من غير المنطقي أن تتحول الشهادة الدراسية إلى وثيقة «صلاحية» تنتهي بمرور السنوات، وكأنها علبة غذاء تُرمى بعد انتهاء تاريخها. ومع ذلك، هذا هو الواقع الذي يعيشه خريجو الكليات التقنية، بل وحتى خريجو الثانوية العامة الذين مضى على تخرجهم سنوات عدة، فحين يطرقون أبواب الجامعات لاستكمال تعليمهم أو الالتحاق ببرامج جديدة، يصطدمون بعائق صارم اسمه «سنة التخرج»، وكأن مرور الوقت وحده كافٍ لإسقاط حقهم في التعليم، دون اعتبار لما واجهوه من مسؤوليات أو ظروف قاسية حالت بينهم وبين الدراسة في وقتها. كثير من هؤلاء لم يتوقفوا عن الدراسة تهاونًا أو تقاعسًا، بل لأن الحياة وضعتهم أمام التزامات لا تحتمل التأجيل. هناك من انقطع ليتفرغ لرعاية والدٍ مريض حتى وافته المنية، وآخر رافق قريبًا يعاني المرض لسنوات طويلة، وغيرهم أثقلتهم ظروف عائلية أو شخصية فرضت عليهم الابتعاد عن مقاعد الدراسة. واليوم، بعد أن تجاوزوا تلك المراحل القاسية وأرادوا أن يمنحوا أنفسهم فرصة جديدة، وجدوا أن النظام لا يمنحهم سوى صفة «منقطعين»، وكأن رغبتهم في العودة لا تكفي. إن الجامعات، بما تحمله من قيمة وطنية وعلمية، مطالبة اليوم بإعادة النظر في هذه الشروط الصارمة التي تحصر القبول في إطار زمني ضيق. فالتعليم لا ينبغي أن يكون امتيازًا لفئة عمرية معينة، بل حق مستمر لكل من امتلك الطموح والقدرة. كثير من التجارب الدولية سبقت في هذا المجال، ونجحت في تصميم برامج تأهيلية مرنة دمجت المنقطعين عن التعليم، فتحولوا إلى نماذج نجاح بارزة في المجتمع وسوق العمل. استحداث مسارات بديلة، أو معايير قبول مرنة تراعي اختلاف الحالات، يمكن أن يعيد دمج هؤلاء الطامحين دون أن يشكل عبئًا على الجامعات. بل على العكس، فالمكسب الحقيقي سيكون للوطن، حين يملك طاقات بشرية أكثر تأهيلًا وإنتاجية، ويمنح أفراده فرصًا متجددة لتطوير حياتهم المهنية والشخصية. لا شك أن فتح أبواب الجامعات أمام خريجي الثانوية والكليات التقنية الذين حالت ظروفهم دون الاستمرار، لا يعني مجرد قبول جديد، بل رسالة حضارية تؤكد أن التعليم حق لا يسقط بالتقادم. ومن يملك العزيمة للعودة بعد سنوات من الانقطاع، هو بالضبط الطالب الذي يستحق أن يُفتح له الطريق. فالتعليم ليس مرحلة مؤقتة، بل مسيرة مستمرة تستحق أن تظل متاحة لكل من يسعى إليها.