لم يعد الإنهاك النفسي حالة عابرة أو ظاهرة هامشية، بل تحوّل في السنوات الأخيرة إلى أزمة صامتة تتوسع في الظل، بهدوءٍ لا يلفت الانتباه. ويُعد الإنهاك العاطفي الصامت من أخطر أشكال هذا الاستنزاف، إذ يُصيب الإنسان دون ضجيج، بينما يواصل أداء أدواره اليومية وكأن شيئًا لم يتغير. وأوضح المستشار أنس محمد الجعوان أن المؤشرات العالمية تكشف أن ما يحدث ليس مجرد شعور مؤقت، بل نمط متكرر واسع الانتشار. واضاف ان التقارير النفسية تشير إلى أن ما بين 30% و40% من العاملين يعانون مستويات مرتفعة من الإنهاك العاطفي، فيما تتجاوز النسبة 50% في بعض القطاعات الخدمية والصحية. وقال تُظهر بيانات حديثة أن أربعة من كل عشرة بالغين حول العالم يعانون توترًا وقلقًا مزمنين، وهما من أبرز بوابات هذا الإنهاك الخفي. وبين ان خطورة هذه الحالة تكمن في طبيعتها الصامتة؛ فالمصاب لا يتغيب عن عمله، ولا يشتكي علنًا، بل يستمر في الإنجاز بينما يتآكل داخليًا. شعور بالفراغ، فقدان للشغف، وتبلد في المشاعر، يقابله أداء خارجي يبدو طبيعيًا. واكد ان دراسات سلوكية تشير إلى أن أكثر من 60% من المصابين لا يطلبون مساعدة نفسية، إما لغياب الوعي بطبيعة ما يمرون به، أو خوفًا من الوصم. وعن الأعراض قال تظهر تدريجيًا على هيئة اضطرابات في النوم، تراجع في الدافعية، ضعف في التركيز، وسرعة في الاستثارة، أو على النقيض تمامًا: لامبالاة عاطفية. ومع استمرار الحالة، يتحول الإنهاك النفسي إلى عبء جسدي، حيث يرتبط بارتفاع معدلات الصداع المزمن، واضطرابات الجهاز الهضمي، وانخفاض المناعة. وحول بيئات العمل قال تكشف الأرقام أن المؤسسات التي تفتقر إلى السلامة النفسية تسجل معدلات أعلى من الإنهاك، وانخفاضًا في الإنتاجية قد يصل إلى 20%، إضافة إلى ارتفاع الغياب والاستقالات الصامتة. ويؤكد الجعوان أن الإنهاك العاطفي الصامت ليس ضعفًا شخصيًا، بل رسالة إنذار لنمط حياة يستهلك الإنسان أكثر مما يمنحه. فالاعتراف به، على المستوى الفردي والمؤسسي، هو الخطوة الأولى لاستعادة التوازن، قبل أن يتحول الصمت إلى انهيار لا يمكن تجاهله.