أمام خادم الحرمين.. الأمراء يؤدون القسم عقب صدور الأوامر الملكية بتعيينهم في مناصبهم الجديدة    الحجاج اليمنيون يشيدون بخدمات منفذ الوديعة    أمير القصيم: مركز الملك عبدالعزيز للتواصل الحضاري يرسخ التعايش والتلاحم الوطني    طلاب المملكة في نيوكاسل يشاركون ب«SUSE 2025»    الملحق الطبي بسفارة اليابان في المملكة يزور مستشفى الدكتور سليمان الحبيب بالتخصصي و«صحة المرأة»    زيارة ترمب والمصالح المتبادلة    روبيو يتوقع أن تعرض روسيا "خلال أيام" شروطها لوقف إطلاق النار مع أوكرانيا    مجلس الوزراء برئاسة الملك يجدد عزم المملكة توسيع استثماراتها مع أميركا    الاتحاد يتغلب على الشباب بثلاثية في دوري روشن للمحترفين    خادم الحرمين يعرب عن شكره وتقديره للرئيس الأميركي على تلبية الدعوة بزيارة المملكة    أمير الرياض يهنئ «خيرات» لحصولها على جائزة إحسان    سعود بن نايف: تطوير الخدمات وجاهزية المنافذ تعكس الصورة الحضارية للمملكة    «عمومية جائزة ابن سلطان» تستعرض منجزات الدورة 19    «الرياض».. تناقش تقرير «حالة الإعلام السعودي وفرص الاستثمار» وتستعرض واقع القطاع وتحدياته    «الهلال الأحمر» يضاعف الجهود لخدمة ضيوف الرحمن    أمن الحجاج.. لا تهاون    أفراح العميد تتواصل بالشباب    محافظ الطائف يرعى حفل تخريج 10,808 طلاب وطالبات من جامعة الطائف    مخزونات النفط والاتفاق الأمريكي الإيراني يؤثران على الأسعار    78% نموا بالتبادل التجاري بين السعودية وتايوان    العملات الرقمية تعود للأضواء من جديد    سيتي يصعد للمركز الثالث بعد فوزه على بورنموث في آخر مباراة لدي بروين على أرضه    زيارة رئيس مجلس إدارة جمعية سفراء التراث لمحافظة المزاحمية    تمديد تكليف الدكتور النجمي مديرًا عامًا لفرع وزارة الشؤون الإسلامية بمنطقة جازان    القادسية يكسب العروبة بثلاثية في دوري روشن للمحترفين    التعاون يقلب الطاولة على الرياض في دوري روشن للمحترفين    وعي صحي رقمي بلغات مُتعددة.. دلالات الحج بصحة    أمام خادم الحرمين الشريفين.. أمير جازان ونائبه يؤدون القسم    أمير تبوك يستقبل طلاب وطالبات مدارس الملك عبدالعزيز الفائزين في تحدي فيرست التقني للروبوتات    نائب أمير منطقة مكة يتفقد المشاعر المقدسة للوقوف على جاهزيتها لموسم حج 1446ه    سوريا : قرار رفع العقوبات الاقتصادية الأوروبية «تاريخي»    وزير الحرس الوطني يرأس الاجتماع الثالث لمجلس أمراء الأفواج    الثبات السعودي وتبدل النظرة الأمريكية    غضب بريطاني وعاصفة إسرائيلية بعد تصريحات قتل الأطفال كهواية    الحج بأيدٍ أمينة    نجران.. ملامح من الوفاء 2/2    مستشفى دله النخيل يمنح طفلة رضيعة أملاً بحياة أفضل    محافظ الطائف يستقبل مدير مكتب المؤسسة العامة للري    سمو أمير المنطقة الشرقية يرعى حفل برنامج ( تطوع الشرقية )    خادم الحرمين يشيد بنتائج مباحثات ولي العهد وترمب    مركز التواصل الحضاري ينظم ملتقى "جسور التواصل" بالقصيم    دي بروين يقترب من الغياب عن كأس العالم للأندية    "الشكره" يترأس اجتماع المجلس المحلي بمحافظة بيش    نجاح عملية زرع مثانة بشرية في أمريكا لأول مرة في العالم    أشادوا بالخدمات المقدمة عبر "الوديعة".. حجاج