كل مسؤول أميركي زار العراق لأي سبب طالب الحكومة العراقية بإقرار قانون النفط، يستوي في ذلك المتطرف ديك تشيني والمعتدل روبرت غيتس وكل من بينهما. وكل مسؤول عراقي زار الولاياتالمتحدة، من الرئيس جلال طالباني نزولاً، سمع الأميركيين يطالبونه بإقرار قانون النفط. والرئيس جورج بوش والكونغرس الديموقراطي اختلفا على كل شيء باستثناء نفط العراق، فقد جعلا إقرار قانون النفط شاهداً على طريق التقدم في العراق. كنت سمعت ان الأميركيين ذهبوا إلى العراق لنشر الديموقراطية في ربوعه، ثم تصديرها إلى الجيران، غير ان مشروع الديموقراطية طوي بسرعة وبقي المشروع الأصلي، الأول والأخير، أي نفط العراق، وعلى وجه التحديد الطمع فيه إلى درجة خوض حرب يقتل فيها مليون عراقي إرضاء للشبق النفطي عند المستهلك الأميركي. كتبت عن موضوع قانون النفط العراقي حلقتين ولا أزال بعد أسابيع أتلقى تعليقات القرّاء ورسائلهم، وبعض الأبحاث الإضافية. وعندما كنت في عمان أخيراً أعطاني صديق دراسة بعنوان "ملاحظات حول مشروع قانون النفط والغاز لعام 2007" أعدها الدكتور مالك دوهان الحسن تتناول القانون بمواده وفقراتها، وتقترح تعديلات محددة. لست خبيراً نفطياً يملك قدرة المفاضلة واختيار الأصلح، إلا أنني خبير في السياسة الأميركية، وأعرف ان إدارة بوش/ تشيني خاضت حرباً على العراق لأسباب كاذبة بالكامل، ودمرت البلد على رأس أهله، لسرقة نفطه، وثمة أدلة قاطعة تقبل بها أي محكمة مستقلة لمحاكمة أركان الإدارة والحكم عليهم كما يستحقون. أسباب الحرب الملفقة أصبحت معروفة لا تحتاج إلى تكرار، واليوم أعرض أسباب النفط. إذا عاد القارئ إلى كتاب رون سسكايند "ثمن الولاء: جورج بوش والبيت الأبيض وتعليم بول أونيل"، فسيجد ان المؤلف ينسب إلى وزير الخزانة السابق قوله إن إدارة جورج بوش جاءت إلى الحكم في كانون الثاني يناير 2001، وبدأت تعد فوراً لحرب على العراق. وأونيل يقول ان غزو العراق كان موضوع البحث "الرقم واحد" في أول اجتماع لمجلس الأمن القومي الجديد بعد عشرة أيام فقط من تنصيب جورج بوش، وهو "رجل نفط" كما يسمونهم في أميركا، فشل في التنقيب والإنتاج في تكساس واختار نائباً له ديك تشيني، مدير شركة هاليبرتون التي نهبت العراق بعد احتلاله، حتى ان المحققين الأميركيين لم يستطيعوا كتم مخالفاتها مع شركات متفرعة منها. بول أونيل وحده لا يكفي لإدانة الإدارة على رغم ما قدم من معلومات أثارت ضجة في حينها، وأنا أقيم في بلد ديموقراطي هو بريطانيا وأعرف ما يكفي من قوانينه لأربح قضايا رفعتها أو رُفعت علي، وعندما تكون القضية بهذا الحجم، أي حجم الجناية، يجب تقديم ما يكفي لانتفاء الشك. وأعتقد ان عندي ما يكفي. كانت إدارة بوش في أسبوعها الثاني عندما صدر أمر تنفيذي رئاسي بإنشاء مجموعة تنمية سياسة الطاقة الوطنية برئاسة نائب الرئيس، فعرفت باسم "فريق تشيني للطاقة"، وأصدر الفريق تقريراً في آذار مارس 2001، ربما ما كنّا سمعنا به لولا ان تشيني ارتكب ما يبدو أنه مخالفة للقوانين الأميركية، فقد شارك في المناقشات ممثلو شركات النفط الكبرى، أي أطراف لها مصلحة في أي سياسة مقبلة. لا بد من أن تشيني كان يعرف انه خالف القانون بإشراك شركات النفط المقبل منها إلى الإدارة في عمل فريقه لأنه قاوم بضراوة تسليم وثائق عن عمل الفريق إلى الكونغرس وجماعات تدافع عن حقوق المواطنين توكأت على قانون حرية المعلومات. واستعان "نادي سييرا" وجماعة المراقبة القانونية بالمحاكم، ورفض قاضٍ في 1/4/2004 زعم إدارة بوش ان موظفي وزارتي الداخلية والطاقة مشمولون بسرية تغطي عملهم، وأمر القاضي الحكومة بالإفراج عن وثائق تعود إلى عمل فريق تشيني. وبلغ من عناد الإدارة إدراكاً منها للجريمة التي تطبخها انها استأنفت ضد الحكم حتى وصلت القضية إلى المحكمة العليا، وغالبية أعضائها محافظة، ومع ذلك فهي في 24/6/2004 أصدرت قراراً يرفض زعم إدارة بوش ان لها حقاً دستورياً في حجب الوثائق. إدارة بوش أفرجت عن وثائق، إلا انني واثق طالما ان لنائب الرئيس علاقة بالموضوع انها لم تفرج عن الوثائق المطلوبة كلها، وشهرة ديك تشيني منذ كان موظفاً صغيراً أيام ريتشارد نيكسون انه يتلف الوثائق، وقد ضبط أيام جورج بوش، وهو ينقلها أو يمزقها، كما صورت شاحنات تغادر مكتبه محملة بالوثائق لتهريبها وهو نائب للرئيس. أريد من القارئ الآن أن يقرأ بدقة التالي: أظهرت الوثائق التي أفرجت عنها الإدارة مرغمة عن عمل فريق تشيني وجود خريطة لحقول النفط وأنابيب النفط والمصافي وموانئ التحميل في العراق، ورسمين بيانيين لمشاريع النفط والغاز العراقية، ووثيقة موضوعها "الطلاب الأجانب لعقود النفط العراقية" والكلمة الإنكليزية الأولى بين الهلالين الصغيرين يمكن ترجمتها "الخُطّاب" أو "طالبو الود". بل ان الوثائق ضمت خرائط النفط والمصافي وموانئ الناقلات. هذا كله في آذار مارس 2001، أي قبل ستة أشهر من الإرهاب المعروف، فالإرهاب الحقيقي هو تدمير العراق لسرقة نفطه، وهو إرهاب يبرر الإرهاب المضاد فأتهم إدارة بوش بالإرهابيين وأنتظر ان يحاكم ديك تشيني وكل المسؤولين عن مأساة العراق. وأكمل غداً.