لم تربح الدراما الأردنية "الخالصة" في موسمها الرمضاني الذي انقضى أخيراً شيئاً يذكر. لكن ذلك الصنف الآخر من الدراما الأردنية "المعربنة" نجح نجاحاً منقطع النظير. ولأن المدخل مبهم بعض الشيء، فإنه تجدر الإشارة إلى وجود "صنفين" من الدراما الأردنية: المحلية والعربية، أو "المعربنة". فقد استطاعت الدراما الأردنية إيجاد صيغة جديدة لنفسها تعيد انتشارها العربي الذي شهد تراجعاً ملحوظاً عقب حرب الخليج الثانية مطلع التسعينات، عندما امتنعت غالبية الدول الخليجية عن شراء الأعمال الدرامية الأردنية، بعدما كانت سوقها الأساسية. ولما عاد الباب الخليجي وشرع أمام القائمين على الدراما المحلية للعودة إلى سوقها مجدداً، كانت الدراما السورية في عز فورتها تطيح بها من علٍ، لتحل مكانها، حتى وصل الأمر بها أن تنافسها في عقر دارها على شاشة التلفزيون المحلي. وهذا ما كان. ولما كانت المنافسة صعبة أصلاً، وصارت أصعب أخيراً، كان لا بد للدراما الأردنية من مخرج لتعيد إلى نفسها بعضاً من ألق خبا ذات يوم. وكان حل هذه المعضلة بالتركيز على الأعمال الدرامية العربية المشتركة. ومن هنا نشأ صنف جديد من الدراما الأردنية "المعربنة". بين كابل والتغريبة على رغم أن مسلسل "الطريق إلى كابل" لم يعرض كاملاً خلال الدورة الرمضانية، وأياً كانت الأسباب لذلك، فإنه شهد على مدى حلقاته القليلة التي عرضت إقبالاً جماهيرياً كبيراً. فالموضوع الحساس الذي تطرق إليه المسلسل كان كفيلاً بهذا. طبعاً إضافة إلى الضجة التي أثيرت حوله وتلك التهديدات التي رافقت بدء بثه. والمسلسل الذي يضم ممثلين أردنيين كثراً نبيل المشيني وشفيقة الطل ووائل نجم وسواهم إنتاج قطري في الأساس، لكن الإنتاج التنفيذي كان لشركة أردنية هي "العربي للخدمات العربية والسمعية"، كما أن غالبية أماكن تصوير المسلسل تمت في مناطق مختلفة من المملكة، إضافة إلى كون كاتب السيناريو والحوار هو المؤلف الأردني جمال أبو حمدان. وهذه أسباب كفيلة باعتبار العمل أردنياً - عربياً، يرفع ولو قليلاً من أسهم الدراما الأردنية. على كل، هذا المسلسل ليس التعاون الأول بين التلفزيون القطري كجهة منتجة وشركات إنتاج تنفيذية أردنية لإنتاج عمل رمضاني، فقد سبق التعاون في أكثر مسلسل، كان من أكثرها نجاحاً مسلسل "امرؤ القيس" الذي لعب دور بطولته الفنان الأردني رشيد ملحس. أما المسلسل العربي المشترك الذي "تبنته" الدراما الأردنية فكان مسلسل "التغريبة الفلسطينية". والسبب الرئيس في تعلق الدراما الأردنية بهذا المسلسل أنه من تأليف الكاتب الأردني وليد سيف، الذي سبق أن خاض تجربة التأليف للمسلسلات التلفزيونية العربية بنجاح غير مرة، كان أكثرها حضوراً عند المشاهد العربي مسلسل "صلاح الدين". أما السبب الثاني في هذا التعلق "البعيد" للدراما المحلية بهذا العمل، فهو أن قصته تقوم أساساً على حكاية جزء كبير من اللاجئين الفلسطينيين الذين قدموا إلى الأردن عقب نكبة 1948. فصار المسلسل حكاية البيوت الأردنية، لما يثيره من ذكريات لم تمح بعد، بخاصة عند كبار السن الذين تابعوا المسلسل بشغف ولهفة كبيرين. استطاع مسلسلا "الطريق إلى كابل" و"التغريبة الفلسطينية" التغلب على فكرة العمل المحلي الذي لا يحظى بالاهتمام لدى الجمهور، وصارا مدار الأحاديث التي دارت في الجلسات العائلية تستعرض مكونات شاشات التلفزيونات العربية. فهذه واحدة من السنوات القليلة التي يحظى فيها مسلسل أردني وإن كان بصيغة معربنة بمتابعة جماهيرية، وبخاصة في شهر رمضان الذي تتميز فيه الأعمال الدرامية العربية، وتتعملق أمام الأعمال المحلية، التي غابت أكثر هذا العام. فشل الدراما المحلية لم تستطع المسلسلات المحلية فعل شيء أمام طوفان الدراما العربية الرمضاني، إذ شهدت الأعمال المحلية هذا العام منافسة شرسة حتى على شاشة التلفزيون الأردني، الذي خلت أوقات الذروة فيه من المسلسلات المحلية، مستعيضة عنها بالأعمال الدرامية العربية. ولم يستطع أي عمل درامي محلي صرف أن ينافس ولو في شكل طفيف عملاً درامياً عربياً، في إعادة جديدة لهذه المشكلة التي تتكرر كل عام، وتكون نتائجها دوماً فشل الدراما المحلية. فالأعمال المحلية كان طابعها التكرار، واللعب على وتر الكوميديا الذي لطالما فشلت فيه بامتياز. هنا لا يلام المؤلف أو المخرج ولا الممثلون أو مؤسسات الإنتاج. ففكرة إنتاج مسلسل كوميدي محلي يتوقع له الفشل ليست مغرية لأي منتج مقارنة بإنتاج عمل عربي ضخم بعوائد مالية كبيرة. لهذا ترى العمل المحلي فقيراً بكل ما فيه ومن ألفه إلى يائه، ليكون غير قادر بالمرة على المنافسة العربية، أو حتى منافسة أعمال درامية عربية خليجية كانت حتى عهد قريب سوقاً مستورداً للأعمال الدرامية الأردنية. من هنا تبدو فرصة ولادة عمل درامي أردني خالص شبه مستحيلة، اعتماداً على "ضياع الطاسة" الذي تشهده الدراما الأردنية. وبعدما كان الماضي أكثر إشراقاً من الحاضر، فإن المستقبل القريب على الأغلب لن يؤمن لأعمال درامية محلية تواصل تكرار نفسها واستنساخ هويتها مراراً، حضوراً على خريطة البرامج.