وزارة الخارجية تُعرب عن تعازي المملكة لجمهورية السودان إثر حادث انهيار منجم للذهب    المملكة تقود تعاوناً دولياً لدعم الطاقة النظيفة    الملكية الفكرية ليست مائدة نقاش ديني.. بل مبدأ لا يُمس!    الأخضر يخسر أمام المكسيك ويودع كأس الكونكاكاف الذهبية    سان جيرمان يدك شباك إنتر ميامي برباعية ويبلغ ربع نهائي مونديال الأندية    التعليم في ميزان المجتمع    54 ألف استشارة في عيادات الإدمان عام 2024    ما عاد في العمر متسع للعتاب    مادتا التعبير والخط    حين يهمس لك المشروع بأنك لست في مكانك.. فاستمع!    أخضر السيدات يخسر أمام الفلبين بثلاثية في تصفيات كأس آسيا    الاحتلال يستولي على أموال المقاصة الفلسطينية    أمين القصيم يفتتح ورشة «تعزيز التخطيط العمراني»    استعراض أعمال الشؤون الإسلامية أمام أمير تبوك    تدفقات الاستثمار الأجنبي تقفز 44 % في الربع الأول    بعنوان "النمر يبقى نمر".. الاتحاد يجدد عقد مدافعه "شراحيلي" حتى 2028    خالد بن سلمان يبحث مع موسوي جهود الحفاظ على الاستقرار    تنسيق سعودي - جيبوتي تجاه أبرز القضايا الإقليمية والدولية    فاطمة العنزي ممثلة الحدود الشمالية في لجنة المسؤولية الاجتماعية بالاتحاد السعودي للدراجات    صيف حائل يرسم خيارات سياحية مميزة    المملكة تنافس لرفع إسهام الذكاء الاصطناعي في الناتج المحلي ل 130 مليار دولار    المملكة تواصل ضرباتها الاستباقية ضد المخدرات    الأحوال المدنية المتنقلة تقدم خدماتها في خمسة مواقع    خمس شراكات لدعم مستفيدي «إنجاب الشرقية»    سعود بن بندر يستقبل مديري "صحة الشرقية" و"وقاية"    رئيس الشورى يبدأ زيارة رسمية إلى كمبوديا    "الملك سلمان للإغاثة".. جهود إنسانية متواصلة    انطلاق برنامج موهبة الإثرائي الأكاديمي بجامعة المؤسس    أمير الشرقية يكرم الداعمين والمشاركين في «ربيع النعيرية»    أمير جازان يكرّم الفائزين بجائزتي المواطنة المسؤولة و"صيتاثون"    «الشؤون النسائية بالمسجد النبوي» تُطلق فرصًا تطوعية    وزارة الرياضة وهيئة الطيران المدني توقّعان مذكرة تفاهم للتنسيق والإشراف على الرياضات الجوية    إنطلاق برنامج "موهبة الإثرائي الأكاديمي" بجامعة الإمام عبدالرحمن    إينزاغي يقود الهلال إلى أولى محطات نجاح الموسم الجديد    أمير تبوك يطلع على التقرير السنوي لاعمال فرع وزارة الشؤون الاسلامية بالمنطقة    نائب أمير منطقة مكة يستقبل القنصلَ العام لجمهورية العراق    بيئة نجران تعقد ورشة عمل عن الفرص الاستثمارية بمنتدى نجران للاستثمار 2025    جمعية "وقاية" تنظّم معرضاً توعوياً وندوة علمية بمستشفى وادي الدواسر    قطاع ومستشفى النماص يُنفّذ فعالية "اليوم العالمي للأنيميا المنجلية"    اتفاقية استراتيجية" بين مركز الملك سلمان لأبحاث الإعاقة ومصرف الإنماء    أمير جازان يكرّم الفائزين بجائزتي المواطنة المسؤولة و"صيتاثون" في دورتها الرابعة    الشؤون الإسلامية في جازان تنفذ جولات ميدانية لصيانة جوامع ومساجد المنطقة    رحلات جوية مباشرة تربط هايكو جنوبي الصين بجدة السعودية    انطلاقة عام 1447    مشيداً بجهود الحكومة وتسارع النمو..