إطلاق جمعية سقيا الماء في جازان لتروي عطش ألف أسرة    مفاوضات سعودية-أوروبية لإبرام شراكة إستراتيجية    محامي : من يتحمل المسؤولية عند اعتماد الذكاء الاصطناعي في الطب    استشهاد 20 فلسطينيًا في غزة    كوالا لمبور تستضيف قرعة ملحق التصفيات الآسيوية المؤهلة لكأس العالم 2026    السديس يُدشّن مبادرة "زائراتنا شرف لمنسوباتنا"    الأرصاد: موجة حارة على المنطقة الشرقية    ارتفاع أسعار الذهب    جامعة طيبة تُعلن فتح القبول في السنة التأهيلية للصم وضعاف السمع للعام الجامعي 1447ه    اكتشاف كوكب غامض يبلغ حجمه ضعف حجم الأرض    محكمة صينية تقضى بحبس ياباني 3 أعوام و 6 أشهر    مسيرات وصواريخ روسية تصيب مدنا أوكرانية    صعود الدولار وعوائد سندات الخزانة الأمريكية    امطار خفيفة على جنوب المملكة وطقس حار على الشرقية والرياض    نيابة عن أمير عسير محافظ طريب يكرم (38) متفوقًا ومتفوقة بالدورة (14) في محافظة طريب    "وِرث الفن".. رحلة ترفيهية تدمج التراث السعودي بالتقنية    الرياضات الإلكترونية تتوسع عالميًا وتحقق إيرادات قياسية    حقوق الإنسان تتسلم شكاوى ضد 57 أسرة    بعد توقف عامين استئناف جلسات منتدى الأحساء    إسلامية جازان تُطلق البرنامج الدعوي "الأمن الفكري في المملكة العربية السعودية " بمحافظة أبو عريش    الشؤون الإسلامية بجازان تنفذ برامج دعوية بمحافظتي بيش وصامطة لتعزيز الوعي بشروط وأهمية الصلاة    خيول أصيلة تحرج الجيش الفرنسي    مؤشرات الأسهم الأمريكية تغلق على تباين    متى يجب غسل ملاءات السرير    تحسن طفيف في التلقيح العالمي للأطفال    ما الذي يدمر المفصل    مفتي المملكة يستقبل رئيس مجلس إدارة جمعية النور    النصر يعلن وصول " جيسوس"وطاقمه الفني إلى الرياض    يسرق بطاقات بوكيمون ب 113 ألف دولار    وافق على تنظيم مركز الإحالات الطبية.. مجلس الوزراء: تمديد العمل ببرنامج الرهن الميسر ل3 سنوات    دعا لإعادة تأهيل المناطق المتدهورة بالشعب المرجانية.. "الشورى" يطالب بوضع آلية لرسوم وتراخيص المنشآت الترفيهية    نيابةً عن سمو أمير منطقة الباحة.. وكيل الإمارة للشؤون الأمنية يرعى حفل ملتقى الباحة للحرفيين ويدشّن مبادرة "تجربة السائح" ضمن مهرجان صيف الباحة 2025    ناقل الحطب المحلي في قبضة الأمن    الهلال يفاوض"نونيز" بطلب من إنزاغي    نادي النجم الأزرق.. قصة نجاح في "الرابعة"    كريم عبد العزيز أول بطل ل 4 أفلام بنادي ال «100 مليون»    أبرز سلبيات مونديال الأندية..المقاعد الفارغة ودرجات الحرارة وغياب أبطال أوروبا    سحب الجيش والشرطة العسكرية تتولى المهام.. وقف إطلاق النار في السويداء    أكدت عدم السعي لتوسيع رقعة الصراع.. إيران تفتح «نافذة الدبلوماسية»    المفتي يستعرض جهود "النور" في تحفيظ القرآن    استغلت أحداث غزة لجمع التبرعات.. الأردن يكشف شبكة ال«30 مليون دينار» الإخوانية    بقيمة 143 مليار ريال.. 454 فرصة مطورة بالقطاعات الصناعية    اكتمال طرح الصكوك المحلية    إغلاق منشأة تداولت منتجات تجميلية متلاعباً بصلاحيتها    8 منتخبات إقليمية تتنافس في النسخة الثانية من بطولة تحت 13 عاماً بالطائف    ختام الأسبوع الثقافي السعودي في اليابان..    