يحفل بعض المحطات الخليجية، مثل"أبو ظبي"و"دبي"و"سما دبي"، بمسلسلات تلفزيونية من إنتاج محلي صرف، تُعرض في الموسم الرمضاني. والمراقب للإنتاج الدرامي على مدار السنوات الماضية سيدرك التطور النوعي الذي شهدته هذه الدراما، حتى أن هذه المحطات صارت بالكاد تمرر بعض المسلسلات المصرية والسورية، وهو ما لم يحدث من قبل. وعلى هذا الأساس، ظهرت نخبة من الممثلين والممثلات وكتاب الدراما في دول الخليج العربي، وانتقلت صناعة الدراما السورية والمصرية إلى أسواق الخليج التلفزيونية، وباضطراد مزدهر. وعلى رغم أن هذا التطور لم يأت من فراغ، وكان نتيجة تراكم جهود وخبرة في العمل التلفزيوني شهدتها دول الإمارات والكويت والبحرين، فإن دخول هذه الدراما الخليجية كمنافس حاضر شكل نقلة نوعية في الدرامات العربية، وخصوصاً السورية. فمنذ أن بدأت نهضة الدراما السورية، ودخلت سوق الإنتاج بتميز، كانت دول الخليج العربي والفضائيات الخليجية هي السوق الأكثر استهلاكاً لها، وكان الرأسمال الذي نهضت على أساسه خليجياً. وغالبية الشركات الإنتاجية الفنية التي أُنشئت في دمشق، وأشرف عليها عدد من نجوم الدراما السورية، كانت برأسمال عربي خليجي. ومنذ تسعينات القرن الماضي بدأت الأعمال الدرامية السورية تجتاح الفضائيات العربية، وصارت مواصفات هذه الدراما معدة على قياس سوق التصريف الأساسي في دول الخليج، على رغم أنها في السنوات الأخيرة خرجت عن القاعدة بعدما دخلت الرساميل السورية المحلية المنافسة، وصارت تنتج دراما أكثر التصاقاً بالواقع المحلي، ولا تخضع لشروط الأسواق الأخرى. لذلك بات يقال إن الدراما السورية أخذت تقترب أكثر من قضايا ومشكلات الواقع السوري. ومع ذلك ستكون هذه الدراما، عاجلا أم آجلا، في مواجهة تساؤلات أخذت تظهر وتتضح مع كل موسم رمضاني جديد، نابعة من أن المسلسلات الخليجية ذات الإنتاج المحلي لن تبقى حبيسة دول الخليج وسرعان ما ستصدّر إنتاجها إلى المحطات العربية كافة. ولعلنا لاحظنا هذه السنة أن قناة مثل"المستقبل"اللبنانية بدأت تعرض الدراما الخليجية أكثر من عرضها مسلسلات سورية أو مصرية. وإذا كان شهر رمضان مقياساً كافياً يتيح ملاحظة التغييرات الجوهرية على مستوى كمية هذا الإنتاج، فإن الشاهد الواضح هو تزايد عدد المسلسلات الخليجية، وهذا بالتأكيد أمر لا يدعو الى القلق بمقدار ما يدفع إلى التساؤل عن اختلاف موازين المركزية الثقافية والفنية في العالم العربي، وكيف بدأت هذه تتغير على نحو يقود القوة الإعلامية والإعلانية نحو دروب أخرى. ولعلنا بهذا سنكون خلال السنوات المقبلة على موعد مع ثقافة بصرية مختلفة، لم تعتدها الشاشات العربية. الأسئلة الأكثر أهمية، والتي تعني الدراما السورية أساساً، هي: إذا كانت أسواق تصريف الدراما السورية ستشح بسبب الاكتفاء المحلي في الخليج، سوقها الأساس، والرساميل الخليجية ستعمل داخل أسواقها الوطنية من دون أن تحل محلها رساميل بديلة سورية محلية، فماذا سيكون مصير الدراما السورية؟ وأين سيكون موقعها، هي الصناعة التي شَغلت كثراً، وشّغلتهم؟ وهل ستنتهي كما بدأت، وكما رددوا طويلاً عندما وصفوها خطأ ب"فورة الدراما السورية"، أم سيكون هناك أفق جديد لها؟