صندوق النقد: الاقتصاد السعودي واجه الصدمات العالمية بمرونة عالية وتنوع الاستثمارات    ضغوط أمريكية ومطالب مصرية بخطة واضحة.. تحركات دبلوماسية مكثفة لوقف حرب في غزة    القبض على شخص لترويجه 260 كلجم من الحشيش المخدر    استمرار المسار الإثرائي الذكي لتعزيز التجربة .. السديس: الخطة التشغيلية لموسم العمرة تستغرق 8 أشهر    السعودية ترحب وتثمن مساعي واشنطن والدوحة.. اتفاق سلام تاريخي بين رواندا والكونغو    الترويج للطلاق.. جريمة أمنية    مستشفى الدكتور سليمان الحبيب بالتخصصي ينهي معاناة «ثلاثينية» مع نوبات صرع يومية بجراحة نادرة ودقيقة    تجديد اعتماد «سباهي» لمركزي المربع وشبرا    إطلاق مبادرة «توازن وعطاء» في بيئة العمل    وكالة الشؤون النسائية بالمسجد النبوي تُطلق فرصًا تطوعية لتعزيز تجربة الزائرات    تكليف الدكتور مشعل الجريبي مديرًا لمستشفى الملك فهد المركزي بجازان    نائب أمير جازان يستقبل رئيس محكمة الاستئناف بالمنطقة    ترامب يحث الكونغرس على "قتل" إذاعة (صوت أمريكا)    أقوى كاميرا تكتشف الكون    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صورة الآخر ... بين المعرفة والوعي والاهتمام
نشر في الحياة يوم 11 - 11 - 2006

كان الموقف العربي والإسلامي من محاضرة البابا بنيديكتوس السادس عشر بجامعة رغنسبورغ معبِّراً. فقد انقسم المشهد الى أحد ثلاثة: الخصومة التي تُثبت سوء الظن السابق، أو ربط ما قاله البابا بالسياقات الأوروبية والعالمية، أو اعتبار ذلك قدراً لا مردّ له، لأن صورة الإسلام والمسلمين في العالم ليست على ما يُرام.
وقد يبدو للوهلة الأولى أن الموقف الأول موقف الاتهام هو الأكثر سلبية، بيد أن الواقع غير ذلك. صحيح أن العودة الى الاتهامات القديمة بالصليبية والدموية كانت بارزة، لكن المواقف الأكثر سلبية هي تلك المتصلة بالاقتناع بعدم القدرة، وعدم الاهتمام. ولا حاجة للإعادة هنا أن صورة المسلمين في العالم اليوم قاتمة تارة أو غبراء تارة أخرى. ويرجع ذلك الى مجموعة من الأمور، أولها وأهمها ما صار يُعرف بالإرهاب الإسلامي، والذي تصاعدت اتهاماته بالتدريج منذ مطالع التسعينات حتى بلغت الذروة في أيلول سبتمبر عام 2001 مع هجمات"القاعدة"في الولايات المتحدة. تحول الأمر حينها الى حرب على الإرهاب الإسلامي، في سائر أنحاء العالم. ومع توالي الهجمات، ضاع الجمهوران العربي والإسلامي بين استنكار الحرب العشوائية على الإرهاب، واستنكار هجمات المتطرفين الإسلاميين على المدنيين غير مسلمين ومسلمين على حد سواء. وبنتيجة ذلك تعقد الأمر، وفقدت أكثرية العرب والمسلمين وسط هذا المأزق القدرة على الحكم، ثم القدرة على الاهتمام. وكان ذلك أفظع ما حصل، لأنه مع فقد الاهتمام يأساً وإحباطاً، تضاءل الاهتمام بالمعرفة وبالمقاربة النقدية. وساد الانطباع أن العالم مُعادٍ لنا ظلماً وعدواناً، وأنه كتلة واحدة في ذلك، ولا حاجة لاستكشاف الفروق، وللانتقاد الذاتي ولمراجعة المسائل بقصد التصحيح، والتفكير في الخيارات التي يمكن اجتراحها، والأفكار التي يجب اقتراحها لاستكشاف إمكانات تحقق أو السعي لتحقيق مشهد آخر. وفي هذا السياق، جرى فهم تصريحات البابا المتصلة بأمرين: الإسلام العنيف، والغربة بين العقل والإيمان فيه. إن هذا يعني في شكل ما، انه مع انتفاء النقد وانتفاء الأمل، انتفى الإحساس بالمسؤولية الممكنة أو المتصورة، لجهة الخبرة بالمشهد التفصيلي، ولجهة إمكانات التأثير والإصلاح وصنع صورة أخرى للعالم عن أنفسنا وثقافتنا وديننا.