أمانة حائل تنظم ورشة عمل حول الاقتصاد الدائري في قطاع النفايات    التشكيل والتراث المحلي في معرض «ألوان الباحة»    أمير تبوك يطمئن على صحة الشيخ عون أبو طقيقه    مبادرة وطنية تُبصر الأمل: "عيناي" ينقذ آلاف المرضى من مضاعفات السكري    محافظ أبو عريش يرأس اجتماع المجلس المحلي لبحث الاستعدادات لموسم الأمطار    استقبل وفداً من هيئة الأمر بالمعروف.. المفتي يثني على جهود«نعمر المساجد»    عزت رئيس نيجيريا في وفاة الرئيس السابق محمد بخاري.. القيادة تهنئ رئيس فرنسا بذكرى اليوم الوطني لبلاده    أشرف عبد الباقي يصور«السادة الأفاضل»    محمد بن عبدالرحمن يستقبل نائب أمير جازان وسفير عمان    أمير الشرقية يستقبل سفير جورجيا    فيصل بن مشعل يتسلّم تقرير مزادات الإبل وفعاليات يوم التأسيس في ضرية    نائب أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على الشثري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ثورة يوليو كرنفالاً لأهل المنادب
نشر في الحياة يوم 01 - 08 - 2010

جاء الاحتفال بثورة يوليو هذا العام في مصر كما اعتاد الجميع، مناسبة للتأسي على التاريخ وعقد مقارنات بالحاضر، واستلهاماً للعبر الباقية من الوشائج المقطوعة بين تلك اللحظة المنيرة وواقع اللحظات الآنية المظلمة. جاء الاحتفال ومعه ذلك الإحساس بالقطيعة التي مثلها الانقلاب الساداتي، وما ترتب عليه من تحول نعيشه حتى الآن، وكأن الرئيس المؤمن لم يكن ابناً باراً للتكوين المتضارب لتلك النخبة المرتجلة الأهواء، التي أطلت على المشهد فجأة ليلة الثالث والعشرين من تموز يوليو.
يستنكر العقل الاحتفالي بتكبر ? كالعادة - أن تؤول تجربة تأليه الزعيم عبدالناصر إلى سلفه الأقل مقداراً وشأناً، وكأن التاريخ سقط هكذا صدفة في أحضان ممثل سيطر على الحكم بين ليلة وضحاها، على حد تعبير عتاة الناصرية. إذا ما أضفنا إلى ذلك كون أنبياء الوعي الجدد المسيطرين على المشهد السياسي المصري المعارض، هم أبناء التربة الفكرية القومية - الإسلامية، تكون النتيجة هي"مندبة"من الندب متصلة، تتعامل بضمير مستريح مع حرف"لو"، الذي لا يعرفه التاريخ.
تأتي هنا تساؤلات من نوعية: ماذا لو فشل انقلاب أيار مايو 1971؟ ماذا لو كانت وراثة الثورة قد آلت إلى من يستحقها؟ هم في ذلك الاستطراد اللاهي بالتاريخ، ينسون أن"لو"المنعكسة، قد ترتد فجأة لتفشل مغامرة حفنة الضباط أنفسهم، فعلى شاكلة ما يفكر به خصومهم، تتعدد الأسئلة الضد - تاريخية، ماذا لو فشلوا ليلة الثورة مثلاً؟ ماذا لو انتصر الجناح الإصلاحي في الحركة عام 1954؟ ناهيك عن العودة ب" اللوات"إلى مجمل أحداث التاريخ المصري الحديث.
حكم الرئيس عبدالناصر مصر 19 سنة، فيما امتدت فترة الثورة المضادة، كما يسميها خصوم النظام، من حكم الرئيس السادات 10 سنوات إلى حكم الرئيس مبارك 29 سنةً، أي أن التثقيل النسبي لمصر زمناً ومضموناً، لا بد وأن يحيلنا لا للتأسي على الفاصل الزمني الذهبي، بل إلى تأمل الحقيقة الواقعة والمتصلة لنحو أربعين سنة. نحن هنا أمام حديث ذكريات بعيدة بعد الثورة ومفاعيلها وقصصها ونتاجها عن حياة الأجيال الجديدة من المصريين. تلك الأجيال التي أجمعت في ردودها على أسئلة أحد البرامج الشهيرة، على أن ثورة يوليو قادها أحمد عرابي، أو أن ثورة يوليو حدثت سنة 1919.
