هناك عملية إعادة تقويم تجري من دون ضجة، وإن تكن بطريقة مكثفة، لخطر الإرهاب النووي، وكان من نتيجتها دفع هذا الخطر الى دائرة الأضواء. وعندما اجتمع 500 خبير نووي من مختلف أنحاء العالم في فيينا أخيراً في إطار الوكالة الدولية للطاقة الذرية لمناقشة الآثار المترتبة على هجمات 11 أيلول سبتمبر ظهرت حقائق عدة لا يمكن إغفالها، وهي: أن العديد من الافتراضات المتعلقة بالأمن النووي لم تعد صحيحة، وأنه نتيجة لذلك فإن الفجوة قد اتسعت بين خطر الارهاب النووي وقدراتنا على التصدي له. فما هي عناصر "التهديد الجديد"" التي تجعل الإرهاب النووي أكثر احتمالاً من ذي قبل؟ العنصر الأول هو اللامبالاة التامة من جانب العناصر الإرهابية لما يلحق بالسكان المدنيين من إصابات ووفيات مهما كانت أبعادها. وثانياً الاستعمال غير المتوقع من جانبهم في شن الهجمات لتكنولوجيات تستخدم يومياً في حياتنا العادية. وثالثاً القدرة الفائقة على التخطيط والتنسيق السري طويل الأجل. ورابعاً القدرة على التعامل مع مواد خطرة وتوجيهها الى المجموعات المستهدفة. وأخيراً الاستعداد من جانب أفراد على درجة عالية من الكفاءة والتدريب للتضحية بحياتهم في سبيل تنفيذ هذه الأعمال. وهذه العوامل مجتمعة تجعل، كما ذكرت، العديد من الافتراضات التي كانت تستخدم في الماضي لتقويم مخاطر الأمن النووي غير صحيحة اليوم. والإرهاب النووي يمكن أن يأخذ أشكالاً عدة. وأكثر السيناريوات خطراً - وإن يكن أيضاً أقلها احتمالاً - هو قيام مجموعة إرهابية بالحصول على سلاح نووي جاهز واستخدامه. وفي حين أن ذلك قد يكون أمراً غير مرجح، نظراً الى تدابير الأمن الصارمة التي تحيط بالأسلحة النووية، إلا أنه لا يمكن استبعاد هذا الاحتمال تماماً. أما السيناريو الثاني فهو أن يقوم إرهابيون بسرقة مواد نووية أو شرائها بطريقة غير مشروعة بكمية تكفي لصنع سلاح نووي. وإذا أخذنا في الحسبان كمية المواد النووية اللازمة لصنع سلاح نووي والضوابط الرقابية القائمة والخبرة التقنية اللازمة فإن احتمال حدوث ذلك هو أيضاً ضئيل - وإن كانت قاعدة بيانات الوكالة الدولية للطاقة الذرية الخاصة بالاتجار غير المشروع في المواد النووية تحتوي على 18 حالة تم ضبطها في السنوات الأخيرة وشملت مواد يمكن استخدامها في صنع الأسلحة النووية كالبلوتونيوم أو اليورانيوم الشديد الإثراء. وعلى رغم أن كميات المواد التي شملتها هذه الحالات هي كميات ضئيلة لا تكفي لصنع سلاح نووي، فان أحداً لا يعرف بالقطع إذا كانت هذه الحالات تمثل الصورة الكاملة لعمليات الاتجار غير المشروع أو أنها مجرد القمة الظاهرة للعيان من جبل جليد طافٍ. وبالإضافة الى ما تقدم هناك سيناريو ثالث قد يؤدي الى أضرار أقل، وإن كان أكثر احتمالاً، وهو استيلاء إرهابيين على مصدر إشعاعي من المصادر المستخدمة في الحياة اليومية - في الطب النووي مثلاً أو التصوير الإشعاعي المستخدم في الصناعة - وتفجيره باستخدام المتفجرات التقليدية لنشر الإشعاع. وعلى رغم أن مثل هذا الفعل لن يسبب على الأرجح إلا ضحايا قلائل فإن أثره النفسي في المجتمع سيكون شديداً بالاضافة إلى ما سيسببه من ذعر بشأن احتمالات آثار مثل هذا الإشعاع على الصحة والبيئة في المستقبل. وحتى أحداث سبتمبر الماضي كان تركيز المجتمع الدولي انصبّ على الحد من انتشار الأسلحة النووية من جانب الدول من دون اتخاذ اجراءات مماثلة للوقاية من خطر الارهاب النووي. وبالنظر الى الأحداث الأخيرة التي أظهرت الفجوة المتزايدة بين الخطر وقدراتنا على التصدي له، فإنه بات من الضروري أن يبدأ المجتمع الدولي العمل فوراً لاتخاذ الإجراءات الوقائية للحيلولة دون حدوث السيناريوات المشار اليها آنفاً - وفي هذا الصدد فإن الدول التي تمتلك أسلحة نووية عليها مسؤولية خاصة في أن تتخذ أقصى قدر من