الفرح ليس حالة طارئة نعيشها عندما تبتسم لنا الظروف، بل مهارة نفسية يمكن تعويد النفس عليها وتربيتها بوعي. إن الأفراد الذين يربطون الفرح بالأحداث الكبيرة فقط، يضعون أنفسهم في حالة انتظار دائمة، بينما التربية النفسية السليمة تعلّمنا أن الفرح يُصنع من التفاصيل الصغيرة، التي نختار التوقف عندها والاحتفاء بها. هنا يبدأ الوعي بأن ننتبه لما يبعث الطمأنينة، ولو كان بسيطًا. من الناحية النفسية والجسدية، يتفاعل الجسم فورًا مع مشاعر الفرح. عند الشعور بالرضا أو الامتنان، يفرز الدماغ هرمونات؛ مثل الدوبامين والسيروتونين، وهي مسؤولة عن تحسين المزاج وتنظيم النوم والتركيز، وهذه التفاعلات ترسل إشارات للجهاز العصبي بأن يهدأ، فيهدأ الجسد وتخف حدة التوتر العضلي والنفسي؛ لذلك، الفرح ليس شعورًا معنويًا فقط، بل استجابة بيولوجية داعمة للصحة. كما أن للعقل قوة تكتسب بالتكرار؛ فعندما نعتاد ملاحظة الأشياء التي تُسعدنا، نعيد برمجة الدماغ ليوازن بين الانتباه للمشكلات والانتباه للحلول، وهذه المهارة تُعرف نفسيًا بتنظيم الانتباه وهي أساس المرونة النفسية. كما أن الأفراد الذين يتقنوها يصبحون أكثر قدرة على تجاوز الإحباط، لأنهم لا يسمحون للتجارب الصعبة بأن تبتلع وعيهم بالكامل. وفي الجوانب التربوية من المهم تعويد الأطفال على الفرح، وهذا يعني تعليمهم التعبير عن مشاعرهم الإيجابية، والاحتفال بالإنجازات الصغيرة، والشعور بالامتنان؛ لما يملكونه، كما أن الطفل الذي يُدرَّب على الفرح ينمو، وهو يمتلك أدوات داخلية للاتزان العاطفي، فيتعلم أن السعادة ليست مكافأة خارجية، بل شعور يمكن الوصول إليه من الداخل. ويجب ألا يخفى علينا أن التمسك بالأشياء الصغيرة، التي تُسعدنا ليس ترفًا عاطفيًا، بل وعيٌ يعكس نضجنا في فهم الحياة. فهذه الأفراح اليومية تعمل كمساحات أمان نفسية، تحمي النفس من الإرهاق، وتمنح العقل فرصة للتوازن والهدوء. ومن خلال الاستمرار في هذه الممارسات التربوية والصحية، نصنع لأنفسنا قدرة أعمق على الحضور، ونبني علاقة أكثر انسجامًا مع ذواتنا ومع العالم من حولنا.