يمنيون: المملكة حريصة على راحة ضيوف الرحمن    القيادة تهنئ نيكوسور دان بفوزه في الانتخابات الرئاسية في رومانيا    ضوء صغير    الاستثمار في العقول    "الداخلية" تدعو للإبلاغ عن من ينقل مخالفي أنظمة الحج    حرس الحدود ينقذ (10) مقيمين " من غدر البحر"    ترمب يتواصل مع بوتين وزيلينسكي لدفع جهود السلام    أدانت بشدة تصعيد الاحتلال وتوسعه شمال وجنوب غزة.. السعودية تحذر من استمرار الانتهاكات الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني    اتفاق تاريخي بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي    تنمية الاستثمار الصناعي مع ماليزيا    حكاية طفل الأنابيب (5)    الاعتراف رسمياً بالسكري من النوع الخامس    سيراليون تسجل زيادة في إصابات جدري القردة بنسبة 71% خلال أسبوع    أسهمت في خدمة ضيوف الرحمن.. الداخلية: مليون حاج عدد مستفيدي مبادرة طريق مكة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مدار الحكاية ... فرضيات القارئ ومسلماته
نشر في الحياة يوم 29 - 04 - 2008

قبل أن نبدأ، من الضروري أن نخطط الحدود الحقيقية للفصول التي يضمها هذا الكتاب، وأن نقبض على مواضيعها ونحصرها، وأن نضبط حدودها، يكفي للمهمة التي حددناها أن نقول: إنها تسعى إلى تحقيق هدف أساسي، وتضع له استراتيجية محددة، الهدف هو: أن يتعرف القارئ الكيفية التي يلملم بها حكايات غير متماسكة، والكيفية التي يضع حدوداً تتماسك بها الحكايات، أما الاستراتيجية التي تقترحها هذه الفصول فهي المدار.
نعني بالاستراتيجية وسيلة يستخدمها القارئ لكي يصل إلى هدف، ونستطيع القول إنها"حيلة"أو أسلوب في التصرف الذهني، من أجل أن ينتج القارئ المعنى ويكونه. لقد قلنا حيلة لأنها تسمح للقارئ بأن يفتح أدراج معارفه المخزونة والمرتبة، وبهذا فهي وسيلة فاعلة تساعده على أن يشغل المعرفة التي يمتلكها من أجل أن يبني المعنى.
يتكون الكتاب من ثمانية فصول. واستناداً إلى فكرة بول ريكور عما يتبقى بعد كل إنجاز، يبدو لنا أن ما يضمن اتصالها هو ما تبقَى لنا بعد أن ننجز كل فصل، ذلك أن كل فصل من فصول الكتاب ترك فينا شيئاً عالقاً ومترسباً، مكننا في كل مرة من أن نبدأ من جديد، لكي نثيره في فصل آخر لاحق.
فالفصل الأول"معنى المدار"حاول أن يستوعب هذا المفهوم. لقد قدمنا هذا الفصل أولاً ونحن نعرف أن ليس ثمة من داع أن تكون دقة المفهوم أعلى مما تحتاجه المشكلة كارل بوبر ومن ثم فإن فكرة ضرورة تحديد هذا المفهوم في هذا الفصل بحيث يصبح دقيقاً، أو حتى محاولة إعطائه معنى جامعاً ومانعاً فكرة مضللة، لأننا نعتقد أن عرضاً من هذا النوع لن يتحقق إلا في نهاية الدراسات التي ضمها الكتاب وليس في مدخله.
أما في الفصل الثاني"المدار وموسوعة القارئ"، فقد وجهنا تحليلنا بصفتنا قارئاً قريباً من المفكر والروائي الإيطالي"إمبرتو إيكو"الذي عالج مفهوم المدار، واشتغلنا بتطبيقه، لاسيما أننا مشغولون بالحكايات، سألنا أولاً: كيف يمكن تطبيق المدار على حكاية من حكايات ألف ليلة وليلة هي حكاية عجيب وغريب؟ تلك كانت مشكلتنا في هذا الفصل، الذي حاولنا فيه تجريب مفهوم المدار في علاقته بموسوعة القارئ، وهو ما يمثل تجريباً مستلهماً من تأويل إيكو الذي كان مألوفاً عندنا.
