أمير منطقة الجوف يختتم زياراته التفقدية لمحافظات ومراكز المنطقة    مهرجان المانجو والفواكه الاستوائية في صبيا يشهد إقبالًا استثنائيًا في يومه الثاني    أمطار ورياح نشطة على عدة اجزاء من مناطق المملكة    الإعلان عن أندية الدرجة الأولى الحاصلة على الرخصة المحلية    إدارة نادي الخليج تستقبل وفد اللجنة الأولمبية والبارالمبية السعودية    الفريق الفتحاوي يرفع درجة الجاهزية.. و"قوميز": مباراة الوحدة موسمٌ كامل في 90 دقيقة    اليمن.. أزمة سببها الحوثي    أوامر ملكية: تغييرات في إمارات المناطق وتعيينات قيادية رفيعة    أولوية وطنية.. نقلة نوعية في مصادر الطاقة    مؤتمر الاتصال الرقمي: القيمة والتفاعل    إلغاء دور الإعلام الفلسطيني كناقل أمين للواقع على الأرض    الرواية والسينما وتشكيل الهوية البصرية    قيمة المثقف    الرياح الأربع وأحلام اليقظة    الحج لله.. والسلامة للجميع    اضطرابات نفسية.. خطر صادم    مرضى الكلى.. والحج    الأهلي.. قصيدة الكرة السعودية!    ترامب يدعو إلى وقف إطلاق نار "غير مشروط" بين روسيا وأوكرانيا لمدة 30 يوماً    تشيلسي يهزم يوجوردينس السويدي ويبلغ نهائي دوري المؤتمر الأوروبي    الزمالك يطالب بحسم أزمة مباراة قمة الدوري المصري قبل مواجهة بيراميدز    العدالة يبدأ استعداداته لمواجهة نيوم في دوري يلو    بمشاركة (90) لاعباً .. اختتام تجارب أداء لاعبي كرة قدم الصالات    بتكوين ترتفع إلى 102385 دولاراً    تطوير قطاع الرعاية الجلدية وتوفير أنظمة دعم للمرضى    الحجيج والهجيج    إحباط تهريب (43) كيلوجرامًا من مادة الحشيش المخدر بجازان    الأمير محمد بن عبدالعزيز يرفع الشكر للقيادة بمناسبة تعيينه أميرًا لمنطقة جازان    الهلال الأحمر يُفعّل اليوم العالمي للهلال الأحمر تحت شعار "الإنسانية تجمعنا"    جامعة أمِّ القُرى تنظِّم الملتقى العلمي الرَّابع لطلبة المنح الدِّراسيَّة    رئاسة الشؤون الدينية تدشن أكثر من 20 مبادرة إثرائية    الربيعة يطمئن على صحة التوأم الملتصق الصومالي "رحمة ورملا"    اللغة تسهل اجراءات مبادرة طريق مكة في إسلام آباد    جائزة البابطين للإبداع في خدمة اللغة العربية لمجمع الملك سلمان العالمي    جامعة نايف للعلوم الأمنية تنال اعتمادا دوليا لكافة برامجها    تعليم جازان ينظم لقاءً تربويًا بعنوان رحلة التحول في منظومة حوكمة إدارات ومكاتب التعليم لمديري ومديرات المدارس    ريم العبلي وزيرة في المانيا حظيت باهتمام الناشطين العرب عبر وسائل التواصل الاجتماعي؟    