تتجسد أهمية الخطاب الملكي السنوي تحت قبة مجلس الشورى من كل عام كأهم خطاب للدولة، لما يُمثله "كخارطة طريق شاملة" لسياسة المملكة الداخلية والخارجية، ويرسم صورة أكثر اكتمالاً لسياسة المملكة بمبدأ وأساس للحكم، وتتجدد فيه الإرادة والعزم لمواصلة مسيرة الإصلاحات والإنجازات والتنمية، ويعكس مكانة المملكة العربية والإسلامية والعالمية، ومسؤولياتها التاريخية والتزامها بقضايا الأمة والإنسانية. وقد شهد مجلس الشورى في الخطاب الملكي السنوي هذا العام؛ الذي ألقاه سمو ولي العهد نيابة عن خادم الحرمين الشريفين -حفظهما الله- وحمل في طياته رسائل واضحة حول استمرارية المملكة في نهجها التاريخي ونهجها المستقبلي الطموح.. فالخطاب، الذي يجمع بين الأصالة والحداثة، يعكس استراتيجيات المملكة في مجالات التنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، ويؤكد مكانتها الإقليمية والدولية المرموقة. أكد سمو ولي العهد في كلمته على أن المملكة راسخة في مبادئها منذ ثلاثة قرون، القائمة على الشريعة الإسلامية والعدل ومبدأ الشورى، مما يعكس أصالة نهجها واستمرارية مسيرتها التنموية. وجدد سموه الالتزام بخدمة الحرمين الشريفين ورعاية ضيوف الرحمن، معتبرًا ذلك مسؤولية تاريخية وشرفًا عظيمًا تفخر المملكة بالاضطلاع بها. وفي المجال الاقتصادي، أبرز الخطاب نجاح المملكة في مسار التنويع الاقتصادي، حيث ارتفعت مساهمة الأنشطة غير النفطية إلى 56% من الناتج المحلي الإجمالي، ما يعكس نجاح استراتيجيات الاستثمار في القطاعات الواعدة وتحقيق مستهدفات رؤية 2030. كما لفت الخطاب إلى اختيار 660 شركة عالمية المملكة مقرًا رئيسًا لها، مما يجسد مكانة المملكة كمركز اقتصادي عالمي، ويعكس الثقة المتنامية في قوة الاقتصاد السعودي وجودة بيئة الأعمال والبنية التحتية والخدمات التقنية. ولم يغفل الخطاب الحديث عن المستقبل، حيث أكدت المملكة أنها تتجه لتكون مركزًا عالميًا في مجال الذكاء الاصطناعي، ما يعزز تنافسيتها وريادتها في التقنيات المستقبلية، ويترجم جهودها في تنويع الاقتصاد والاستثمار في القطاعات الواعدة. كما أكد سمو ولي العهد على حرص المملكة على تقييم الأثر الاقتصادي والاجتماعي للإنفاق العام، بما يضمن توجيه الموارد بكفاءة ورفع جودة الحياة للمواطنين. من ناحية الإصلاحات والمرونة المؤسسية، أشار الخطاب إلى قدرة القطاعين العام والخاص على مواجهة التحديات بنجاح، ما يعزز الثقة في قدرة المملكة على تهيئة المستقبل وتحقيق التنمية المستدامة. وأكد أن المصلحة العامة هي البوصلة التي تقود كافة السياسات والقرارات، ولن تتردد القيادة في تعديل أي سياسات لضمان الصالح العام. على الصعيد الإقليمي والدولي، جدد سمو ولي العهد دعم المملكة للقضية الفلسطينية، مشددًا على أن المملكة تعتبرها القضية المركزية الأولى للعرب والمسلمين، وأن جهودها الدبلوماسية لعبت دورًا حاسمًا في تعزيز الإجماع الدولي لدعم الحقوق الفلسطينية. كما أشاد الخطاب بالجهود السعودية الناجحة في رفع العقوبات الأميركية عن سوريا، والمساهمة في دعم الاستقرار والأمن في المنطقة، مع التأكيد على أهمية استقرار لبنان واليمن والسودان من خلال الحوار والدبلوماسية. وختامًا، أكد الخطاب على دور مجلس الشورى المحوري في تطوير الأنظمة ودعم مسيرة التنمية، بما يعزز مكانة المملكة تشريعياً وتنظيميًا. وأبرز أن استراتيجيات المملكة ترتكز على رفعة المواطن وتمكينه، وتحقيق تنمية شاملة ومستدامة، تجعل المملكة في مصاف الدول المتقدمة عالميًا. إن خطاب سمو ولي العهد لم يكن مجرد كلمة سنوية، بل كان خارطة طريق واضحة تعكس نجاحات المملكة وإنجازاتها الراهنة، ورؤيتها المستقبلية الطموحة، مؤكدًا على الأصالة في النهج والتطلعات الطموحة للمستقبل.