لقد وجدنا في هذا الفصل رؤى متعددة، ولكي لا نتورط في مشكلات تأويلية متناثرة ولا رابط بينها، كان عليَنا أن نحدد مداراً يمكننا من أن نستحضر ما نريد من موسوعة القارئ، وندع أشياء أخرى في حالة خدر، وفيما نحن نفعل ذلك، اكتشفنا في هذا شيئاً لا يبتعد عما يعرضه إمبرتو إيكو، الذي حرصنا على أن نحافظ على مسافة بيننا وبينه، ربما لتجنب انبهارنا به.
ترك هذا الفصل شيئاً عالقاً ومترسباً، فكنا نحلل فيه نوعاً سردياً لا نعرف أي نوع سردي هو، هل هو حكاية عجيبة وغريبة كما تقول الحكاية ذاتها؟ هل هو خرافة كما تقول المصادر العربية القديمة؟ هل هو حكاية شعبية كما يقول بعض الدارسين المعاصرين؟ أرقتنا هذه الأسئلة، وفكرنا أول مرة في أن تشكل إجابتها هامشاً على هذا الفصل.
لكن السؤال الذي طرأ هو ماذا يقول المدار عن هذا النوع السردي؟ ولكي نجيب عن هذا السؤال قرأنا كتاب كليلة ودمنة وخرجنا بملاحظات عامة عن خصائصه الصنفية والتكوينية، ووضعناها مباشرة أمام الخصائص الصنفية والتكوينية للحكاية في ألف ليلة وليلة، وسرعان ما ظهر الفصل الثالث"المدار والنوع الأدبي"الذي حللنا فيه حكاية"الحمار والثور"التي سردها الوزير على ابنته شهرزاد.
من جديد ترك هذا الفصل شيئاً عالقاً، فحثنا على بحث مسألة تتيح لنا تمحيص فكرتنا عن اختلاف الحكاية العجيبة والغريبة عن الخرافة من حيث هما نوعان سرديان مختلفان، واعترضنا على الفور موضوع تلقي حكايات ألف ليلة وليلة وعلاقتها بالمدار، كانت البداية مع تلقي القدماء، ثم فيما بعد مع تلقي الباحثين المحدثين، واكتشفنا في الفصل الرابع"المدار والتلقي"أن تلقيهما واحد، وأن التصور الذي يتحرك خلفه هو التصور المتصل لتاريخ الفكر، الذي يوظف مفاهيم التقليد والتطور والتأثير والنمو.
ما إن فرغنا من موضوع المدار وتلقي ألف ليلة وليلة حتى تناولنا في الفصل الخامس"المدار وتوليد التأويل"فكرة بقيت عالقة من الفصل الرابع، تتعلق بالحكايات التي وردت في ألف ليلة وليلة، لقد كانت هناك حاجة لأن تحكي شهرزاد، حكايات تكشف عن الروابط العميقة بين كتاب ألف ليلة وليلة وبين الحياة إلى درجة أن تلك الحكايات تتعدى مجرد أنها حكايات إلى ترتيب مسائل تتعلق بالكون والحياة، وكيف يمكن أن يشبه كتاب الكون ويكونان مداراً واحداً لمفاهيم كالولادة والعيش والموت.
الأمر يختلف قليلاً مع الفصل السادس وعنوانه"المدار وتوسيع مسار التأويل"، فهذه الدراسة نشرت أولاً في كتابنا"ضحايا التأويل"وحينما عدنا إليها هناك وجدنا أنها يمكن أن تضم في هذا الكتاب. عدنا إليها لكي نلبي ضرورة يمليها عمل راهن، وحينما عدنا كان علينا أن نتعلم شيئاً هو كيف يمكن للمدار أن يوسع مسار التأويل؟
لقد صدرت في ذلك الكتاب لتقول شيئاً هناك، وضمت هنا لتقول شيئاً هنا هو أننا مثل شخصيات ألف ليلة وليلة لا نعيش أو نتحرك أو نموت إلا بما كتبه القدر، وهي في ذلك تمثيل ثقافي لما تعتمده الثقافة التي تنتمي إليها، ذلك أن القدر من سنن المجتمع الثقافية الذي نشأت فيه الحكايات، فما يحدث بالضرورة، أو ما هو متوقع أو ما يتكرر كل يوم، يبقى شيئاً غامضاً وملتبساً، ووحدة القدر الذي يستطيع أن يدشن هذا الذي حدث أو سيحدث.