قمة بغداد: نحو نهج عربي جديد    إنجازان جديدان لجامعة إماراتية التنبؤ بالجلطات الدموية والعزل بمخلفات النخيل    الزهراني يحتفل بزواج ابنه أنس    "النقل" تمهل ملاك القوارب المهملة شهرًا لمراجعتها    أخبار وأسواق    ضبط (4) مقيمين لارتكابهم مخالفة تجريف التربة    90 مليار دولار إسهام "الطيران" في الاقتصاد السعودي    نُذر حرب شاملة.. ودعوات دولية للتهدئة.. تصعيد خطير بين الهند وباكستان يهدد ب«كارثة نووية»    15 مليون دولار مكافأة لتفكيك شبكات المليشيا.. ضربات إسرائيل الجوية تعمق أزمة الحوثيين    تصاعد وتيرة التصعيد العسكري.. الجيش السوداني يحبط هجوماً على أكبر قاعدة بحرية    إنفاذًا لتوجيهات خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي العهد.. وصول التوأم الملتصق الصومالي "رحمة ورملا" إلى الرياض    الرُّؤى والمتشهُّون    ألم الفقد    استخدام الأطفال المصاعد بمفردهم.. خطر    أحمد الديين الشيوعي الأخير    الأميرة دعاء نموذج لتفعيل اليوم العالمي للأسرة    الموافقة على استحداث عدد من البرامج الاكاديمية الجديدة بالجامعة    أمير تبوك يرعى حفل تخريج طلاب وطالبات جامعة فهد بن سلطان    المرأة السعودية تشارك في خدمة المستفيدين من مبادرة طريق مكة    الرياض تستضيف النسخة الأولى من منتدى حوار المدن العربية الأوروبية    رشيد حميد راعي هلا وألفين تحية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الخرائط الاسرائيلية تكشف عن 70 ألف لغم ومصادر "الطوارئ" تقدر عددها ب130 ألفاً - 83 مدنياً ضحايا الألغام والأجسام المشبوهة منذ انسحاب اسرائيل من جنوب لبنان امكانات الجيش محدودة و"حزب الله" مستعد للتعاون ... وثمة من يسرق لافتات التحذير
نشر في الحياة يوم 13 - 12 - 2000

تشير الدراسات التي قدمت الى المؤتمر العربي عن مخاطر الألغام والوقاية منها، الذي عقد في لبنان في شباط فبراير 1999، الى ان الأردن يعاني مشكلة الألغام على طوال الواجهتين الشمالية والغربية للمملكة، وهما حقول زرعتها القوات الإسرائيلية والقوات المسلحة الأردنية، وعددها 303431 لغماً. في حين بلغ مجموع الاصابات الى حينه أكثر من 400 شخص، بينهم 221 عسكرياً.
وتسببت الألغام بقتل نحو مليون شخص في العراق أو اعاقتهم، وتولت منظمات انسانية تعطيل آلاف منها. ويبلغ عدد الألغام في مصر 22 مليوناً، أي ما يعادل 22 في المئة من عدد الألغام الإجمالي في العالم، وتتوزع ما بين شبه جزيرة سيناء نتيجة الصراع العربي - الإسرائيلي والصحراء الغربية من مخلفات الحرب العالمية الثانية. وأدت الألغام الى مقتل 696 مدنياً وعسكرياً واصابة 7617 بجروح.
ويبلغ عدد الألغام المزروعة في الجزائر 374 ألفاً موزعة على مسافة 1600 كلم مربع، ونتج عن وجودها ثلاثة آلاف اصابة. ويقدر عدد الألغام في اليمن بنحو مليون ونصف المليون، في 11 محافظة من أصل 20 وتتسبب بسقوط 15 ضحية شهرياً، ما بين قتيل وجريح. وتشير تقديرات المنظمات الدولية في السودان الى وجود أكثر من مليوني لغم على مساحة تفوق عشرة ملايين هكتار. وتجاور عدد الاصابات التي تم احصاؤها 700 ألف بين قتيل وجريح.
ولا تزال الألغام في ليبيا من مخلفات الحرب العالمية الثانية تؤدي الى اصابات خصوصاً في المناطق الجنوبية للصحراء، وفي جوار بنغازي. أما في الصومال فيقدر عدد الألغام ما بين 2،1 و5،1 مليون، من مخلفات الحرب مع أثيوبيا والحرب الأهلية.
