تفجرت قضية جديدة في موسكو بعد كشف نشاط مجموعة من كبار الضباط في الأجهزة الأمنية شكلوا "مافيا" مارست عمليات تزوير وابتزاز، وجمعوا في السنوات الأخيرة ثروات طائلة. وتحفظت الأجهزة الخاصة عن مجموعة قصور وفيلات فارهة خاصة ب"الضباط - المجرمين" كما عثر في حوزتهم على أكثر من خمسة ملايين دولار نقداً. وعلى رغم ان المثل القائل "حاميها حراميها"، انطبق منذ سنوات على الأوضاع في روسيا ولم يعد الحديث عن قضايا الفساد المالي والإداري ملفتاً، الا ان كشف نشاط المجموعة الجديدة أحدث هزة عنيفة في العاصمة الروسية بسبب تورط عدد من كبار الضباط في المؤسسات الأمنية المختلفة. كما ان العملية التي نفذتها وحدات "الفا" المتخصصة في مواجهة أخطر المجرمين تعد الأوسع من نوعها منذ انهيار الاتحاد السوفياتي وطاولت للمرة الأولى "رؤوساً كبيرة"، بينها مسؤولون في إدارة البحث الجنائي وجنرال يرأس إحدى الدوائر التابعة لوزارة الطوارئ. وقال الناطق باسم وزارة الداخلية فاليري غريبالكين ان عصابة "الضباط المجرمين"، وهي التسمية التي أُطلقت في موسكو على مجموعة من عشرات العاملين في مختلف الهياكل الأمنية، تخصصت في "فبركة" مئات الأدلة الزائفة ضد أبرياء لابتزازهم والحصول على رشاوى ضخمة. وأوضح ان أفراد المجموعة لجأوا في حالات عدة الى دس أسلحة أو مخدرات لضحاياهم الذين اختاروهم بعناية من فئات رجال الأعمال أو التجار، ثم عمدوا الى فتح تحقيق جنائي وعرضوا لاحقاً "اغلاق الملف" في مقابل مبالغ مالية كبيرة. وأضاف ان عدداً من الضحايا رفض دفع المبالغ لضخامتها وحكم على بعضهم بسنوات سجن طويلة بعدما فشلوا في اثبات براءتهم. وبسطت "مافيا الشرطة" سيطرتها على واردات عدد من ملاهي القمار في موسكو. وأسست شركات حراسة وأجبرت أصحاب الملاهي على دفع مبالغ كبيرة في مقابل خدماتها. وتنظر النيابة العامة حالياً في نشاط صندوق مالي يشتبه في أنه أسس من أجل "غسيل الأموال" التي حصلت عليها المجموعة. وتعتقد مصادر في الأجهزة الأمنية ان نشاط المجموعة التي اعتقل عدد من أفرادها فيما تمكن آخرون من الفرار، بدأ قبل أكثر من أربعة أعوام، وحامت الشبهات حولها منذ شهور. وأُحيط الاعداد لعمليات الدهم والاعتقال بسرية مطلقة. وأفاد مسؤول في الداخلية ان أشخاصاً معدودين أبلغوا بالساعة الصفر. وشملت العمليات أكثر من 50 حملة دهم وتفتيش لمنازل ومكاتب عدد من الضباط، بعضها داخل وزارة الداخلية نفسها. ولجأت وحدات الى تفجير أبواب بعض الشقق التي تحصن فيها ضباط مطلوبون. وأسفرت العمليات عن سلسلة مفاجآت، اذ عثر على أكثر من خمسة ملايين دولار نقداً اضافة الى كيلوغرامات عدة من المصوغات الذهبية، كما عثر على مئات "الأدلة" التي اعدت للاستخدام ضد أشخاص. وذكرت مصادر أمنية ان المجموعة كانت تتحرك "بحرية كاملة"، وهو ما دل إليه العثور على وثائق تضم جداول بأسماء حسابات وتفاصيل عن نشاط المجموعة. وقادت المعلومات التي عثر عليها في شقق سكنية في موسكو الى دهم مجمع قرب العاصمة الروسية تبين انه يضم خمسة قصور بناها كبار الضباط وزودت أحدث وسائل الترفيه بما فيها ملاعب كرة قدم أنشئت بحسب المواصفات الدولية. وقدر الخبراء قيمة بنائها بملايين الدولارات. وقال أحد رجال الوحدات التي نفذت عمليات الدهم ان درجة الاسراف المبالغ فيها داخل القصور التي جرى التحفظ عن موجوداتها "لا يمكن تصديقها". وتحدثت مصادر في النيابة العامة عن توافر معلومات أولية عن تورط العصابة في "جرائم فادحة" مثل عمليات السطو المسلح أو القتل المأجور. ولا يستبعد المحققون ان تكون لها صلات وثيقة مع منظمات الجريمة الأخرى في روسيا، وهو ما دل إليه الكشف في أحد المنازل المداهمة على أجهزة لتحويل مسدسات الغاز الى مسدسات حربية. ويعتقد المحققون بأن العصابة تخصصت أيضاً ببيع أسلحة الى هياكل الجريمة المنظمة. وعلى رغم ان كشف نشاط المجموعة يعد انجازاً لوزير الداخلية بوريس غريزلوف الذي أعلن قبل يومين "حرباً لا هوادة فيها على الجريمة"، الا ان كثيرين في روسيا استغربوا عدم ملاحظة نشاط أفراد المجموعة قبل الآن، خصوصاً انهم لم يحاولوا اخفاء حال الترف التي عاشوا فيها على رغم ان متوسط راتب الضابط في وزارة الداخلية لا يتجاوز مئة دولار شهرياً. ويرى برلمانيون روس ان العملية الأخيرة ربما كشفت تورط مزيد من "الرؤوس الكبيرة" خصوصاً بعدما أعلنت جهات التحقيق ان ادارة نشاط المجموعة كانت تتم من خارج وزارة الداخلية.