رغم تزايد أعداد البرامج الحوارية في القنوات السعودية، إلا أن هذا لم يمنع من تزايد أعداد البرامج التي ينتجها ويبثها الشباب على «اليوتيوب». قد يتساءل شخص ما عن علاقة جزأي العبارة منطقيا. الواقع، أنه إذا كان الهدف في النهاية هو التعبير عن أكبر عدد ممكن من الآراء، فلماذا تزايد البرامج الحوارية لم يمنع ظهور هذه البرامج؟ ثمة فارقان أساسيان بين البرامج الحوارية التي تبثها القنوات التلفزيونية وقنوات «اليوتيوب». الفارق الأول هو في طبيعة الآراء التي يتم طرحها في كل منهما. دأبت البرامج الحوارية على استضافة نفس الأسماء وطرح نفس الآراء ونفس الحجج منذ زمن. المشاهد مل من هذه الآراء التي تجاوزها المجتمع ولم يتجاوزها المتخاصمون. هل يعني هذا أن المجتمع يسير بشكل أسرع من الإعلام «الرسمي» ومن الحكومة نفسها؟ الفارق الثاني وهو حتما ناتج عن الأول، هو في نسب المشاهدة. بعض برامج «اليوتيوب» تحظى بشعبية جارفة وبنسب مشاهدة مرتفعة للغاية. برامج اليوتيوب ينتج أغلبها شباب بجهود ذاتية. لكن المثير للإعجاب أنه رغم ذلك فإن بعضها يتمتع بإخراج فني عالي المهنية. وشخصيا أعتبر برنامج «يطبعون» نقطة تحول في الإعلام السعودي. الإخراج مثير للإعجاب. وتم اختيار المذيع المناسب الذي تتناسب طبيعته مع طبيعة البرنامج الذي يقدمه، إضافة إلى أنه يتمتع بكاريزما عالية تجعل هذا البرنامج برنامجه بامتياز. ساد منذ فترة على ألسنة وأقلام بعض الكتاب مصطلح «الإعلام الجديد» للتعبير عن الآراء التي يعبر عنها الشباب على مواقع التواصل الاجتماعي وقنوات «اليوتيوب». مواقع التواصل الاجتماعي في العالم ليست غالبا للتعبير عن الآراء السياسية بل لتبادل الأخبار الشخصية وللبقاء على اتصال مع الناس الذين تعرفهم، لأن الناس تذهب للتعبير عن آرائها السياسية في صناديق الاقتراع. ما يحدث في السعودية أمر مختلف. بعض الروائيين السعوديين ينشرون رواياتهم لدى دور نشر عربية، وتأتي الرواية لتباع في السعودية. وزارة الإعلام هل لا ترخص لرواية يكتبها سعودي ويقرؤها سعوديون؟ أيهما يسير ببطء؟ أيهما يمانع؟ لذلك فيما يتعلق ببرامج «اليوتيوب» فأنا أفضل أن أسميها «الإعلام الموازي» وليس «الإعلام الجديد». وهنا يأتي السؤال الذي ربما لا يعرف أحد إجابته: لماذا لم يكن من الممكن تقديم برنامج «يطبعون» على إحدى القنوات التلفزيونية؟ أقصد ما يمكن أن يسمى «الإعلام القديم»؟ حتى طبيعة اللغة المستخدمة في برامج «اليوتيوب» لا تمت بصلة لتلك التي نسمعها في برامج «الإعلام القديم». لن تسمع أيا من الآراء التي تبثها برامج التلفزيون ولن تشاهد الصراعات المفتعلة. وهي في الغالب لا تناقش نفس «المشكلات» التي تناقشها برامج «الإعلام القديم». وحتى إن بعضها «تهكم» على اهتمامات الإعلام التلفزيوني. هل قد يعني ذلك شيئا محددا؟ ثمة أمر لافت طرأ موخرا على برامج «اليوتيوب». بعضها أصبحت منتظمة البث وينتظرها جمهورها. وأعتقد أن هذا أمر مفيد. قد ينشأ عن ذلك تنافس بينها وبين البرامج التلفزيونية، وهذه المنافسة قد تبعث شيئا من الحيوية في الإعلام التلفزيوني خصوصا فيما يتصل باختيار المذيعين وطريقة الطرح. إذ حينما نأخذ هذه الحيثيات مع بعضها البعض، يمكننا العودة إلى سؤال العنوان: ما الذي يحدث للسعوديين؟ الواقع أن أربعة أمور مهمة على المستوى السعودي حدثت في العقد الأخير. الحادي عشر من سبتمبر، والثاني عشر من مايو (بداية سلسلة الاعتداءات التي شهدتها البلاد)، وبرنامج الابتعاث الخارجي، وانهيار سوق الأسهم في 26 فبراير 2006. قد يتساءل أحدهم: ما الرابط بين هذه الأحداث، وما تحدثنا عنه مما تسميه «الإعلام الموازي»؟ ومهما يكن من أمر هذا السؤال، فإن الفيلسوف الألماني «شوبنهاور» يشير إلى أن «كل حقيقة تعبر ثلاث مراحل. في البداية يتم تسفيهها. ثم تواجه معارضة شديدة. ثم تعتبر وكأنها كانت دائما حقيقة مسلما بها». ماذا سيحدث حينما تسلم بعد خمس سنوات بأنها دائما – حتى أمس وحتى اليوم- كانت حقيقة مسلمة و»واضحة وضوح الشمس في وضح النهار»؟ في الهندسة التحليلية يعرف الخطان المتوازيان بتعامدهما على ثالث، وبأنهما لا يلتقيان أبدا مهما امتدا.