اشتهرت في العصر العثماني زخرفة الجدران بالبلاطات الخزفية، وحذق العثمانيون في زخرفة البلاطات الخزفية واستعملوها بكثرة في تغطية جدران عمائرهم واتقنوا زخارفها وألوانها. وفضل العثمانيون البلاطات القيشانية على غيرها وأكثروا من استعمالها، وربما كان هذا عائداً إلى انها أقل تعقيداً في الاستعمال من الفسيفساء الخزفية، وهي ترصيص قطع متناهية الصغر من البلاط الملون أو الصدف أو خردة الرخام في تشكيلات وزخارف فنية، والتي كان يفضلها سلاجقة الروم، فالبلاطات القيشانية أكبر حجماً من الفصوص الخزفية والنقش يكون أوضح وتركيبها لا يكون معقداً ولا يحتاج إلى جهد كبير مثل الفسيفساء. وأقدم مثال للبلاطات الخزفية العثمانية تلك التي تزين قبة الصخرة بعد تصدع فسيفساء القبة في عهد السلطان سليمان القانوني، واستخدمت فيها الزخارف النباتية والكتابية والهندسية من القرآن الكريم، بألوان الكحلي والتركواز والأصفر والأخضر والأبيض. واستخدم القيشاني في العمارة الإسلامية بكثرة، خصوصاً في البلاد التي خضعت لسيادة الدولة العثمانية، وهو يمتاز في أنه يحمي العمائر من تأثير عوامل التعرية المختلفة، ويساعد في تقوية الجدران، فتبقى البلاطات القيشانية محتفظة برونقها وألوانها ثابتة لا تتغير مع الزمن محتفظة بالبريق المزجج نفسه على عكس الطلاءات التي تتآكل ألوانها ولا تثبت طويلاً امام عوامل الزمن. وفي القاهرة نماذج متعددة للزخرفة بالقيشاني مثل سبيل عبدالرحمن كتخدا في منطقة النحاسين، وقصر محمد علي في المنيل، وبيت السحيمي في الجمالية. بيت السحيمي يقع بيت السحيمي 1058- 1211ه 1648 - 1796م في قلب حي الجمالية قرب باب الفتوح وباب النصر وسور القاهرة الفاطمي في حارة الدرب الأصفر المتفرعة من شارع المعز في حي الجمالية أقدم أحياء القاهرة. وعلى رغم أن عمر البيت لا يتجاوز 350 سنة إلا أن موقعه كان عامراً بالمباني منذ بناء القاهرة في العصر الفاطمي. ووجد من خلال الحفريات في أحواش المنزل إن البناء الحالي يقوم فوق أنقاض وبقايا مبان أقدم منه، قد ترجع إلى العصر الفاطمي حيث كان المكان موقعاً للمنحر المذبح، أو قد ترجع إلى العصور التالية. ويتضح من المراجع التاريخية أنه بعد هدم المنحر تم بناء مبان مملوكية عدة في هذه المنطقة من بينها خانقاه. أما في الوقت الحالي فالبيت يقع في قلب منطقة الجذب السياحية، ويجاوره كثير من المباني الأثرية التي ترجع إلى العصور الإسلامية المختلفة. شيد بيت السحيمي على مراحل عدة إلى أن وصل البناء إلى الوضع الذي نعرفه اليوم، ويتضح ذلك من الكتابات الموجودة في مناطق مختلفة من البيت، وأيضاً من المراجع التاريخية. وأقدم جزء هو الجزء الجنوبي الشرقي، وهو الذي شيده الشيخ عبدالوهاب الطبلاوي 1648م / 1058 ه. والجزء الثاني انشأه الحاج إسماعيل شلبي عام 1699م / 1111ه. ويشغل بيت السحيمي أرضاً مساحتها أكثر من 2000 متر مربع أي نحو نصف فدان. وهو يحتوي على كل عناصر البيت القاهري في القرنين السابع عشر والثامن عشر. ويضم البيت حوشاً داخلياً رئيسياً مساحته أكثر من 200 متر تطل علىه قاعات وغرف يصل عددها إلى 115 موزعة على خمسة مستويات. وآخر من سكن المنزل وجدده أسرة الشيخ محمد أمين السحيمي شيخ رواق الأتراك في الأزهر توفي عام 1928م. وفي عام 1931 اشترت الحكومة المصرية بيت السحيمي من ورثة الشيخ السحيمي بمبلغ ستة آلاف جنيه مصري واعتمدت ألف جنيه لترميمه. واعتمد التشكيل الداخلي على التشكيل السطحي باستخدام الزخارف المتنوعة الملونة في السقف والتكسيات الرخامية الملونة للنافورات والفسقيات والأرضيات والوزارات، في تشكيلات زخرفية اعتمدت على خردة الرخام والصدف فأعطت تشكيلاً بديعاً. وزينت الفسقيات بالرخام الأبيض الناصع فيما الأرضية من تشكيلات متنوعة من الفسيفساء الملونة من خردة الرخام، في زخارف هندسية استخدمت فيها ألوان الكحلي والطوبي والأبيض. ويضم البيت تشكيلات أخرى من الفسيفساء بالألوان والخامات نفسها على هيئة إطار زخرفي هندسي أحيط بلوح من الرخام الأبيض، وحوله زخرفة بديعة من الفسيفساء الدقيقة الملونة التي تعكس مهارة الفنان العربي وابداعه ودقته.