رؤية السعودية 2030 التي أعلنها صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، حفظه الله، في عام 2016م كانت محقة، وهي تضع ومنذ وقت مبكر الذكاء الاصطناعي، في صميم برامجها، ليس كتقنية عصرية فحسب، بل كأداة استراتيجية تمس السيادة الوطنية ومستقبل المجتمع. حيث نشاهد ونلمس أن المحتوى الذي يظهر على شاشاتنا، لم يعد مجرد انعكاس لما يحدث في العالم، بل أصبح نتيجة مباشرة لما تختاره لنا الخوارزميات، التي امتدت قدراتها وقوتها بمجرد دخولنا حقبة الذكاء الاصطناعي. فقد ظهرت مفاهيم وآليات إعلامية غير مسبوقة، تقرر أي خبر يتصدر وأي قصة تُهمّش، لتشكيل الوعي البشري، متجاوزة غرف الأخبار التقليدية. مع هذا الواقع الإعلامي الجديد، المعتمد على ذكاء الآلة، يبرز سؤال جوهري: من يملك اليوم بوابة الوعي البشري، ومن يقرر ما نراه، وما نتجاهله؟ مع مثل هذا الواقع المرتبك، في مختلف أرجاء العالم، كان الوعي السعودي، مبكرا، وانطلق مع الرؤية السعودية 2030 واليوم يؤكد سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، هذا النهج في كلمته في مجلس الشورى، حيث قال إن «الاتفاقات التي عقدتها المملكة، في مجال الذكاء الاصطناعي تستكمل حلقة برامج رؤية المملكة، ونهدف من خلالها إلى أن تصبح المملكة خلال السنوات المقبلة مركزاً عالمياً لهذا المجال». هذه الكلمات توضح أن الاستثمارات في هذا القطاع ليست مجرد خيار اقتصادي، بل خطوة حاسمة لتعزيز مكانة المملكة وتحصين استقلالها الرقمي. وأحد أسس الاستقلال الرقمي، المستوى الإعلامي، المتمثل في الخوارزميات، التي باتت قادرة على تضخيم روايات معينة وتهميش أخرى، ما يخلق «فقاعات إدراكية» يعيش الفرد داخلها معتقدًا أنه يرى الصورة كاملة، وهي صورة مجتزأة، ومعها يصح القول إن الخوارزميات ترتب المشهد، وتقرر أيّ صورة ستظهر أولًا، وأي قصة ستختفي في زوايا النسيان. من هنا، يصبح تطوير أدواتنا وخوارزمياتنا المحلية ضرورة وطنية، فمن يتحكم في تدفق المعلومات يمتلك القدرة على التأثير في الرأي العام. وهذا ما تنبهت له رؤيتنا المباركة مبكرا، وعملت على تحقيقه منذ نحو عقد من الزمن. فرؤية المملكة 2030 استثمرت في بناء منصات وطنية مدعومة بالذكاء الاصطناعي، تمكننا من بناء إعلام أكثر نزاهة وشفافية، يواجه التضليل الرقمي، ويوفر لصانع القرار مؤشرات دقيقة تعزز ثقته باتخاذ خطواته المستقبلية. ودون شك هذه ليست رفاهية فكرية، بل مسار عملي بدأته المملكة لتكون صانعة للمستقبل لا مجرد متلقٍ لتقنياته. والدلالة الأبرز تكمن في أن السعودية ورؤيتها المباركة، سابقة ومخططة لتحقيق السيادة الرقمية، كونها امتدادًا طبيعيًا للسيادة الوطنية، وكما نشهد ونعيشه اليوم، فإن من يمتلك أدوات الذكاء الاصطناعي، هو من سيرسم ملامح الإعلام والمعرفة غدًا.