في لحظة مهيبة من تاريخ الوطن، جاء خطاب صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، نيابة عن خادم الحرمين الشريفين، ليضيء فضاء مجلس الشورى بعبارات تنبض بالاعتزاز بالثوابت وبالثقة في المستقبل. كلمات تحمل من العمق ما يجعلها أشبه بمرآة تعكس مسيرة ثلاثة قرون من التأسيس الراسخ، وتجسد روح الدولة السعودية التي انبنت على دعائم الشريعة الإسلامية، والعدل، والشورى، وخدمة الحرمين الشريفين. هذا الخطاب ليس مجرد افتتاح لأعمال دورة جديدة لمجلس الشورى؛ بل هو استدعاء للذاكرة الجمعية، وتذكير بأن ما نحن فيه اليوم من استقرار وريادة لم يكن ليتحقق لولا التمسك بتلك المبادئ الأولى التي صاغها المؤسسون بوعي ورؤية، ثم سار عليها الأبناء والأحفاد. فحين يقول سمو ولي العهد إن الدولة قامت منذ ثلاثة قرون على نهج مبارك، فإنه يربط الحاضر المتوثب بالماضي المؤسس، ليجعل من الاستمرارية قيمة عليا في مشروع الدولة الحديثة. وفي الوقت ذاته، يتجلى البعد الروحي والإنساني في تخصيص خدمة الحرمين الشريفين باعتبارها شرفًا ومسؤولية كبرى، وهو ما يعكس خصوصية المملكة ومكانتها الفريدة في العالم الإسلامي. فخدمة ملايين المسلمين الوافدين إلى هذه البقاع المقدسة ليست مهمة عابرة، بل رسالة كونية تؤكد أن السعودية تمثل قلب العالم الإسلامي النابض، وحارسًا أمينًا على قدسية المكان ورمزيته. إن الخطاب بما يحمله من إشارات عميقة يرسخ معاني القيادة الواعية التي تدرك أن التنمية لا تنفصل عن الهوية، وأن المستقبل لا يُبنى إلا على أساس صلب من القيم والمرجعيات. وهو أيضًا رسالة طمأنة للشعب بأن النهج الراسخ سيظل يقود السفينة نحو آفاق أرحب من الاستقرار والازدهار، في انسجام مع رؤية المملكة 2030 التي تعيد تشكيل الواقع الوطني وتمنحه آفاقًا عالمية. هكذا، يأتي خطاب ولي العهد ليكون ومضة تذكّرنا أن السعودية ليست مجرد دولة حديثة فحسب، بل هي امتداد لتاريخ عريق، ومشروع حضاري متجدد، يوازن بين الثبات على الأصول والانفتاح على المستقبل.