كلام بيل كلينتون على التلفزيون الإسرائيلي دعماً لرئيس الوزراء ايهود باراك معروف، فلا أزيد اليوم سوى أن الرئيس الأميركي لم يُسأل عن نقل السفارة الأميركية الى القدس، وانما سُئل عن العلاقات بين اسرائيل والولاياتالمتحدة، فقال انها قوية جداً، ثم زاد من عنده الكلام عن السفارة. كلينتون ذكّر من كان ناسياً من العرب والمسلمين ان العدو الحقيقي هو الولاياتالمتحدة، فهي التي تحاول من طريق اسرائيل فرض هيمنتها السياسية والاقتصادية والعسكرية على الشرق الأوسط. والرئيس الأميركي دافع عن باراك فقال إنه لم يعرِّض مصالح اسرائيل الأساسية للخطر، وزاد انه يريد تطوير العلاقة الاستراتيجية مع اسرائيل، وانه في حال السلام فهو يريد أن تحصل اسرائيل على أكبر مساعدة ممكنة. وهو في الوقت نفسه هدد الرئيس عرفات أنه إذا أعلنت الدولة الفلسطينية المستقلة من طرف واحد فسيعيد النظر في مجمل العلاقات الأميركية مع الفلسطينيين، بما في ذلك المساعدات، وسيدرس جدياً نقل السفارة الى القدس، وحذر تكراراً من أن اعلان الدولة من طرف واحد "خطأ كبير". وهكذا، فكلينتون يدافع عن باراك ويعد اسرائيل بكل شيء، ثم يهدد الفلسطينيين، والسبب على حد قوله هو أنه يريد السلام في الشرق الأوسط، وهو مستعد "أن يفعل أي شيء، وأن يذهب الى أي مكان"، ما يمكن تفسيره على أنه يتحدث عن قمة جديدة. ومع الوقاحة الظاهرة، في هذا الكلام، فإن منتهى الوقاحة والاعتداء على التاريخ، والكذب السفيه الصفيق، كان حديثه عن التعويض على اللاجئين اليهود من الدول العربية الى اسرائيل، في مقابل التعويض على اللاجئين الفلسطينيين. هذا يطري موقف شاس من باراك. اليهود في الدول العربية لم يطردوا، مع ان هذا ما زعم يهود العالم باستمرار، والثابت تاريخياً أن المنظمات الصهيونية نظمت تفجيرات في العراق، لحمل اليهود العراقيين على الهجرة. أما ان اليهود كانوا مضطهدين في هذا البلد أو ذاك، فهو صحيح، الا أن شعوب المنطقة كلها مضطهدة، بما في ذلك اليهود، ولم يضطهد اليهود وحدهم، وانما اضطهدت الغالبية مع الأقلية حتى يومنا هذا في بعض الدول. مع ذلك كلينتون الذي أخذ اسم أحد أزواج أمه، مع أنه كان يفترض أن يكون اسمه بيل بلايث، يقول ان موقفه من القدس واليهود رغبته في السلام، وليس "زنى" سياسياً. لن أعطي رأيي الشخصي هنا، وإنما أكتفي بما سجلت "نيويورك تايمز" السبت، فهي بسبب فارق الوقت استطاعت أن تحلل مقابلة كلينتون، وربطتها بحملة هيلاري كلينتون لمقعد في مجلس الشيوخ عن ولاية نيويورك. هذه الحملة تعرضت لنكسة في الأيام الأخيرة بعد أن زعم جيري أوبنهايمر في كتابه "حالة الاتحاد" والعنوان منتحل من الخطاب السنوي الذي يلقيه الرئيس في الكونغرس ويعرض فيه أوضاع البلاد ان هيلاري كلينتون قبل 26 سنة ثارت على بول فراي، مدير الحملة الانتخابية لزوجها الذي رشح نفسه لمقعد في مجلس النواب سنة 1974، وقالت له "أيها اليهودي ابن الزنا...". والنقاط تشير الى كلمة لا تصلح للنشر. هل حدث هذا؟ أراه مستحيلاً أولاً لأن فراي ليس يهودياً، وثانياً لأن تلك الحملة الفاشلة ترددت في كتب ومقابلات عدة، وسئل فراي عنها ألف مرة، ومع ذلك لم ترد الاهانة العنصرية هنا الا بعد 26 سنة، وخلال حملة هيلاري في نيويورك، وأصبح فراي وزوجته يقسمان على صحتها. هيلاري وبيل يستحقان ما يصيبهما من اليهود، أو من أوبنهايمر على وجه التحديد، فهما يكذبان كل يوم، ولا بأس أن يأتي من يكذب عليهما. وكانت هيلاري تحدثت يوماً عن حق الفلسطينيين في وطن لهم، وهو موقف ليس نادراً أو مهماً، طالما ان هدف المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية انشاء دولة فلسطينية، إلا أنها رشحت نفسها بعد ذلك عن نيويورك، وأصبحت تعتذر عن تصريحها السابق كل يوم. وهي أعلنت قبل أيام انها تؤيد بقاء القدس عاصمة اسرائيل الموحدة الى الأبد، وفعلت ذلك فيما كان باراك نفسه يفاوض أبو عمار على تقسيم المدينة. كلينتون كذاب محترف، حتى لا نقول منحرف، وزوجته مثله، ولكن أخلاقهما لا تعنينا إلا بقدر ما تؤثر السياسة الأميركية في المصالح العربية. والموقف الأخير لكلينتون يتجاوز الاهانة للرئيس الفلسطيني والقادة العرب كلهم في حديثه عن التعويض على اللاجئين اليهود ونقل السفارة ليهين 2،1 بليون مسلم. وهو يفعل لأنه لا يشعر بتهديد من 2،1 بليون مسلم، بل يخاف تهديد 16 مليون يهودي حول العالم لذلك يكذب عليهم وباسمهم. عندما رفض أبو عمار التنازل عن شيء في القدس خلال قمة كامب ديفيد وبَّخه كلينتون، وقال له انه يضحي بمصالح شعبه من أجل حفنة من الارهابيين المسلمين في أفغانستان. اليوم الرئيس الأميركي هدد الفلسطينيين والعرب والمسلمين. وأذكر أنه عندما فاز بنيامين نتانياهو برئاسة الوزارة الإسرائيلية عقد العرب قمة للرد على تهديد وجوده. والمطلوب اليوم قمة عربية وإسلامية موضوعها القدس، تهدد فيها قيادات المسلمين الرئيس الأميركي كما هدد، وتحدد الخطوات التي ستتخذها ضد المصالح الأميركية، كما حدد هو الخطوات التي سيتخذها ضد الفلسطينيين. وأكتب المطلوب مع ادراكي التام أنه لن يحدث، فقد أصبح الرئيس الأميركي يقرر لنا هل نعقد قمة أو لا نعقد، وفي فمي ماء.