الأمر لا يتعلق فقط بانحطاط الوعي التاريخي، لدى قطاع واسع من المصريين، بل أيضاً، بحجم ما جرى وما يجري في حياتهم من أحداث أكثر حميمية وتأثيراً، فالخيال الجمعي المأزوم لملايين منهم لا يستوعب صلة الماضي البعيد بذلك الحاضر، ولا تستطيع السينما التاريخية ولا ألف برنامج حواري، نبش ما استحكم دفنه، خصوصاً وأن مجمل ما صنعته الثورة بحياة الناس بات نسياً منسياً، بل يكاد المحدثون المصريون أن يشككوا في حدوثه يوماً. فعن أي تعليم مجاني يتحدثون؟ أو عن أي اهتمام بالصحة أو تعيين للخريجين؟ هذه الأشياء يتعامل معها قطاع لا بأس به من المصريين الآن على أنها"أمانات ردت إلى أصحابها". يقولون بضمير حي: كنا نتعلم تعليماً مجانياً خرباً، والآن نتعلم تعليماً خاصاً أكثر خراباً. كنا نحيا في ممالك مرض البلهارسيا، ونحيا الآن في مستعمرات عقاب فيروس سي، وهكذا. لا يحتاجون هنا إلى مؤرخين جدد ينقلبون على الرواية الرسمية للتاريخ الناصري، لا يحتاجون لجهد باحثين أكدوا مثلاً أن الريف المصري انحطت أوضاعه الطبقية والإنتاجية أكثر من خلال خطط يوليو، أو إثبات آخرين أن خطط التنمية الصناعية الكاذبة كانت سبباً في هزيمة 1967، ولا أن المحسوبية والفساد والنفاق البيروقراطي، ورثه السادات إرثاً أصيلاً من سلفه. ناهيك عن نظريات استبدال الديموقراطية بمنجزات الكرامة والعروبة، ولا صوت يعلو فوق صوت المعركة التي يتلمظ بها المتخصصون.
بحسبة جيلية بسيطة، تبدو الأجيال التي تحمل ذاكرة مباشرة بثورة يوليو، عيشاً وتأثراً، قلة قليلة، بل إن الأجيال التي تربت على المكون الاقتصادي الاجتماعي لزمن السبعينات والثمانينات من القرن المنصرم هي التي تتحدث منذ فترة عن ذاكرتها وآمالها وطموحاتها. لا يعني هذا التمفصل الجيلي مجرد تكوين ذاكرة مجتزأة من السياق التاريخي الأوسع، بل تعني ضمنياً، سيادة نمط من الأفكار والتصورات عن الذات، وعن الثروة، والتدرج الاجتماعي. تلك الأفكار، نراها الآن في سيادة نمط من السلوك الجمعي المرتكز على المصلحة الفردية البراغماتية، المرتبطة بمفاهيم السوق الرأسمالي كما أنتجته مرحلة الانفتاح، بل وينعكس ذلك على القضايا ذات الصبغة السياسية. نجد أن غالبية المصريين لا يرحبون بحرب مباشرة ضد إسرائيل. يميلون للعداء الرسمي البارد بمواصفات سياسة الرئيس مبارك، ويتبقى لدى الجميع ذلك الشعور المتضخم بالوطنية الزائفة، كإحدى التسربات الباقية من مرحلة الريادة المصرية الناصرية. تلعب هنا آلية التعويض النفسي دورها في تحويل طاقة التشرذم العام إلى تكاتف تلقائي ضد أي"آخر"، الآخر الغربي أو العربي أو الإفريقي خارجياً، أو الآخر الديني داخلياً، تبعاً لزاوية النظر والاحتشاد الطوعي.
يبدو بذلك المأتم المتجدد سنوياً، باسم ثورة يوليو، كرنفالاً لأهل الاختصاص التاريخي، أو أهل اللحمة الزمنية التي لا تؤمن لا بالفواصل أو الانقطاعات أو التحولات الناتجة عن مرور الوقت وتغير الأحوال. وباسم"دروس التاريخ المستفادة"تدور المعارك السجالية المملة نفسها، على الرغم من أسئلة يتم التغافل عنها، في مقدمتها، ما قد ينتج عن الكشف الافتراضي لأرشيف الدولة المصرية السري، أرشيف لا بد أن يجيب إجابة واضحة عن أسئلة هزيمة حزيران يونيو كمثال، أو عن حقيقة الدور المصري في إفريقيا، أو مفصلية وضرورات حرب اليمن، أو عن طبيعة دعم عبدالناصر لأنظمة ديكتاتورية، وقبل ذلك كله حقيقة ما جرى من تحولات في معاني الثروة والطبقات الاجتماعية والاستبداد السياسي.
هذه الأسئلة جديرة في هذه اللحظة بالنقاش، إن أرادوا بالفعل حديثاً جاداً ذا صدقية. لكن تلك الملفات جميعها تظل عرضة للسرديات الشفاهية المضخمة، وكأن ضميراً فوقياً يأبى معرفة ما أحدثته الثورة بالفعل في حياتنا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.