التاريخ شاهد أن أعظم سباق تخوضه الأمم ليس في السلاح ولا في المال، بل في ميدان العلم والتعليم. فمن امتلك زمام المعرفة صار سيدًا على الأرض، ومن عجز عنها ظل تابعًا مهما كثر عدده أو عظمت ثرواته. وما أوضح المفارقة حين نرى دولًا صغيرة المساحة قليلة السكان، لكنها تجاوزت بمراحل دولًا مترامية الأطراف تنام على بحار من الخيرات، لأنها أحسنت استثمار عقولها، وأدركت أن الثروة الحقيقية هي الإنسان المتعلم والصانع الماهر. والمحزن أن أمة الإسلام وهي صاحبة الوحي الذي افتتح بالقراءة وخُتم بالكتابة لم تترجم هذه الرسالة الخالدة في واقعها المعاصر كما يليق بها. فالقرآن ملآن بآيات النظر والفكر والتأمل، وأوامره المتكررة ﴿خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ﴾ تؤكد أن العلم لا يُنال إلا بالجدية والصرامة. لقد جسّد الأنبياء هذا المعنى، فسيدنا موسى، ارتحل يلتمس العلم من، الخضر، وسيدنا يحيى أُمر أن يأخذ الكتاب بقوة، وسيدنا محمد، صلى الله عليه وسلم، صنع من أمة أمية أمة قارئة كاتبة، فجعل فداء الأسرى تعليمًا، وأنشأ كتّاب الوحي، وأطلق دعوته الخالدة «من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا، سهل الله له به طريقًا إلى الجنة». ثم جاء جيل الصحابة والتابعين ليضرب أمثلة تكتب بماء الذهب هذا ابن عباس يبيت على، الأبواب يطلب، حديثًا حتى صار إمامًا في العلم، وهذا الشعبي يختصر سرّ معارفه في السير في البلاد، وصبر كصبر أيوب وبكّر كبكور الغراب. والخليل بن أحمد يجد أثقل ساعاته ساعة الطعام لأنها تسرق من وقته، أما النووي فقرأ «الوسيط» مئات المرات وغيرهم من العلماء كرروا قراءة كتبهم مئات بل آلاف المرات، حتى غدت مكتبتنا الإسلامية كنزًا زاخرًا بالمدونات والمصنفات استفاد منها الغرب والشرق. إن هذه الصور المضيئة ليست حكايات تراثية للتسلية، بل وقود حاضر يجب أن نستضيء به في زمن كثرت فيه وسائل التعلم وتراجعت فيه الهمم. دروس وعبر لأبنائنا. •اربط وقتك بالصلوات فهي ميزان العمر ومعراج التوفيق. •بكر في طلب العلم، ونظم نومك، فالبكور بركة. •قاوم إغراء الوسائط الاجتماعية فهي تسرق العقول قبل الأوقات. •أنشئ مكتبة في بيتك، فالمكتبة رئة الأسرة. •شارك في الدورات العلمية، فهي تصنع فرقًا في الوعي والمهارة. •أكثر من قراءة سير العلماء، فالقدوة أعظم معلم. •أحيِ عادة مدارسة الكتب في المجالس، فهي ميراث السلف الصالح. وختاماً، الجدية في طلب العلم قبسُ نورٍ يضيء العمر، وسُلَّمٌ يرفع صاحبه إلى معارج المجد، ووراثةٌ لرسالة الأنبياء لا يَخبو أثرها ما دامت السماوات والأرض.