والواقع أن المشهد الأخير لانجراح الهوية واتساع أغوار ذلك الانجراح البابا والرسوم الدنماركية ما كان السبب أو العلة في العدوانية من جهة، وفقد الاهتمام من جهة ثانية. إلا أن ذلك يعود في جذوره الى عقود عدة من التثقف بثقافة الشحن والمواجهة. وفي ثقافة الشحن والمواجهة، تنتفي القدرة على تمييز الفروق، وإرادة استكشاف إمكانات التغيير. ويصعب في هذا المجال التمييز بين مَنْ البادئ، والبادئ دائماً أظلم. وترجع الصعوبة في الأمر الى تأسيس المواجهة على النزوع الاستعماري، والعدوانية الغربية المسيحية أو المسيحية واليهودية، وهما نزوع وممارسة يعودان في الوعي الى عهود سحيقة وهائلة التأثير. إنما الأهم من الأمرين، أمر النقد الذاتي، وأمر استكشاف الخيارات: انتفاء إرادة المعرفة. فقد شهد العقدان الأخيران تكاسلاً شديداً في ما يتصل بالدراسات في شأن المسيحية عامة، ومن ضمن ذلك الكاثوليك والبروتستانت والأرثوذكس. وقد نشط بعض المسيحيين والمسلمين العرب للكتابة عن الانجيليين الجدد بداعي آرائهم السياسية أو دعمهم السياسي لإسرائيل لأسباب مسيائية. وقد سبقت مرحلة التكاسل، مرحلة عنيفة ذات أبعاد جدالية استمرت أيضاً لعقود وعقود. لكن، كما سبق القول، فقد تلتها مرحلة جرى فيها الإهمال الكامل. وهذا الإهمال، على رغم أن البابا يوحنا بولس الثاني كان يشغلُ العالم طوال الثمانينات والتسعينات، وهذا على رغم ان الانجيليين الجدد والمولودين ثانية، بشتى ألوانهم وتياراتهم، صعدوا خلال العقدين الأخيرين صعوداً هائلاً، وأثروا في مواقف الإدارة الأميركية من الاسلام والمسلمين. أما الارثوذكس، فقد تحررت كنائسهم من القبضة الشيوعية: كما ان الارثوذكسية العربية تخوض مع العرب كفاحاتهم في فلسطين، وفي أنحاء المشرق العربي. إن عدم الاهتمام هذا تمكن نسبته الى الاحساس باليأس واللاجدوى. لكن تمكن نسبته أيضاً الى غياب الإرادة بسبب غياب المشروع. فالمعرفة إرادة بالدرجة الأولى. وأنت عندما تمتلك مشروعاً تبحث عن أدواته المعرفية والتقنية. ولو كنا نملك حتى مشروعاً للمواجهة لجمعنا أدواته لكي نعرف ساحة المعركة، وما هي المعدات الملائمة. بيد أن الواقع الالتهاء بالإدانات ورثاء النفس والتماس الأعذار لها. ويدل على ذلك عدم الاهتمام مثلاً بالتعرف على اليهودية المعاصرة وتياراتها وإن بقصد المواجهة. إذ لا أعرف غير دراسات جدية قليلة عن اليهودية أيضاً، وعلائقها بالصهيونية، ومعنى التيارات السائدة فيها في العالم، وفي إسرائيل. وكما هو الشأن مع المسيحية، كذلك الشأن مع اليهودية، على رغم اختلاف المنطلقات والمصالح والنتائج. فقد مرت عقود من التشنيع على اليهودية باعتبارها حزباً لا ديناً، ثم جاء عقدان من الصمت شبه المطلق للإحساس باللاجدوى من جهة، لكن لغياب المشروع في الأساس من جهة أخرى. وإذا شئنا إيراد المزيد من الأدلة، ومن مجالات أخرى غير الدين والثقافة، فلنتأمل بعض المشكلات السياسية والاستراتيجية. فالدراسات الجادة عن آسيا الناهضة، وأفريقيا التي تزداد تعقيداً، تكاد لا تتجاوز أصابع اليدين. هناك بعض الدراسات عن النهوض الاقتصادي الآسيوي أكثرها مترجم. أما افريقيا فلا نجد عنها كتاباً واحداً. وقد رأيت في أحد المؤتمرات