أما في لبنان فان المصادر العسكرية تفيد عن وجود أكثر من مئة ألف لغم في منطقة الجنوب وحدها نتيجة الاحتلال الاسرائيلي، علماً ان باقي المناطق خصوصاً في البقاع وجبل لبنان تعاني مشكلة الألغام من مخلفات الحرب الداخلية التي امتدت 15 عاماً. والأجسام المشبوهة والقذائف غير المنفجرة التي كانت تلقيها الطائرات الحربية الاسرائيلية اثناء اغارتها على الأراضي اللبنانية. وتشير الاحصاءات المتوافرة حتى كانون الأول ديسمبر 1999 الى وقوع 854 قتيلاً و1148 جريحاً في بيروت والجنوب والنبطية وجبل لبنان والبقاع. وتفيد احصاءات اعدت عن ضحايا الألغام بتاريخ 23 أيار مايو 2000 الانسحاب الاسرائيلي من الجنوب حصل في 24 منه الى وقوع 83 اصابة بينها عشرة قتلى، حتى تاريخ 6 كانون الأول ديسمبر الجاري. وحتى نشر هذا التحقيق وقعت اصابتان جديدتان في الجنوب ايضاً.
أكثر ما يثير استغراب ممثل منظمة "يونيسيف" في لبنان أكرم بيرردنش، طلب رجل في احدى قرى الجنوب اللبناني التي انسحبت منها قوات الاحتلال الإسرائيلي، من ولديه اللذين كانا في رفقته على طرق القرية، القفز وراء شريط شائك سيج أرضاً زراعية في موازاة الطريق العامة، لالتقاط صورة تذكارية لهما قرب لوحة حمراء تتوسط الشريط، كتب عليها "احذر الغام"... وكانت عاقبة فعلته ان انفجر لغم بولديه واصابهما بجروح بليغة.
يقول بيرردنش "ان الناس يقدمون مبررات لافعالهم في سهولة. فهذا الأب الذي كان خضع لدورة توعية أقيمت في القرية على مخاطر الألغام، ظن انها لن تكون قريبة الى هذا الحد من الشريط، فسمح لولديه بالقفز خلفه تماماً".
فالجنوبيون، بحسب بيرردنش، تعايشوا مع فكرة وجود الغام في أراضيهم، وان كانوا يعرفون خطورتها، لا يدركون العواقب. ويقول "انه أمر لا يصدق، تقول للناس ان هذه البقعة ملغمة، فيردون انهم يعرفون، لكن أحدهم سلكها، أمس، ولم يحصل له شيء. تقول لهم: امشوا على الطريق المعبدة، فيردون بأن الطريق التراب أقرب للوصول الى مقصدهم. وحين نجتمع مع الأهالي ونسألهم عن مطالبهم، يعدّدون كل شيء، ما عدا ما هو متعلق بتخليصهم من الألغام. وحين نسألهم يقولون انها هناك طوال الوقت: ما نحتاج اليه هو المدارس والماء والكهرباء والمستشفى... ولا يعلمون ان أراضيهم المزروعة بالألغام تشكل عائقاً أمام أي مشروع بنى تحتية أو مشروع زراعي وانتاجي".
ملغمة ومشبوهة
وتشير دراسة احصائية أعدتها وحدة تعزيز الوقاية من مخاطر الألغام التابعة لكلية الصحة في جامعة البلمند شمال لبنان الى ان ضحايا الألغام في الحوادث التي أعقبت الانسحاب الإسرائيلي في الجنوب كانوا في معظمهم يتجولون في بقع ملغمة أو يلعبون في مناطق مشبوهة أو يعملون في أراضيهم الزراعية أو داخل سياراتهم التي دخلت حقولاً ملغمة أو مشبوهة، وتتفاوت أعمارهم بين خمس سنوات وخمس وسبعين.
وتختلف المسببات بين الغام مضادة للأفراد أو الآليات وقنابل عنقودية وقذائف غير منفجرة، تأخذ أحياناً كثيرة شكل ألعاب ودمى مخصصة للأطفال.