وبالتالي ووفق هذه السنة الثقافية، فإننا وكل الكائنات الأخرى لا نولد من أرحام أمهاتنا، بل من رحم القدر، مثلنا في ذلك مثل شخصيات كتاب الليالي الذين يولدون ويتصرفون وفق عبارة"المكتوب على الجبين لازم تشوفه العين"التي تحوي داخلها برنامجاً مكثفاً لما سيقوم به الإنسان.
من البدهي أن يعقب هذه الفصول فصلان هما"المدار وإعادة بناء المدارات"و"المدار وتكوين المعنى"يتضمنان التفكير في الكيفية التي يعيد فيها المدار بناء مدارات أخرى، والكيفية التي يوظف بها القارئ معرفته الصامتة لكي ينتج المعنى ويكونه، والاقتراح الذي قدمناه فيهما هو التفريق بين المعرفة وتكوين المعنى، لأنهما عمليتان مختلفتان، فالمعرفة عامة ومشتركة بين القراء المدربين وغير المدربين، بينما تكوين المعنى عملية شخصية تتعلق بالقارئ الفرد وحده.
إننا نهتم في هذين الفصلين بالتفكير والشعور والعمل أثناء القراءة، وهذه العمليات الثلاث موجودة عند كل قارئ وفي كل قراءة، فعلى رغم أن القارئ العادي وكذلك القارئ المدرب قد يشتركان في المعرفة إلا أن معنى تلك المعرفة سيكون مختلفاً عندهما، والقراءة هي العملية التي يسعى من خلالها القارئ إلى أن يغير معنى ما يعرفه، بهذا يمكن أن تكون القراءة عملية بناء وتكوين للمعنى، والفصل الثامن"المدار وتكوين المعنى"ملتزم بهذا أكثر من غيره من الفصول التي ضمها هذا الكتاب.
لقد وجدنا في الاستقصاء من حيث هو استراتيجية معرفية معيناً لنا وللقارئ في ضبط الفرق بين المعرفة المعلومة وتكوين المعنى الرؤية، فالاستقصاء يعني البحث عن المعنى الذي يتطلب من الفرد أن يقوم بعمليات عقلية من أجل أن يجعل ما يعرفه معلوماته ذا معنى الرؤية، وهو بهذا يتضمن أكثر من مجرد عملية عقلية واحدة.
لقد ولد الاستقصاء في حقل تدريس العلوم الاجتماعية، وما يهم موضوعنا منه ليس الناحية الإجرائية منه، أي من حيث هو استراتيجية تدريسية، ما يهمنا هنا هو تصوره لطبيعة المعرفة والاتجاهات والقيم التي يتبناها مفهوم الاستقصاء لتفصيل الأفكار المتعلقة بطبيعة المعرفة واتجاهاتها وقيمها كالشك والفضول واحترام استخدام المنطق، واحترام الأدلة والموضوعية والرغبة في تأجيل الحكم، والقدرة على تحمل الغموض ينظر، باري ك. باير، 1994، ص ص 46 - 62 .
إننا لا نعرف ونحن نبني الفصول ونحلل فيها الحكايات مشغلين مفهوم المدار، ما إذا كان تحليلنا ضعيفاً أو غير مقنع، لكن في ما نتصور فإن نوع التحليل الذي قمنا به يمكن أن يكون مهماً، لا لشيء إلا لأنه يكشف للقارئ كيفية إنجازنا تحليل الحكايات، وكيفية تقديم الحجج على المدارات التي اقترحناها.
لقد حاولنا أن نزود القارئ باستشهادات دقيقة من الحكايات التي حللناها، ومراجع وافية تدعم تحليلنا كلما كان ذلك ممكناً. أوردنا المؤلفين أو العناوين في متن كل فصل متبوعة بسنة الطبع والصفحة، أما التفصيلات الكاملة فستكون موجودة في قائمة المصادر والمراجع في نهاية الكتاب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.