سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
100 ألف رجل أمن يؤمنون حماية الضيف الكبير ... وفضيحة اليتيمتين أظهرت تعسف الشرطة في نيودلهي . القناصة والأفيال في انتظار الرئيس الباكستاني ... وعاملة التنظيف صارت نجمة تلفزيونية في "سي ان ان"
اليوم يعود الى داره القديمة. يقول بألم: "لدي ذكريات غامضة للغاية. المدخل كان كبيراً. بخلاف ذلك لا يحضرني شيء في الذاكرة". الأفيال والخيول المطهمة تنتظر الزائر الكبير. الهند بأكملها تنتظره لتحتفل به، لكن لا شيء يوازي حجم التأثر الذي تحمله الى القلب العودة الى مراتع الطفولة التي أبعدت قسراً الى الذاكرة. عام 1947 أعلن تقسيم الهندوباكستان. كثيرون طردوا من هذا الجانب أو ذاك. التقسيم سبقته حوادث شغب وقتل جماعي تغذت على الأحقاد الطائفية بين المسلمين والهندوس. برويز مشرف كان عمره أربع سنوات. يقول: "أتذكر رحلتنا من الهند. وما أذكره خصوصاً هو أن والدي، الذي كان يعمل في وزارة الخارجية، حمل معه 600 ألف روبيه في ذلك الوقت ووضعها في علبة كان يحرسها طوال الوقت في القطار. كان يتوسدها في نومه ويجلس عليها، ولا يبعد عنها". الطفل المولود في نيودلهي كبر. انضم الى الجيش الباكستاني وحارب ضد الجيش الهندي عامي 1965 و1971. قاد معارك كارجيل قبل عامين ضد الهند. خدمته كضابط جعلته يقود لمدة سنة قوة باكستانية متمركزة في كشمير على خط التماس، قبالة القوات الهندية، في موقع يرتفع 8300 متر. ذكرياته المؤلمة تعوده تكراراً: "أذكر وقت التقسيم. وأذكر العنف والدوريات التي كان المسلمون يسيرونها في المناطق التي يقطنها المسلمون. كنا نعرف أن الهجمات التي تستهدفنا تأتي من الجانب الهندوسي. وأذكر بكل بوضوح كيف كانت الشرطة تحمي منطقتنا". يعترف من دون مواربة: "هذه الذكريات أثرت على ذهني بسبب العنف الذي حصل وقتل المسلمين الذي ارتُكب، والمعاناة المزرية التي تعرض لها الأشخاص الذين رحلوا الى باكستان من دون مأوى يلجأون اليه. لذا حاربت وفي شكل مباشر". اليوم تفتح نيودلهي أبوابها وحاراتها الاسلامية القديمة التي بناها حكامها السابقون المغول لاستقبال قائد الأركان الذي ارتدى بذة الرئيس المدنية وأتى من اسلام اباد ليحدثها عن السلام وخسارة "الفرص الضائعة". على مدى الأسابيع الماضية انكب رجال الأمن على العمل. الاجراءات الأمنية التي فرضت شديدة للغاية وحالة الاستنفار اعلنت في صفوف 100 ألف رجل أمن وميليشيا محلية في نيودلهي بينهم 56 ألف رجل شرطة. مئات من قوات القناصة ووحدات الكوماندوس انتشروا فوق سطوح المباني التي سيمر بها موكب الرئيس الباكستاني والوفد المرافق له. "حَوَلي" بالهندية تعني الدار الوسعة أو القصر الذي تتوسطه باحات وصيوان. الحَوَلي الذي شهد فيه مشرف النور، مساحته 2600 متر مربع. بناه قبل ثلاثة قرون وزير في بلاط آخر الأباطرة المغول. اشتراه جد مشرف حين كان الحاكم المفوض لاقليم البنجاب. بعد وفاته قُسِّم على ابنائه وبناته وبينهم أمينة التي انجبت ولدىن احدهما سيد الذي كان المدير العام للامدادات المدنية في نيودلهي، والذي أنجب الرئيس الحالي لباكستان. الشرطة في نيودلهي واجهزة الأمن بحثت بدقة عن مكان المنزل والشارع الذي ولد فيه مشرف والذي يسكنه اليوم فقراء واجراء دقيقو الحال. رجال الاستخبارات دققوا في ملفات جميع السكان وأصحاب المحلات ونزلاء الفنادق وأقفلوا المنطقة منذ يوم أمس، ونشروا القناصة على سطوح كل المباني وفي كل الزوايا. أيضاً نظفوا الأحياء المحيطة، وهدموا كل بناء كان يعيق السير. لكن تفاني الشرطة عندما تفرض قانونها يجر عليها المتاعب والفضائح. بين الدور التي هدمت غرفة ليتيمين مات والدهما قبل سنوات وتركهما بدون معيل، الكبرى سنها 18 عاماً والصغير 11 عاماً. الهدم تم بسرعة بدون انذار ولا مقدمات بدعوى ان الغرفة تطل على الشارع وتشكل خطراً على سلامة الموكب الرئاسي. ووجد اليتيمان نفسيهما في العراء وأمتعتهما مرمية على قارعة الطريق. الفضيحة وصلت الى أسماع السياسيين ورفعت بسرعة الى المحكمة الفيديرالية العليا. صدر الحكم أمس لصالح اليتيمين وتعهد السياسيون إعادة بناء غرفتهما. الاهتمام بأحياء دلهي القديمة أثار موجة اهتمام من الصحافة المحلية والدولية. سكان الحَوَلي التي باعتها عائلة مشرف قبل رحيلها قرروا الاحتفال بقدوم ابن الحي العائد. احدهم أنفق 11 ألف دولار على تجديد الموضع وإعداد موكب الأفيال والخيول، وهذا مبلغ ضخم في الهند. نحو 60 شخصاً من المقيمين قرروا اقامة حفلة غداء نباتي لمشرف وعقيلته، لكن الشرطة طلبت منهم الاكتفاء بارسال موفد واحد عنهم لالقاء التحية على الرئيس الباكستاني حين قدومه، وربما أيضاً اعطاؤه نسخة من وثيقة بيع الحَوَلي التي وقعها جده بالأوردو. القنوات التلفزيونية والصحف الهندية استجوبت السكان في دار مشرف القديمة بما فيها عاملة التنظيف. "سي ان ان" فعلت الأمر نفسه. مشرف في الهند، حيث يحب الناس نجوم السينما ويقيمون لهم تماثيل يقدمون لها القرابين في المعابد، بات اليوم نجماً مشهوراً. احدى الصحف المحلية قالت ان مشرف ينافس كلينتون ويتفوق عليه في قدرته على استمالة المواطنين الهنود، أكثر مما فعل الرئيس الأميركي السابق حينما أتى قبل عام ونصف عام... عودة مشرف الى نيودلهي بعد ظهر اليوم، وبعد غياب استمر 54 عاماً، حافلة بمعاني. لكن هناك أيضاً ملايين الباكستانيين والهنود الذين يودون العودة الى مراتع طفولتهم، وتحرمهم ذلك اجراءات معقدة ومهينة في كلا البلدين. فرحة اليوم تبقى صغيرة أمام آلام هؤلاء المحرومين من تحقيق حلم يسكن أعماقهم ولا يعترف بهم السياسيون الا حين يخدم ذلك مصالحهم الآنية.