في تحديات اضطراب طيف التوحد التي قد تكون عائقًا أمام تحقيق الإنجازات الكبرى، تثبت لنا بعض النماذج الاستثنائية أن الإرادة والإيمان بقدرات الأبناء تصنع المعجزات. من بين هذه النماذج يبرز اسم عبدالعزيز هشام أبو شملة حكمي، الطالب البالغ من العمر 18 عامًا من منطقة جازان، الذي أتم حفظ القرآن الكريم كاملًا، وتخرج من المرحلة الثانوية بتقدير ممتاز، رغم كونه مصابًا بالتوحد. طفولة استثنائية بدأت ملامح التميز تظهر على عبدالعزيز في سن مبكرة، عندما لاحظت أسرته أن لديه قدرة لافتة على الاستماع إلى القرآن وتقليد التلاوة بدقة، لا سيما بصوت الشيخ محمد أيوب الذي كان عبدالعزيز يحاكيه ببراعة لافتة، وقد كان مقطع الفيديو الذي وثق تلك التلاوات سببًا في شهرته المبكرة على مستوى منطقة جازان وخارجها، حيث لُقِّب منذ ذلك الحين ب"طفل جازان التوحدي". حفظ القرآن.. بالصوت ما يميز رحلة عبدالعزيز في الحفظ أنها لم تكن كغيرها من طرق تحفيظ القرآن، إذ تمكن من حفظ القرآن الكريم سماعيًا بالكامل، دون الحاجة إلى الطرق التقليدية المعتمدة على القراءة البصرية المكثفة، وقد ساعده في ذلك قدرته الفطرية على تمييز الأصوات ونبراتها، مما مكنه ليس من الحفظ فقط بل في إجادة التلاوة بطرق وأصوات مختلفة. ويقول عبدالعزيز في حديثه ل"الرياض": "التوحد لم يكن عائقًا في حياتي. نعم، حرمني من بعض المهارات الاجتماعية، لكن الله منحني حب القرآن والتعلق بتلاوته، وهذا وحده عالمٌ كامل من الطمأنينة والإنجاز بالنسبة لي". دعم أسري وراء كل قصة نجاح دائمًا بيئة حاضنة وأسرة تؤمن بقدرات طفلها، وهو ما أكده هشام حكمي، والد عبدالعزيز، حيث قال: "منذ أن لاحظنا ميل عبدالعزيز للقرآن، حرصنا على تنمية هذه الموهبة وتوفير معلمين ومقرئين يساعدونه على إتقان الحفظ والتلاوة. لم يكن الأمر سهلًا، لكنه كان يستحق كل العناء". وأضاف: "التحديات كانت كثيرة، لكن بالدعم والرعاية المتخصصة استطعنا معًا أن نجعل من عبدالعزيز قصة إلهام حقيقية، رسالتي لكل أسرة لديها طفل من أصحاب الهمم: لا تيأسوا، ولا تجعلوا من التحديات قيدًا لأحلام أبنائكم". مواهب صوتية بعيدًا عن الحفظ، يتمتع عبدالعزيز بموهبة أخرى وهي رفع الأذان بصوت مؤثر، وقدرته اللافتة على تقليد أصوات القراء والمؤذنين، وهو ما جعله محل إعجاب من يسمعونه، حيث يجدون في صوته حسًا روحانيًا يلامس القلوب. رسالة مجتمعية قصة عبدالعزيز ليست مجرد حكاية فردية بل تمثل رسالة مفتوحة للمجتمع بكل مكوناته؛ مفادها أن أصحاب الهمم قادرون على الإنجاز متى ما وُجدت البيئة الداعمة التي تحفزهم وتؤمن بهم. وفي هذا السياق، دعا مختصون وأكاديميون في مجالات التربية الخاصة إلى ضرورة تبني برامج متخصصة لرعاية الموهوبين من فئة التوحد، وتمكينهم من الاندماج والمشاركة في الأنشطة الثقافية والدينية والتعليمية، مما يساهم في تنمية مهاراتهم وتحقيق ذواتهم. عبدالعزيز حكمي اليوم ليس مجرد شاب حفظ القرآن فحسب، بل هو أيقونة حية تقول لنا إن الإعاقة ليست نهاية الطريق، بل قد تكون بوابة للتميز والنجاح، وتبقى قصته مصدر إلهام لكل أسرة، ولكل طفل يظن أن التحدي قد يحول بينه وبين الحلم.