في مشهد صادم انتشر مؤخرًا عبر وسائل التواصل الاجتماعي ظهرت شقة سكنية مؤجرة وقد تحولت إلى كومة من النفايات المتراكمة ما أثار تساؤلات حول ما يمكن أن يخفيه الإهمال خلف الأبواب المغلقة ورغم قسوة المقطع المتداول إلا أنه يسلط الضوء على قضية أعمق من مجرد مشهد عابر إنها صورة حية لما يعرف بمتلازمة ديوجين كما أوضح المستشار التدريبي أنس محمد الجعوان في حديثه ل"الرياض". الجعوان أشار إلى أن ما رأيناه ليس مجرد تصرف فردي شاذ بل نموذج لحالة مرضية صامتة تعيش بيننا وقد تمر دون أن يلحظها أحد وحذر من خطورة تجاهل مثل هذه الحالات خاصة بين كبار السن الذين يعيشون بمفردهم أو يمرون بأزمات نفسية أو صحية دقيقة مؤكدًا أهمية الوعي المجتمعي للكشف المبكر عن هذه الحالات قبل أن تتفاقم وتتحول إلى مآسٍ إنسانية. واستعرض الجعوان ملامح هذه المتلازمة التي تعد من الزوايا المنسية في بيوت كبار السن فمتلازمة ديوجين هي اضطراب نفسي نادر يتجلى في سلوكيات شديدة الغرابة أبرزها الاكتناز القهري للأشياء عديمة القيمة والإهمال الصارخ للنظافة الشخصية والمنزلية والعزلة الاجتماعية واللامبالاة تجاه الوضع القائم ورغم وضوح هذه الأعراض لمن يقترب من المصاب إلا أن كثيرًا من الحالات تظل دون تشخيص لسنوات طويلة. بحسب الدراسات فإن هذه المتلازمة تصيب غالبًا الأشخاص الذين تجاوزوا سن الستين خصوصًا أولئك الذين يعيشون وحدهم أو يعانون من أمراض مزمنة سواء جسدية أو نفسية وتشير الإحصاءات إلى أن معدل الإصابة السنوي قد يصل إلى نصف حالة لكل ألف شخص فوق الستين عامًا بينما ترتفع النسبة في بعض المجتمعات الأوروبية إلى ما بين حالة واحدة إلى خمس حالات لكل عشرة آلاف نسمة وهي نسبة تعد مقلقة بالنظر إلى قلة الوعي بهذا الاضطراب. الجعوان أوضح أن أبرز علامات متلازمة ديوجين تتجلى في تراكم القمامة والأشياء التالفة وحتى الطعام الفاسد داخل المنزل دون أي شعور بالحاجة إلى التخلص منها بالإضافة إلى غياب النظافة الشخصية والامتناع التام عن تنظيف المكان أو العناية بالنفس مع رفض المصاب لأي شكل من أشكال المساعدة أو التواصل مع الآخرين بل إن المصاب لا يشعر بأي حرج من حالته بل يراها طبيعية ولا يجد فيها ما يستدعي القلق. وبيّن الجعوان أن هذه المتلازمة قد تكون مرتبطة بعدة اضطرابات نفسية مثل الخرف وخاصة الزهايمر والاكتئاب المزمن واضطراب الوسواس القهري والذهان إلا أن ما يزيد الأمر تعقيدًا أن نحو عشرين في المئة من الحالات قد تظهر بشكل أولي دون ارتباط بمرض نفسي معروف ما يجعلها أكثر خفاءً وأصعب في الاكتشاف. ورغم أن متلازمة ديوجين لا تزال غير مصنفة رسميًا في المراجع النفسية الكبرى مثل الدليل التشخيصي والإحصائي الخامس للأمراض النفسية أو التصنيف الدولي للأمراض إلا أن تشخيصها يعتمد على الملاحظة السلوكية والتاريخ الطبي والاجتماعي للمريض. وعن طرق العلاج أوضح الجعوان أن التعامل مع هذه الحالات يتطلب صبرًا وحساسية كبيرة إضافة إلى تدخلات متعددة تشمل جلسات العلاج النفسي والسلوكي لمساعدة المصاب على تعديل نمط تفكيره مع العلاج الدوائي في حال وجود أعراض اكتئاب أو وسواس قهري أو اضطرابات ذهانية إلى جانب التدخلات الاجتماعية التي تتضمن تقديم الرعاية المنزلية وتنظيف البيئة المحيطة وتوفير بيئة صحية آمنة. وأكد الجعوان في ختام حديثه أن نجاح التعامل مع هذه الحالات يتطلب جهدًا مشتركًا من الأسرة والمجتمع والأخصائيين داعيًا إلى مزيد من التوعية بهذه المتلازمة التي قد تكون أقرب إلينا مما نتصور فخلف كل باب مغلق قد تختبئ قصة صامتة تنتظر من يكتشفها قبل فوات الأوان.