الرحمن تقيم حفل ختام الأنشطة الطلابية    وزير الشؤون الإسلامية يصل المغرب ومندوب الشؤون الإسلامية المغربي في استقباله    "زين السعودية" تحقق نمو في صافي أرباحها بنسبة 39.5% للربع الأول من العام 2025م    هل الموسيقى رؤية بالقلب وسماع بالعين ؟    أزمة منتصف العمر    اغتيال المعلّم بدم بارد    في إياب نصف نهائي دوري أبطال أوروبا.. سان جيرمان يأمل بضم آرسنال لضحاياه الإنجليز    ميليشيا الحوثي تدفع البلاد نحو مزيد من التصعيد .. ضربات إسرائيلية متتالية تعطّل مطار صنعاء    ولي العهد موجهًا "الجهات المعنية" خلال ترؤسه جلسة مجلس الوزراء: العمل بأعلى درجات الكفاءة والتميز لخدمة ضيوف الرحمن    المرأة السعودية تشارك في خدمة المستفيدين من مبادرة طريق مكة    "صحي مكة" يقيم معرضاً توعويًا لخدمة الحجاج والمعتمرين    أول زيارة لرئيس سوري لأوروبا منذ عقد.. ماكرون يستقبل الشرع في باريس    خالد بن سلمان يبحث مع بن بريك مستجدات الأوضاع في اليمن    الرياض تستضيف النسخة الأولى من منتدى حوار المدن العربية الأوروبية    مسيرات "الدعم السريع" تصل بورتسودان وكسلا.. حرب السودان.. تطورات متلاحقة وتصعيد مقلق    إصابات الظهر والرقبة تتزايد.. والتحذير من الجلوس الطويل    أمير الرياض يستقبل سفير إسبانيا    ..و مشاركتها في معرض تونس للكتاب    رشيد حميد راعي هلا وألفين تحية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نتمنى لكم طول الصبر !
نشر في الحياة يوم 27 - 03 - 1995

منذ أواخر كانون الاول ديسمبر الماضي، وحتى منتصف كانون الثاني يناير من العام الحالي، كانت بطاقات التهنئة بالسنة الجديدة المتساقطة على مكتبي تنتظر رداً على مرسليها، ولكنني كنت مشغولاً بأمن دخلي يرهقني بأحداث متلاحقة في غير منطق، متدافعة الى غير وجهة واضحة. "سيدي اتمنى لكم عاماً سعيداً حافلاً بالنجاح والمسرة"، "سيدتي، أرجو ان تكون سنة 1995 سنة يمن وسعادة لكل ولذويك"، "أجمل التمنيات بالعام الجديد"... عبارات مستهلكة تحملها البطاقات الملونة في تلطف فج وتودد مصطنع. كان علي بمقتضى العادة، ان أفلت من خواطري لأفتعل البشر والتفاؤل وأنخرط في تلك الحملة التي تخرج الافراد من عزلتهم وتزج بهم في سيرك الاحاسيس الساذجة والأمنيات المتطايرة. فقاقيع ما أسرع ما تنفجر وتضيع شحنتها العاطفية، بينما تمضي السنة كسابقاتها، يجري بها قدر لا تملك ان تحوله الكلمات. الناس يتراشقون، لفترة قصيرة، بأوراق ملونة تلمع ببريق زائف ثم يعودون، على وقع الارزاء المستمرة على ظهر الكوكب، الى عزلتهم الداخلية.
أرسلت في بادئ الأمر، بطاقتين او ثلاثاً الى اشخاص تربطني بهم علاقات مهنية او مجاملات اجتماعية. ثم شعرت بتأنيب ضمير، اذ ألفت نفسي قد آثرتهم على اصدقاء أقرب الى نفسي. وخلصت الى نتيجة ان المعايدة لعبة خاضعة لعرف اجتماعي منافق، فلم ارسل بعد ذلك اي بطاقة، مكتفياً ببعض مكالمات هاتفية مع صفوة من الاحباب شاقني الاستماع الى اصواتهم طلباً لدفء العبارة الصادقة. وعدت الى زمني الداخلي وكان يموج يومئذ بانجرافات غامضة وانفجارات تطاول ذرى صبري وجلدي على تصاريف الحياة. انه زمن يغتذي بالمآسي التي تتابع فوق ارض البشر، فتتضخم اصداؤها في اجواء التوجس الباطني الساكني في عمق الانسان والموروث عن عصور رعب قديمة. قلت في نفسي لو كان في المعايدة صدق لكتبت مثلاً: "سيدي او سيدتي ان بي مرارة تلازمني كأنني رهين حبس لا منظور بين الناس، فكيف احس بوجودك اصلاً، كي اتمنى لك سنة سعيدة!".
الآن وقد عبر منها شهران كاملان، نتأكد من ان هذه السنة الجديدة لم تحمل في حقائبها الامل وهي تهل وسط مشاهد التقتيل الجماعي اي في رواندا، ولم تلق بلسماً على جراح ساراييفو، ولم تخفف من وطأة القدم الساحقة على غروزني، بل اهدت للعالم حرباً جديدة في فردوس الأمازون، على حدود الاكوادور والبيرو. كانت اطلالتها في ايام شتائية عربدت فيها السيول فأغرقت اوروبا في الوحل وحملت الثلج الى الهضاب التونسية. وهذا ليس الا ديكور الفصل الافتتاحي في تراجيديا سنة 1995 التي تتدفق صوراً عبر عين التلفزيون الوقحة التي لم تعد منذ امد تدمع لحزن او تطرف لسفالة.
هذا زلزال "كوبي" يجدد عهد اليابانيين بقدر كارثي، وزلازل اخرى في الروح مما يحدث هنا وهناك في ا لوطن العربي ومن تعالي المزايدات حول القدس كحمى عارضة تتقد بهشيم الكلمات ثم لا تلبث ان تخبو في لا مبالاة مطبقة. حقاً ان الومضات الاشهارية ابلغ وقعاً في النفس من قرارات مجلس الأمن وأكثر افادة من التحقيقات حول الحملة الانتخابية الفرنسية حيث يبدو المترشحون، أولئك المتاجرون بالأمل، في تراهنهم على الفوز بسدة الحكم تماماً كخيول تعدد خصالها وتستعرض اوصافها قبل النزول الى الحلبة.
قد لا تكون هذه السنة اكثر او اقل سوءاً من سابقاتها، غير ان احساساً يلازمني بأن بشراً كثيرين سيكونون خلالها اكثر بؤساً وأقل رجاء وأضعف حيلة في التحكم بمصيرهم. ان مبادئ "العدل" و"التضامن" و"السلام" و"الشرعية الدولية" ستشهد كغيرها من نتاجات هذا الزمن، انهياراً في الاسعار وستعرض للبيع مع "تنزيلات" هامة في ظل النظام العالمي الجديد. وازاء هذا الواقع يبدو الأمل احساساً مخادعاً للذين يشهدون منكسرين صولة الأقوياء وصلفهم وتهديدهم لمستقبل الحياة.
فالأنسب اذاً ان نتمنى لهؤلاء الصبر على ما هم فيه، وان نقر بأن السنة الجديدة انما تفتح ذراعيها للأقوياء ... وكل ما عدا ذلك انما هو باطل وقبض الريح.
* شاعر وناقد تونسي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.