مع الانسحاب الإسرائيلي من الجنوب، وضع الجيش اللبناني - المكتب الوطني لنزع الألغام، خطة لمعالجة مشكلة الألغام، وحدد المشكلة "بوجود حقول ألغام مزروعة وفقاً لخرائط زرع أو من دون خرائط وفي صورة عشوائية على مساحات شاسعة، ووجود ذخائر غير منفجرة وعبوات غير نظامية مفخخة وعدم وجود لوحات ارشادية أو تحذيرية وقائية في الأماكن المشبوهة والمواقع العسكرية المتروكة والتي كانت محتلة واحتمال وجود عدد كبير من الأماكن المشبوهة غير المحددة وعدم وجود وعي كاف ومسؤولية اجتماعية لدى بعض المواطنين لمخاطر الألغام الأرضية والبقع المشبوهة".
وإذا كانت قوات الطوارئ الدولية العاملة في جنوب لبنان تقدر عدد الألغام والعبوات الناسفة والقذائف غير المنفجرة في الجنوب ب130 ألفاً، فإن رئيس المكتب الوطني لنزع الألغام العميد الركن جورج صوايا ورئيس قسم الإعلام في المكتب المقدم تقي الدين التنير يتحفظان عن اطلاق أرقام في شأن العدد، أو حتى المساحات الملغمة أو المشبوهة "لعدم توافر معلومات دقيقة عن الموضوع". ويقول صوايا: "ان عمليات الاحصاء لحقول الألغام تعتمد قاعدة تحديد عدد هذه الحقول والبقع المشبوهة وليس عدد الألغام الموجودة فيها علماً ان غالبية الحقول ليست لها خرائط زرع، ما يجعل المشكلة صعبة ومعقدة وتتطلب جهوداً مضنية ووقتاً ليس بقصير".
وكانت قوات الطوارئ تسلمت من الجيش الإسرائيلي خرائط بحقول الغام زرعها هو و"جيش لبنان الجنوبي" الموالي لإسرائيل في الجنوب، على مدى ربع قرن من احتلاله. وقالت مصادر فريق الخبراء الذي يعمل في الناقورة - مقر قيادة الطوارئ ل"الحياة": "إن الخرائط الاسرائيلية تتضمن معلومات عن 70 ألف لغم في منطقة عمل قوات الطوارئ، ونحن نسعى الى الحصول على معلومات اضافية من الجيش الإسرائيلي، وكما هو معلوم فإن الحصول على معلومات كاملة مئة في المئة صعب جداً، إذ مضى على الأزمة 22 عاماً ضاعت خلالها معلومات كثيرة".
ويشير خبير في فريق العمل كان نفذ مهمات مماثلة في كمبوديا وكوسوفو ورفض ذكر اسمه، الى "ان مهمة الفريق تعطي الأولوية لمناطق تحرك قوات الطوارئ والأمكنة التي تريد التمركز فيها نتلقى بعض الطلبات من القرى، ونحاول التجاوب معها. لكن هذا الأمر ليس في نطاق التفويض المعطى لنا. هناك حالات تحتاج الى الجيش اللبناني".
خرائط خاصة
ويعمل فريق الخبراء الدوليين على وضع خرائط خاصة بقوات الطوارئ من خلال الاستعانة بالخرائط الاسرائيلية التي وصفها أحد الخبراء بأنها "دقيقة حتى الآن"، مشيراً الى "ان التنسيق تام مع الجيش اللبناني الذي يتسلم ما عندنا، فنحن نعمل من أجل لبنان، وما نقوم به نبلغه الى الجيش اللبناني ونشاركه معلوماتنا".
