من جديد، تعود قضية انهيار الدراما الأردنية إلى الواجهة. ومرة أخرى، يستنجد منتجون أردنيون بسياسيين لإنقاذ صناعة الدراما المحلية. هذه المرة أصدر اتحاد المنتجين والموزعين الأردنيين للصوتيات والمرئيات مذكرة يطالبون فيها بدعم حكومي للدراما الأردنية، في نداء ثان تطلقه جهة تمثل مؤسسات الإنتاج الدرامي في المملكة إلى الحكومة لدعم"بقايا"الدراما التي كان لها صولات وجولات على المحطات التلفزيونية العربية في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي، إذ كان اتحاد المنتجين الأردنيين قدم أكثر من طلب مطلع العام الجاري إلى وزيرة الثقافة آنذاك أسمى خضر لإعادة الألق إلى الدراما الأردنية عن طريق دعم حكومي. وبلغ الأمر ذروته بإعلان رئيس الاتحاد والناطق الإعلامي باسمه تقديم استقالتهما من منصبيهما، لكنهما سرعان ما تراجعا عن ذلك. وعلى رغم هذه التجاذبات، فإن الحال لم يتغير، وطالت اقامة الدراما الأردنية في غرفة الإنعاش، والمتوقع نقلها إلى المشرحة، للإعلان عن"وفاتها"رسمياً. رئيس اتحاد المنتجين والموزعين الأردنيين للصوتيات والمرئيات محمود الشيبي قدّر خسائر قطاع الانتاج الدرامي المحلي خلال السنوات ال 15 الأخيرة بنحو 255 مليون دولار، ناتجة عن توقف بيع الأعمال الدرامية الأردنية إلى محطات تلفزيون دول الخليج عقب حرب الخليج الثانية، بناء على الموقف الأردني المؤيد للعراق في ذلك الوقت. وعلى ما في كلام الشيبي من صحة، فإن اعتبار منع عرض الأعمال الدرامية الأردنية على الشاشات الخليجية هو سبب انهيار الدراما المحلية، ليس دقيقاً تماماً. ف"الفيتو الخليجي"الذي قوبلت به الدراما الأردنية لم يعد قيد الاستخدام منذ مدة ليست بالقصيرة، لكن النتيجة لم تكن عودة الروح إلى الجسد المتعب، بل اعتلالاً آخر تمثل في"صعوبة تسويق الأعمال الدرامية الأردنية بعد الغياب القسري، واشتداد المنافسة في هذه المرحلة مع أعمال درامية عربية أخرى برزت على السطح، أبرزها الدراما السورية التي تمتلك مقومات تسويقية عالية". وبحسب الشيبي، كانت الأعمال الدرامية الأردنية أيام عزها توزَّع على 12 محطة تلفزيونية عربية، في وقت كان عدد المحطات التلفزيونية العربية أقل من الآن بكثير. وما يضاف إلى هذه المعلومة"التاريخية"هو قلة الأعمال الدرامية الأردنية هذه الأيام مقارنة مع السابق، في ظل توجه عام يتبناه منتجون وفنانون أردنيون بالاعتماد على المسلسلات العربية المشتركة لتكون البديل عن الدراما الأردنية الصرفة التي توشك على الانقراض. وهكذا برزت أعمال درامية عربية قائمة في شكل أساسي على جهود إنتاجية أردنية، مثل"الطريق إلى كابول"و"صلاح الدين"وسواهما من أعمال حققت نجاحاً جماهيرياً في مواسم عرضها الرمضانية. وهذا الاتجاه في الابتعاد من مجال الدراما"الخاسر"ليس جديداً على الفنانين الأردنيين تحديداً، فهم في الوقت الذي لم تعد أعمالهم التلفزيونية تجد قبولاً على المستوى العربي اتجهوا إلى المسرح، وقدموا مسرحيات يومية، ليفعّلوا مشهداً ثقافياً كان غائباً عن عمّان، مركز العروض المسرح دائماً، مع غض النظر عن قيمتها. لكن هذا"الهروب"نحو المسرح لم يستمر كثيراً، وعاد الجميع، فنانين ومنتجين، إلى حلبة الدراما، وإن بصيغة عربية هذه المرة. وهذه السقطات المتوالية التي تعرضت لها عملية صناعة الدراما في المملكة في السنوات ال 15 الأخيرة، دفعت الشيبي إلى إقناع مجموعة من أعضاء البرلمان الأردني برفع مذكرة إلى رئيس الوزراء عدنان بدران لدعم الدراما في الأردن، مجددين مطالب قديمة بتقديم تسهيلات لهذه الصناعة، أبرزها إصدار قرار سياسي لدعم الدراما، وتوفير الإمكانات المادية اللازمة للنهوض بها، عبر تعويض خسائر المنتجين الأردنيين عن فقدان فرصة السبق في العرض عبر المحطات التلفزيونية العربية، وإلغاء الضرائب التي يجب على المنتجين دفعها، على اعتبار أن منتجاتهم فكرية وليست تجارية، إضافة إلى تسويق الأعمال التي ينتجها المنتجون الأردنيون عربياً، للعودة إلى حلبة المنافسة. لكن الأَولى في الحالة الأخيرة هو تسويق العمل الدرامي الأردني على شاشة التلفزيون المحلي، إذ يتذمر كثيرون من كونه لا يهتم بشراء الأعمال المحلية وبثها في أوقات الذروة، مفضلاً عليها أعمالاً عربية يحصل عليها بأسعار أعلى، وليست تفضيلية كما هو الحال مع العمل المحلي. ولكن يبدو أن فكرة هذه المذكرة من أساسها غير متينة وليست كفيلة بحل المشكلة من جذورها وحتى نهاية أطرافها، إذ أن القرار السياسي ليس سبباً في إنعاش الدراما الأردنية مهما كان دوره مصيرياً، وغياب الأعمال الدرامية أصلاً عن الساحة، وليس تراجع مستواها، هو ما يجب على"محبي"الدراما الأردنية الالتفات إليه. فالقرار السياسي يخدم دراما في غرفة الولادة تستعد للانطلاق، لا دراما بين الحياة والموت في غرفة الإنعاش. على كل يبدو أن الأهم من كل هذا هو الالتفات إلى أمر يتناساه كثيرون، وهو إمكان أن تكون الدراما الأردنية مسؤولة في شكل أو بآخر عن الموقف الذي تجد نفسها الآن فيه. فامتناع المحطات التلفزيونية الخليجية عن شراء الأعمال الأردنية لم يكن ضربة قاضية ل"صناعة"طالما تغنى بها الأردنيون واعتبروها نفطاً في بلد يكاد يكون محروماً من الموارد الطبيعية. المسألة أكبر من قرار كهذا، ومحاولة الإنقاذ الآن لا يمكن أن يكون حلها في أيدي السياسيين وحدهم.