أخيراً الأستاذ حلمي شعراوي، الباحث المعروف في الشؤون الأفريقية، وكان يوزع بعض منشوراته القديمة عن القارة السوداء، فقلت له: إذا غادرت الى جوار ربك، فلن نستطيع أن نذكر بحثاً جاداً واحداً عن افريقيا في السنوات الماضية، وربما المقبلة. وقد يقول قائل: لكن التعويض يمكن انجازه بالترجمة. لكن حتى الترجمة التي ازدهرت نسبياً في السنوات العشر الماضية، اهتمت بالآداب وبالتاريخ وبالأمم القديمة، وما أعطت الكثير في الدراسات الافريقية والآسيوية. ان الموضوع يمكن أن يثير الاهتمام لأنه يتسبب بالمشكلات، أو لأنه يعرض خيارات وتجارب نجاح. وفي أفريقيا مشكلات معينة، كما ان السودان والصومال والقرن الأفريقي، وهي تتداخل معنا، وتوتر أطرافنا، تتسبب في مشكلات كثيرة. وما دفعت المشكلات الى المعرفة أو الفضول، كما ان الخيارات الآسيوية الصاعدة، ما دفعت إلا الى اهتمام ضئيل.
ان نزول العامة الى الشارع في القضايا والشؤون المتعلقة بفلسطين، وفي الأخرى المتعلقة بالإسلام، يدل على استعداد للجمهور العربي والإسلامي، للسير في مشروعات المواجهات والخيارات في الوقت نفسه. بيد أن بلورة الخيارات، ومواطن المواجهة، من شأن النخب السياسية والثقافية. وهنا مكمن العلة. وليس من المنطقي الاعتذار بأن شباننا المتعلمين والطامحين، مهتمون بالتخصصات التي توجد لهم أعمالاً تتلاءم ومقتضيات العصر ومتطلباته. فالعلاقات مع الأمم والحضارات والديانات العصر، انشغال من انشغالات العصر الرئيسة، وهي غير البحث عن عمل، وإن يكن العمل العصري في السوق ومن حوله شديد الأهمية والضرورة.
لقد ناقشت قضية"رؤية العالم"مع مثقفين ومعنيين في الشأن العام، على مدى الأعوام الماضية. وقد لاحظ بعضهم اننا نملك مؤلفات عدة في الحوار بين الحضارات أو بين المسيحية والإسلام، من الأعوام الأخيرة. بيد ان اكثر مؤلفات الحوار - والتي هي في الأصل ايجابية - إنما تناقش أولئك الذين يدعوننا للحوار أو ترد عليهم. وهي تُظهر اكتفاء بالذات، وتضع المسؤولية على عاتق الآخرين. ثم انها لا تقدم جديداً معرفياً أو في تعرف على الآخر الذي يريد التحاور معنا أو لا يريد. فمنذ مطالع الخمسينات من القرن الماضي، يأتي إلينا أتباع الكنائس البروتستانتية في العالم يريدون محاورتنا. ومنذ أواسط الستينات - بعد مجمع الفاتيكان الثاني - يأتي إلينا مفكرون كاثوليك يريدون محاورتنا أيضاً. وفي الحالتين نرد نحن إيجاباً أو سلباً، لكننا، استطعنا تطوير استراتيجية أو انشاء مركز بحثي للعلاقات مع المسيحيين، العرب أو الغربيين. كما اننا ما أرسلنا طالباً واحداً للمعرفة أو التدرب الى المراكز أو المعاهد التي أنشأها الغربيون للعلاقات مع الإسلام.
تحتاج العلاقة سواء كانت علاقة مواجهة أو تفهم الى معرفة بالآخر، سواء أكان خصماً أو صديقاً. بيد أن المعرفة الحقيقية تتطلب وجود مشروع، هو الذي يبعث على الارادة، إرادة المعرفة، وإرادة الفعل. وقد تراوحت ردود أفعالنا حتى اليوم بين الإدانة واليأس والإحسان باللاجدوى، أو العشوائية التدميرية، أو انتظار نتائج صراع المتصارعين، وإن يكن ذلك على أرضنا ومصالحنا وصورتنا... ومستقبلنا في العالم ومعه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.