ويقول خبير آخر عمل في المناطق المشبوهة بالألغام في موزامبيق: "ان ما هو متوافر بين أيدينا أفضل من لا شيء، كما هي الحال في تلك الدولة الأفريقية ولكن لا نستطيع أن نميز بين الألغام التي زرعها الجيش الإسرائيلي وقوات "الجنوبي"، أو "قوات ارهابية" كما تدعي الخرائط الإسرائيلية. علينا التحقق من المعلومات، لكن الأمر يسير في بطء شديد. فنحن نعلم ان هناك حقول الغام، ولكن لا نعرف جغرافيتها ولا شكلها ولا حدودها. من السهل زرع الألغام، ولكن من الصعب جداً ازالتها، وأعتقد ان في المنطقة ألغاماً أكثر مما تتضمنه الخرائط الإسرائيلية، ولا نعلم هل يخفي الجيش الإسرائيلي معلومات عنا، خصوصاً اننا نعمل في منطقة على الحدود، أي منطقة عسكرية، علماً ان بعض الخرائط تتحدث، على سبيل المثال، عن ان في الطريق الى المنارة 12 حقلاً للألغام و8479 لغماً مضاداً للأفراد. ولا نعلم ماذا تعني هذه المعلومة بالتحديد، لأننا لا نعرف أي طريق كان الجيش الإسرائيلي سلك الى المنارة".
وإذا كان فريق الخبراء الدوليين لم يتلقَّ أي خريطة عن الغام محتملة من "حزب الله" أو أحزاب أخرى لبنانية وفلسطينية "لأننا لم نسألها عن ذلك"، فإن الحزب يؤكد بلسان عضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب عبدالله قصير "ان المقاومة الإسلامية - الجناح العسكري للحزب لم تكن تمتلك مواقع عسكرية ثابتة تحتاج معها الى زرع حقول الغام لحمايتها، اضافة الى انها لم تكن معنية هي أو أي مسؤول في المقاومة بأمن المنطقة المحررة ومنع التسلل اليها في زمن الاحتلال، حتى تزرع الألغام في الممرات والمعابر المحتملة. وانما كانت المسألة عكسية، أي ان المقاومة كانت تتسلل الى المنطقة المحتلة وتحاول اقتحام المواقع الإسرائيلية".
ويؤكد النائب قصير "ان شباب المقاومة عمدوا، ومنذ الأيام الأولى للتحرير وبكل جهدهم، الى وضع اشارات على حقول ألغام يعرفونها، ومعظمها يحيط بمواقع اسرائيلية سابقة، وبعضها كان يشكل ممرات عبور بين المناطق المحررة وتلك المحتلة. ولم يتابع المقاومون هذا الأمر على اعتبار ان الجيش والقوى الأمنية المشتركة دخلت المنطقة وبات الأمر في عهدتها".
لا تكهن
ويشدد العميد الركن صوايا على ان "من غير الممكن التكهن بموضوع الألغام أو اعتماد الحلول التقريبية. فنحن ننطلق دائماً من المعطيات الأساسية". أما المصادر التي يعتمدها الجيش اللبناني لتحديد حقول الألغام فهي كما عدّدها: "معلومات متوافرة لدى قيادة الجيش ومعلومات نحصل عليها بعد قيام فوج الهندسة بمهمات استطلاع، ومعلومات ترد من المواطنين، ومعلومات من قوات الطوارئ، نجمعها كلها ونقوننها ونحاول التأكد منها من خلال عمليات الاستطلاع".
ويشير العميد الركن صوايا الى "ان الجيش ازال خلال الساعات الأولى للانسحاب الإسرائيلي حقول ألغام كان زرعها لأغراض عسكرية بهدف الحماية، كما عمد الى وضع خطة عمل فورية ضمن خطة متكاملة لإعادة تأهيل المناطق المحررة وإنمائها، وقضت بتنظيف الطرق العامة الرئيسية والكشف على المنازل المنوي سكنها من قبل المواطنين العائدين وتفجير القذائف غير المنفجرة والقنابل العنقودية والأجسام المشبوهة وتنظيف الممرات الإجبارية للمواطنين وتوزيع ملصقات ومنشورات توعية وتحذير واعداد رسائل توعية تبث عبر المحطات التلفزيونية المحلية ووضع اشارات ولوحات تحذيرية وقائية واقامة ندوات توعية للقطاع الأهلي وتلامذة المدارس والجامعات". ويؤكد العميد الركن صوايا والمقدم التنير "ان الجيش يعالج مشكلة الألغام التي خلّفها الاحتلال في المناطق المحررة بعيداً عن الأضواء مع أولوية سلامة المواطنين والحفاظ على حقوقهم".