الإجراءات الوقائية ضد أي أعمال تخريبية تستهدف مرافقها النووية العسكرية وكذلك في التأكد من أن كافة إجراءات الأمان الفاعلة والتي من شأنها أن تبطل امكان استعمال هذه الأسلحة إذا سُرقت أو إذا جرى الحصول عليها بطريقة غير مشروعة مطبقة على أسلحتها النووية. وبصفة عامة فإن هناك مسؤولية على الدول كافة في التأكد من أن أمن المرافق النووية والمواد النووية والمصادر المشعة صارم ومتوائم مع الأخطار المحتملة. ويتطلب ذلك نظماً وطنية ذات كفاءة عالية للحصر والمراقبة وآليات فعالة للحماية المادية ومراقبة معززة على الحدود وقدرة على الاستجابة بسرعة لحالات الطوارئ الاشعاعية. ويمثل الارهاب النووي تحدياً دولياً يتطلب بدوره إجراءات دولية. فلن يفيد الأمن النووي في بلد من البلدان مهما بلغ مداه في منع الإرهابيين من الحصول بطريقة غير مشروعة على مواد نووية في بلد مجاور فقير، ففي نهاية الأمر فإن قوة أي سلسلة تقاس بقوة أضعف حلقاتها. وفي حين أن لبعض الدول أن تفخر - وبحق - ببرامجها الوطنية الخاصة بالأمن النووي، إلا أن الحقيقة على المستوى الدولي تثير القلق. فأمن المواد والمرافق النووية يتفاوت تفاوتاً كبيراً من بلد الى بلد وخصوصاً الرقابة على المصادر المشعة - ويرجع ذلك في معظم الأمر الى قلة الموارد المادية للدول النامية. ومن هذه الزاوية ينبغي للتفكير التقليدي - وهو أن الأمن النووي هو في المقام الأول مسؤولية وطنية - أن يفسح الطريق أمام حقيقة جديدة وهي أن التعاون الدولي هو أمر أساسي وضروري لتحقيق الأمن النووي العالمي. واذا كان المجتمع الدولي قد اتخذ اجراءات عدة اخيراً للتصدي لمشكلة الأمن النووي، وذلك من خلال الوكالة الدولية للطاقة الذرية ومن خلال المساعدة الثنائية، عندما بدأت ظاهرة الاتجار غير المشروع في المواد النووية والمصادر المشعة في الزيادة بطريقة حادة منذ تفكك الاتحاد السوفياتي، فإن أحداث 11 أيلول سبتمبر أكدت أن الأمر يحتاج الى أكثر مما تم بكثير. واذا كان المجتمع الدولي قد نجح في تحقيق تقدم ملموس نحو الحد من انتشار الأسلحة النووية على مستوى الدول عن طريق العديد من الاتفاقيات وغيرها من اجراءات التعاون والرقابة الدولية، فإننا نحتاج الى اجراءات مماثلة بالنسبة للأمن النووي. وقد قدمت الوكالة الدولية للطاقة الذرية الى مجلس محافظيها في الشهر الماضي تقريراً يتضمن إجراءات واقتراحات عملية لمكافحة الإرهاب النووي بدأ بتقوية الاتفاقيات الدولية الخاصة بحماية المرافق والمواد النووية ومروراً بتقديم المعونة التقنية والخبرات اللازمة لرفع مستوى الأمن النووي في كافة الدول. وقد حظي التقرير بالقبول على نطاق واسع من جانب الدول الأعضاء في الوكالة، كما بدأ فعلاً بعض الحكومات والمنظمات غير الحكومية بتوفير التمويل اللازم. ومع توافر هذه الموارد على مدى الشهور القليلة المقبلة، سنبدأ في وضع تدابير الأمن النووي هذه موضع التنفيذ، بدءا بأكثر الاحتياجات إلحاحاً وبعد تقويم كامل لأمن المواد والمرافق النووية في البلدان كافة. في أي حال، ليس القطاع النووي أكثر قطاعات المجتمع الحديث تعرضاً لخطر الارهاب. ولكن كما في قطاعات أخرى عديدة فقد أصبحت جوانب الخطر فيه أكثر وضوحاً بعد أحداث 11 سبتمبر وبالتالي لا بد من التصدي لها بفعالية. واذا كان للأبعاد الجديدة للتهديدات الإرهابية أن تثير قلقنا فانه لا ينبغي لها في نفس الوقت أن تصبح سببا للذعر أو أن تؤدي الى تغيير أنماط حياتنا كما نعرفها. فالخبراء النوويون في مختلف أنحاء العالم يركزون في الوقت الحالي على اتخاذ التدابير الوقائية اللازمة. ومع أننا لا نتوقع بالطبع القضاء على كل المخاطر، فإن واجبنا نحو الإنسانية بكل تأكيد هو تقليص هذه المخاطر الى أدنى حد ممكن. * المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية.