عندما تمر أمامه يدعوك وفي يده كومة من الأقراص المدمجة المغلفة بأكياس بلاستيكية قائلاً "دي في دي... يا طيب". اذا لم ترد عليه، ستسمع العبارة نفسها بعد خطوات قليلة، إذ يجلس بائع متجول آخر واضعاً أمامه صندوقاً كرتونياً مليئاً بهذه الأقراص. المشهد هذا تراه في مناطق وساعات محددة فقط، في محيط عدد من الأسواق التجارية هنا في مدينة جدة. وهو شكل واحد فحسب من أشكال التجارة غير الشرعية لأقراص الفيديو الرقمية DVD واسطوانات افلام الكومبيوترVCD المقرصنة سواء كانت أفلاماً سينمائية أم ألعاب فيديو. ألبومات في الخفاء! الطريقة الأخرى لاقتناء أحد هذه الأقراص هي التوجه الى بعض محلات الالكترونيات وأجهزة التسلية المنزلية، حيث توجد دلائل مخفية تظهر فقط للزبائن "الموثوقين". وتحوي هذه الدلائل أغلفة الأفلام المتوافرة وأرقامها، بحيث تطلب من البائع الفيلم رقم كذا أو كذا. وفي غالب الأحيان، يتوجب عليك الانتظار، فيما يرسل البائع مساعده إلى "المستودع" حيث تخزن آلاف الأقراص المنسوخة. ويقول أحد الباعة: "لا نجرؤ على إبقاء كميات من الأقراص هنا ... إذا جاءت دورية سنقع في ورطة كبيرة". ولموظفي الشركات الكبرى وسكان المجمعات السكنية كومباوند من الأجانب، تتوافر خدمة خاصة ومميزة. فليس على هؤلاء سوى الاتصال بالبائع وتحديد موعد معه ليزورهم في مكان عملهم أو سكنهم حاملاً معه "الحقيبة". ويعتبر الباعة هذا النوع من العمليات الأفضل لأن "عدداً كبيراً من الأجانب يقيمون أو يعملون في مكان واحد، لذلك نبيع كميات كبيرة دفعة واحدة". واضافة الى ذلك، فان "الأجنبي يقبل عادة على شراء الأفلام الجديدة. ولا يساوم على السعر. وهمّه الوحيد أن تكون النسخة واضحة ونظيفة". ولعل غياب دور السينما والرقابة الصارمة، التي تصل بسهولة الى حد المنع، على الأفلام التي يمكن استيرادها من قبل محلات البيع والتأجير الشرعية، هما السببان الرئيسيان لانتشار ظاهرة شراء الأفلام المُقرصنة. ويلعب السعر كذلك دوراً كبيراً في تفضيل الناس شراء الأقراص المقرصنة، اذ يتراوح سعر افلام الDVD بين 20 و 30 ريالاً أقل من 10 دولارات" فيما لا يقل سعر الفيلم الأصلي عن 75 ريالاً 20 دولاراً. أما بالنسبة لألعاب الفيديو، فان سعر القرص المقرصن لجهاز "بلاي ستايشن - 2" هو 15 ريال" فيما يفوق سعر القرص الأصلي مئة ريالاً، وهي صفقة رابحة بالنسبة للتاجر، فهذه الأقراص المقلدة والمُهرَّبة من شرق آسيا تباع بضعف سعرها في بلد انتاجها، بحسب ما قال أحد أصحاب المحلات. من يلعب بالتكنولوجيا؟ وعدا عدد قليل من الحالات التي يكون فيها القرص "مضروباً"، تكون اللعبة المقرصنة نسخة طبق الأصل. انها شهادة لتَمَكُّن منتجيها من تكنولوجيا الكومبيوتر! وغالباً ما يكون الفيلم المُقرصن بنفس نقاء الصورة والصوت للأصلي. ومن الاستثناءات البارزة، الأفلام "المسروقة من السينما"، لانها تصور خلسة بواسطة كاميرا فيديو رقمية داخل صالة السينما. ويحضرها الباعة لمن لا يستطيعون الانتظار حتى تصدر النسخة المنزلية من الفيلم. فمثلاً بعد أسبوع فقط من افتتاح عروض فيلم "ثورات مايتريكس" Matrix Revolutions الشهر الماضي كان الفيلم موجوداً هنا في الأسواق. وينبهك البائع قبل الشراء الى أن النسخة غير واضحة. ويتكرر الأمر عينه مع الجزء الثالث من فيلم "سيد الخواتم" The Lord Of The Rings: Return Of The King . هذا فيما تسببت اشاعة مفادها أن فيلم عادل إمام الجديد "التجربة الدينماركية" يحوي لقطات مثيرة للفنانة اللبنانية الجميلة نيكول سابا بحال من التوتر! فبات الفيلم مطلوباً في شكل كبير وفوري. ويقول الشاب السعودي ياسر 17 عاماً "سأشتري هذا الفيلم مرتين: أصلياً كي أتمتع بتمثيل عادل امام، ومقرصناً كي أتمكن من رؤيته كاملاً والاستمتاع بالتفرج على الشقراء الفاتنة". ويعتبر ياسر أن "لا بأس في اقتناء الأفلام المقرصنة... فهي أرخص ثم أن المجموعة المعروضة أكبر". وإذا دققت البحث لدى أحد الباعة، قد تُفاجأ بتواجد بعض الأفلام. فمثلاً تجد النسخة الممنوعة من "غريزة اساسية" للممثلة الأميركية شارون ستون Basic Instinct: The Un-rated Version الذي يحوي لقطات اباحية ويمكن لأي طفل شراؤه! فالتاجر غالباً لا يعرف سوى الأفلام الجديدة، التي تلاقي اقبالاً. وليست كل أيام تجار هذه الأقراص سمناً وعسلاً. ويعيشون في ظل الخشية المستمرة من "مواسم الكبسات"، حينما تنهال ضربات قوى الأمن، فيتوقف البيع نهائياً. ويتحول "الزبون" إلى "غريب". وتشن حملات موسمية من قبل السلطات المحلية وتتم مصادرة هذه المنتجات باعتبارها غير شرعية. ففي مطلع العام الجاري، صادرت شرطة جدة بالتعاون مع وزارة الاعلام والمكتب العربي لمكافحة القرصنة، مليون ومئتي ألف شريط بلاي ستايشن مقرصنة، قدرت قيمتها بنحو مليون ريال. كما أوضحت احصاءات صادرة عن "لجنة التوعية ضد التزوير" التابعة للغرفة التجارية في جدة، أن المنتجات المزورة تكلف الاقتصاد السعودي ما يقارب البليون ريال خسائر سنوية.