هذا المساء هناك على محطة"كنال +"الفرنسية حدث تلفزيوني كبير. بل يمكن القول انه واحد من أهم الأحداث التلفزيونية الفنية عند مطلع هذا الموسم الجديد: هذه المحطة تعرض، بدءاً من الحادية عشرة الا ثلثاً بتوقيت باريس، ولثلاث ساعات وثلث الساعة تقريباً، فيلماً من توقيع مارتن سكورسيسي. لكنه ليس فيلماً سينمائياً، ولا هو فيلم عن نيويورك، ولا هو فيلم عن دروب الآلام التي اعتاد سكورسيسي تحميلها أفلامه. انه ببساطة فيلم وثائقي تلفزيوني عن واحد من أكبر مغني وموسيقيي الروك في أميركا، بوب ديلان، وبالتحديد فيلم يتابع حياة ديلان وفنه منذ ولادته في العام 1941 حتى الحادث الشهير الذي تعرض له في العام 1966، ليشكل نقطة انعطاف في حياته. طبعاً ليس الحدث ان يعرض فيلم عن ديلان، ولا أن يعرض فيلم من توقيع سكورسيسي. الحدث هو ان هذا الأخير كرس شهوراً من حياته ومن طاقاته الابداعية، ليحقق عملاً للشاشة الصغيرة التي لا يزال سينمائيون كبار يستنكفون عن التعاطي معها. وفي يقيننا ان ايمان سكورسيسي بأن في وسع فنان كبير، ذي أحاسيس سينمائية معروفة ومشروعة، أن يلتفت ناحية الشاشة الصغيرة مسخراً لها امكاناته، مستغلاً امكاناتها، أمر جديد ومعدٍ... بمعنى أننا سنشهد بالتأكيد، خلال السنوات المقبلة، مزيداً من التقارب بين وسيطين فنيين، كان لا بد لهما من أن يلتقيا، بعمق وقوة ذات يوم. وأن يكون اللقاء من حول فن بوب ديلان، أمر يحمل كل معانيه، الفنية والانسانية. خصوصاً أن سكورسيسي لم يقل، كما يقول عادة بعض السينمائيين حين"يضطرون"الى العمل في التلفزة: انها خطوة انتقالية وتزجية وقت فراغ ما! أبداً، بالنسبة الى سكورسيسي، العمل شديد الجدية، وله جدية اهتمامه بموسيقى الروك وبالتاريخ الحديث للفنون الأميركية. بل نعرف ان سكورسيسي من أجل انجاز هذا العمل الاستثنائي في مسيرته، أجّل تصوير فيلمه الأخير الذي يشتغل عليه حالياً "المرجّل"من بطولة ليوناردو دي كابريو، مؤجلاً بالتالي البدء في التحضير لفيلمه المقبل عن الرئيس روزفلت. ومن الواضح أن كل هذا الاهتمام لا يعني من جانب صاحب"عصابات نيويورك"وپ"الطيار"والذي سبق له أن خاض التجربة التلفزيونية، كليبات وأعمالاً وثائقية، غير مرة من قبل سوى التشديد على وحدة الفنون وقدرة الفنان على أن يكون مبدعاً، مهما كانت نوعية الوسيط الذي يبدع من خلاله. والآن، اذا كان مهرجان مراكش الدولي، الذي سيبدأ دورته الجديدة، بعد غد الجمعة، سيكرم مارتن سكورسيسي الى جانب عباس كياروستامي وغيره، فمن المؤكد أن جزءاً كبيراً من الأحاديث التي ستدور مع سكورسيسي في مراكش سيتمحور حول السينما وأفلامه الجديدة المتلاحقة، ولكن أيضاً حول التلفزة وعلاقته الجديدة - القديمة بها، والسبب الذي دعاه لاختيارها وسيطاً للحديث عن مغنيه المفضل وموسيقيه الأثير، صاحب"أوتيل كاليفورنيا"وپ"طمبورين مان"وغيرها من روائع غنائية واكبت انسان النصف الثاني من القرن العشرين، كما واكبته أفلام مارتن سكورسيسي الذي لم يتضاءل حبه للفن السابع، ولم يعتبر أبداً أن دنوه من التلفزة فيه خيانة لذلك الفن أو خروج عن سياقاته... بل ان الدنو من التلفزة، هو غوص في السينما بوسائل أخرى.