أظهرت التغطية الإخبارية لعدد من الأحداث العالمية اتساع الفجوة بين التلفزيونات العربية الرسمية والخاصة فهذه الأخيرة بذلت مجهوداً أكبر بكثير في متابعة هذه الأحداث، ونجحت بعض الفضائيات في فرض حضورها عالمياً. ولعل الحرب القائمة ضد العراق خير مثال على هذا الأمر، إذ تبدي بعض التلفزيونات الخاصة العربية تقصيراً كبيراً في متابعة الأحداث، ويرى البعض إنها عاجزة عن ذلك ولا تملك الإمكانات البشرية والتقنية الضرورية. وفي عالم المنوعات أيضاً تسبق المحطات الخاصة زميلاتها الرسمية التي لا تزال تحتفظ بصورة تغالي في جديتها، أو تحاول أحياناً تقليد المؤسسات الخاصة فتأتي بعض برامجها الترفيهية باهتة جداً، وبرامج المنوعات والمسابقات فقيرة في مضمونها وصورتها. يوماً بعد يوم تتسع الفجوة بين القنوات التلفزيونية العربية الرسمية وبين القنوات الخاصة التي يديرها أفراد أو مؤسسات مالية، لمصلحة الثانية قطعاً. الفجوة في المستوى، شكلاً ومضموناً يمكن ملاحظتها بدءاً من نشرات الأخبار الى البرامج، خصوصاً الترفيهية، ثم حجم البرامج المختلفة المضمون، التي تقوم على العلاقة المباشرة بالجمهور والتي نراها في القنوات الخاصة أكثر اتساعاً، بل أكثر حرية ومرونة، مع كل ما فيها من نواقص هي الأخرى. تطور بطيء مشكلة القنوات الرسمية أنها بطيئة التطور، يخضع التغيير فيها الى آليات ونظم بيروقراطية، تحكمها المبادرات الفردية الضعيفة، التي ترى في أي خطوة تغيير مغامرة صعبة، لكن الأهم في نظرنا، والأبعد تأثيراً هي فكرة وجود تناقض بين رصانة البث التلفزيوني وجديته وبين تنويع مضامين ما يقدم من برامج، والانفتاح على قطاعات أوسع من المشاهدين خصوصاً الشباب، ثم - وهذا هو الأهم - هامش الحرية الضيق الذي تتحرك فيه القنوات الرسمية خصوصاً في البرامج السياسية، وما يشابهها من برامج الحوارات المباشرة مع الجمهور العريض، إذ يتجسد هنا بالذات الفارق الكبير بين النوعين من القنوات التلفزيونية، وهي حال صار المشاهد يجد نفسه معها مشدوداً الى متابعة القنوات الخاصة، لا يلتفت الى القنوات الرسمية، إلا حينما يتعلق الأمر بالبحث عن الخبر الرسمي. القناة الرسمية في حال كهذه، يصعب أن تكون متخصصة، في حين نرى ذلك ميسوراً للقنوات الخاصة التي يخلو بثها أحياناً من نشرات الأخبار أو البرامج السياسية عموماً، وهو أمر تراه القنوات الخاصة نافلاً، وخارجاً عن المألوف، على رغم الحاجة المتزايدة في أوساط المشاهدين لوجود قنوات تلفزيونية تبث نوعاً واحداً، الرياضي أو الفني مثلاً. الالتزام بالرأي السياسي أما حينما يتعلق الأمر ببرامج الحوار عموماً، وبرامج الحوار السياسي على وجه الخصوص، فإن القنوات الرسمية تجد نفسها مدفوعة الى الالتزام بالرأي الرسمي والحد من اندفاع المشاهد في إبداء رأيه، بل وحتى إيقافه عن الحديث كلياً، لا يشذ عن ذلك إلا "قناة أبو ظبي" الرسمية التي تعطى هامشاً واسعاً - نسبياً - لتحرك القائمين عليها، وأيضاً لتدخل جمهور المشاهدين، وهو ما ينعكس إيجاباً في طريقة انتقاء الخبر وكيفية تقديمه للجمهور. والذي يتابع البث التلفزيوني العالمي اليوم، سيدهشه الفارق الشاسع حقاً بين بثنا التلفزيوني العربي، وبين ما وصلته القنوات التلفزيونية العالمية من تطور، ليس على الصعيد التقني فحسب، ولكن على صعيد الذهنية الفكرية والفنية التي ينطلق منها البث، والتي يقف في أساس اختلافها، البون الشاسع بين أهدافنا من البث التلفزيوني وأهداف العالم، بين انطلاقنا من محدودية هامش الحرية، وبين حقيقة أن البث التلفزيوني الحديث هو ابن الحرية الذي لا يعيش معافى من دونها. نضيف الى ذلك الفارق النوعي الكبير بين مذيعي البرامج ومقدميها في القنوات الخاصة وبين زملائهم في القنوات الرسمية، فإضافة الى الحرية الأوسع للقطاع الخاص في انتقاء المذيعين ومقدمي البرامج تتباين المواصفات المطلوبة للمذيع لدى كل طرف، فتغيب - غالباً - عن القنوات الرسمية قدرات كثيرة في مذيعيها، لأنها بالأساس تتعمد طمس كل ما يمت لذاتيته الشخصية بأي صلة، فهي تطالبه فقط بالقدرة على أداء دوره في صورة تقليدية، تنعدم فيها المبادرة الفردية، أو تكاد. من الواضح في عالم الإعلام اليوم، أن الأمور تذهب كلها في اتجاه الإعلام الخاص، المستقل، ما يعني - وفي زحام المنافسة - أن بقاء الإعلام التلفزيوني الرسمي على ما هو عليه من رتابة ستكون نتيجته المحتمة انفضاض المشاهدين من حوله، والبحث من خلال جهاز التحكم عن بدائل يمكن أن تقدم الفائدة في إطار من المتعة والتشويق.