يشبه الملف النووي، اليوم، مسألة من مسائل الفيزياء. ويحسن بمن يتصدون لحل المسألة الموازنة بين التوقيت المناسب، وكمية اليورانيوم الجيدة والمكان الذي يحصل فيه التخصيب. ولست أشك في حسن استقبال الإيرانيين الحل. ولا ريب في أن علاقة ايران بالغرب شائكة ومعقدة. وتقتضي معالجتها، والتقدم على طريق الحل، نهجاً حكيماً يستفيد من اقتراح الوكالة الدولية للطاقة النووية الى ايران، ويجد التعديلات المناسبة والضرورية لبلوغ اتفاق يراعي الحساسيات المتبادلة. وأرى أن الرجوع عن الاقتراح مبادلة 85 في المئة من اليورانيوم الإيراني المخصب الى 3 في المئة بيورانيوم مخصب الى 20 في المئة، في روسيا وفرنسا أمر مؤسف. ولكنني لا أظن أن أصحابه رجعوا عنه. فالناطق باسم وزارة الخارجية الأميركية كرر أن الاقتراح لا يزال سارياً، وعلى الطاولة. والحق أن انجاز الاتفاق لا يعالج فعلاً مشكلة علاقة إيران بالغرب وهي ضعف الثقة بين الجهتين. ولكن الاتفاق مدخل الى محادثات معمقة تتناول موضوعات أخرى. ولا ريب في أن اقتراح الوكالة الدولية كان اختبار ثقة لم ينجح. فالشكوك متبادلة، والإيرانيون يروون تفاصيل كثيرة في سبيل تبرير ضعف ثقتهم في الغرب. وهم ينوهون بالتزامات لم يفِ الغرب بها. وكان على ايران قبول الاقتراح الأول، وهو اقتراح ايجابي، لماذا؟ لأن الاقتراح أقر، لأول مرة، بحق إيران في تخصيب اليورانيوم لأغراض سلمية. والقول إن الموقف الأمثل، في رأي البرازيل، إعلان إيران موافقتها على صيغة الوكالة الدولية إبان زيارة الرئيس لولا الى طهران، غير دقيق. فالرئيس لم يوقت الزيارة تبعاً للملف هذا. والزيارة مقررة منذ وقت طويل، وتقود الرئيس لولا الى بلدان أخرى غير ايران. وعلى هذا، لا يؤمل في اعلان اتفاق تفصيلي في أثناء الزيارة. وفي وسع البرازيل إشاعة الثقة، وتبديد سوء الفهم والأحكام القبلية أو السابقة، شأن تركيا، البلد المسلم والجار وعضو حلف"الأطلسي". واستناد الاتفاق الى اقتراح الوكالة الدولية مهم جداً من ناحية ثانية هي التاريخ الطويل من شكوك الوكالة الدولية في حقيقة برنامج ايران. وقد يؤدي الاتفاق الى التحقق، للمرة الأولى، تحققاً ملموساً من أن الأمور تحصل على ما ينبغي، وفي الوجهة الصحيحة. فهل هذا ممكن؟ نعم، هل هذا سهل؟ لا. هل المحاولة واجبة؟ نعم، وهي واجبة لأن ما يبدو حلاً، وهو العقوبات، لا يؤدي إلا الى تصلب إيران، والى عقوبات أخرى تالية، وسبق أن اختبرنا مراحل العقوبات في حال العراق، والمسؤولون الإيرانيون صادقون معنا وفي رغبتهم في إبرام اتفاق على أساس صيغة اقتراح العام الماضي. وأنا أجزم برأي في غاياتهم النهائية. والحكم على النيات عسير. وكولن باول كان صديقاً طيباً، وحين كان يقول إن العراق يملك أسلحة كيماوية كان صادقاً. و مشكلة العقوبات المالية ان نتائجها تضر بالشعب الإيراني، ولا تقتصر على إلحاق الضرر بالنظام الاقتصادي، ولم يعثر أحد بعد على عقوبات من هذا النوع، ولا وجود لها. وعندما أفلس مصرف ليمان براذرز، لحق الضرر بالعمال بديترويت والبرازيل وفي أماكن أخرى. والذين يحسبون أن الإيرانيين يستعملوننا ويناورون بنا يقولون إننا لا سذَّج، وإن البرازيل بلد بعيد من الشرق الأوسط. ولكن مثل هذا القول لا يصح في تركيا. ولا شك في انه لا يمكن القبول عشوائياً بكل ما يقوله الإيرانيون. ومرة أخرى، لست مخولاً الجزم برأي في غايات إيران النهائية، ولست علاّم الغيوب. وما نفحصه هو واقع محدد. وقرأتُ لتوي في"تايم"ماغازين أن صنع قنبلة يقتضي 2000 كلغ من اليورانيوم. وتقدر الوكالة الدولية أن ايران تملك تقريباً ما يُقْدرها، إذا شاءت، من صنع قنبلة. ويستحيل عليها ذلك جراء المراقبين. وليس في مستطاع ايران صناعة قنبلة على المدى القريب. * وزير خارجية البرازيل، عن"لوموند"الفرنسية، 4/5/2010، إعداد و. ش. نشر في العدد: 17204 ت.م: 12-05-2010 ص: 26 ط: الرياض