يخضع الصغار قبل دخولهم إلى المدرسة الابتدائية في فرنسا لفحوصات طبية. وأظهرت دراسة أعدها المعهد الوطني الفرنسي للإحصاء أن 14 في المئة من هؤلاء الأولاد يعانون من زيادة في الوزن، فيما تصل نسبة الذين يعانون من البدانة إلى أربعة في المئة. لا تتوقف نسبة البدانة عن الازدياد في فرنسا لدى الكبار أيضاً. وقد حصلت القفزة الكبرى في الفترة ما بين عامي 1997 و2000، إذ ارتفعت بمقدار 17 في المئة لدى مختلف الفئات الاجتماعية والعمرية. ويتوقع أن تصل نسبتها إلى عشرين في المئة في عام 2020، وفي خلال 15 سنة، تضاعف عدد البدناء في فرنسا وفيها حاليا أكثر من خمسة ملايين شخص يعانون من البدانة، و14 مليوناً يعانون من زيادة في الوزن. إضافة إلى الأسباب العامة التي تدفع إلى انتشار السمنة لدى الكبار، ومنها الشيخوخة أو متطلبات الحياة العصرية من جلوس طويل في المكاتب وعدم توافر الوقت لممارسة الرياضة، فإن أصابع الاتهام في أسباب انتشارها لدى الصغار والمراهقين بخاصة، تتوجه نحو أطباقهم. خلال أربعين عاماً عدل الفرنسيون من عاداتهم الغذائية. وبحسب تقرير للمعهد الوطني للإحصاء حول هذا الموضوع، عرف الاستهلاك الغذائي تغيراً نوعياً. فمن جهة، هناك المزيد من الطعام الجاهز بسبب الحياة المدينية وضغوطاتها، وتطور أسلوب العيش الذي دفع بالعائلات إلى تفضيل المنتجات المعدة، سيما اللحم المحضر والحلويات والمشروبات الغازية التي تُطلب أكثر فأكثر من قبل الشباب. عرفت الوجبات الجاهزة انتشاراً ملحوظاً وارتفعت نسبة شرائها سنويا 5،5 في المئة لكل فرد. وقد أدّت عوامل عدة إلى تقلص الوقت المخصص لتحضير الوجبات وتفضيل المواد المحضرة مسبقاً. يلخصها المحللون "بخروج المرأة المتزايد إلى العمل، والمسافات الطويلة التي تفصل بين البيت ومقر العمل نتيجة الابتعاد عن السكن في المدن والتوجه نحو الضواحي، وتخصيص الفرنسيين وقتا أكبر للهوايات وللتمتع بالوقت". وعلى رغم أن معدل تناول الخضار والفواكه حافظ على موقعه في قائمة المواد المستهلكة منذ الستينات، إلا أن ذلك في الحقيقة يعود إلى ارتفاع استهلاك الخضار المحفوظة على حساب الطازجة. ويشير التقرير إلى ظهور عادات غذائية جديدة لدى الفرنسيين، كتواجد عصير الفواكه والحبوب بمختلف أنواعها على مائدة الفطور. وهذا يدل "على ذوق غذائي جديد متأثر بالعادات الانغلو- ساكسونية ودول شمال أوروبا". ومن المعروف أن تلك المواد غنية بالسكر والمواد الدسمة. كما أن تناول الشوكولا والحلوى قد ازداد من 8،8 في المئة في الستينات إلى 14،1 في المئة في بداية القرن الحالي. كما ارتفع استهلاك الحليب ومشتقاته والمشروبات الغازية المحلاة والبوظة. أما البسكويت والحلوى المعلبة، فيزداد استهلاك الفرد منها سنوياً بمعدل ثلاثة في المئة. ويعتبر تناول هذه المواد بين الوجبات عادة غذائية جديدة أيضاً. ويبدو أن الشباب والمراهقين هم الأكثر استهلاكاً لها. كما أنهم يفضلون الأطعمة الجاهزة والمصنعة على الطازجة. في الواقع، انخفضت عادة تناول الطعام في المنزل في صفوف الشباب. فمن جهة، هناك المطاعم التي تنتشر في المدرسة ومن جهة أخرى، تنتشر المطاعم السريعة وبائعو السندويشات التي يرغب الشباب في تناولها وهم يتنزهون في الطرقات. هنا، ينافس الهمبرغر الأميركي السندويش الفرنسي التقليدي. وبينت دراسة أن الشباب الذين تراوح أعمارهم بين 12 و 18 سنة، يتناولون الطعام في المطاعم السريعة من مرتين إلى ثلاث شهرياً. وعند توجيه أصابع الاتهام إلى مطاعم الوجبات السريعة بأنها السبب المباشر للبدانة، قامت هذه المطاعم بحملة دعائية واسعة للتأكيد على براءتها من هذه التهمة. لكن كيف ذلك، وإحدى وجباتها "الخفيفة" تزود الجسم بنحو ألف وحدة حرارية؟ على رغم التوجه أكثر فأكثر الى المأكولات المصنعة، ما زال الفرنسيون يفضلون المواد ذات النوعية الجيدة والمرتفعة الثمن. فالاهتمام بالصحة" يوجه أكثر فأكثر الخيارات" بحسب تقرير العهد المذكور وقد أصبح عاملاً لا يمكن إهماله عند اختيار الوجبات. وقد تأثر السلوك الغذائي بنصائح الأطباء وإرشادات المختصين والمجلات الصحية المتخصصة. فازداد استهلاك مياه الينابيع و المياه المعدنية، وانخفض استهلاك السكر منذ بداية السبعينات بنسبة 3 في المئة لكل فرد سنوياً. واستعيض عنه بالعسل والمواد المصنعة. كما أخذت العائلة تنتبه إلى الأثر السيئ للاستخدام المكثف للمواد الدسمة، فبدأت بتخفيضه. وأسهمت المشكلات الصحية والأزمات التي ظهرت خلال السنوات العشر الأخيرة، كجنون البقر في لفت انتباه المستهلك، وإيلائه اهتماماً أكبر لنوعية الطعام. أخذ المستهلكون بالتالي يبتعدون عن اللحوم الحمراء منذ منتصف الثمانينات، فيما ارتفع استهلاكهم من الطيور ومن المنتجات البحرية والنهرية، التي شهدت مبيعاتها ازدياداً. وبعيداً من المدن وعاداتها، ما زال المزارعون الفرنسيون على عاداتهم الغذائية من حيث استهلاك المواد الأولية التي تحوي قيمة غذائية مرتفعة. أما العجائز فهم أكثر من يصرف الوقت في التسوق والطهي. وهم الأكثر استهلاكاً للخضار والفواكه واللحم الأبيض والسمك. وهم الأكثر تمسكاً بالمواد الأولية والأساسية. ومع ازدياد العمر والدخل، يتوجه الفرنسيون أكثر فأكثر نحو المواد الأغلى ثمناً وترتفع الميزانية المخصصة للغداء.