لكن لفريق الخبراء الدوليين مأخذاً على الجيش اللبناني، ويقول أحد أعضائه: في وقت تقوم وحدات الطوارئ، الأوكرانية والسويدية والفنلندية بعمليات نزع للألغام في مناطق تمركزها، لا يقوم الجيش اللبناني بالمثل حيث ينتشر. وإلا ما تفسير وقوع الضحايا في مناطق انتشاره، وهي ليست حدودية تبعاً لموقف لبنان عدم الانتشار على الحدود مع اسرائيل؟".
ويؤكد العميد الركن صوايا والمقدم تنير ان الجيش اللبناني يعالج موضوع الألغام منذ العام 1967، ويشيران الى ان "امكانات الجيش محدودة قياساً الى حجم المشكلة، ما يتطلب تقديم مساعدات لتطوير مشروع ازالة الألغام من الأراضي اللبنانية، وعلى رغم قلة الامكانات فإن الجيش حقق انجازات مهمة على هذا الصعيد".
ويقول العميد الركن صوايا: "ان قوات الطوارئ تنفذ عمليات نزع الغام في المنطقة المحررة والفريق اللبناني الذي يقوم بهذه المهمة يضم مئة عنصر وخبير متفجرات وألغام فقط. ومهمة الجيش لا تنحصر بالجنوب، إذ لا تزال هناك ألغام في باقي المناطق اللبنانية، وتتطلب عمليات نزع الألغام جهداً كبيراً ووقتاً طويلاً وخصوصاً كشفها".
وتعتمد عملية تنظيف حقول الألغام وسائل عدة، منها استخدام كاشفة الألغام التي ينحصر عملها بالكشف عن المعادن، علماً ان هناك ألغاماً من الخشب والبلاستيك، واستخدام كاسحات الألغام لتفجيرها، ويصعب استعمال هذه الوسيلة بسبب تضاريس الأرض اللبنانية، ما يجعل وسيلة السبر الأكثر فاعلية. ويقول المقدم تنير: "صحيح ان هذه الوسيلة هي الأبطأ والأكثر خطورة للعنصر الأمني، لكنها الأكثر أماناً للمواطنين".
دولارات وكلاب
وكانت وزارة الخارجية الأميركية أعلنت قبل أيام عن مساعدة للبنان، هي عبارة عن فريق من ستة كلاب مدربة على كشف الألغام، الى جانب تخصيصها في وقت سابق مساهمة بقيمة 3،2 مليون دولار مساعدةً انسانية لنزع الألغام. ومن المقرر ان تخضع هذه الكلاب لتدريبات اضافية في لبنان لمعرفة طبيعة الأرض، على ان تباشر عملية تنظيف الألغام في الربيع المقبل. ويشير العميد الركن صوايا الى "ان اعتماد الكلاب المتدربة تتفاوت كلفة تدريبها في بلد المنشأ بين 40 ألف دولار و50 ألفاً من شأنه التخفيف من الأخطار المحدقة بالمنقبين عن الألغام. ويمكن الكلاب ان تساعد في تحديد أطراف حقول الألغام ومن ثم المساهمة في دقة عملية تنظيف الحقل وسرعتها، استناداً الى المقاييس الدولية".
استعداد "حزب الله"
"حزب الله" الذي يقف على مسافة من هذه المشكلة بدا أخيراً جاهزاً للتدخل كما توحي تصريحات بعض مسؤوليه. ويقول النائب قصير: "ان شباب المقاومة على استعداد لتقديم كل معطياتهم وخبراتهم في هذا المجال. والواقع القائم في الجنوب هو أكبر من تنظيم وحزب، وحتى من قدرة الجيش اللبناني نفسه، المقاومة الإسلامية لديها خبراء في موضوع نزع الألغام وكانوا يشاركون في عمليات كشف عن حقول ملغمة وتنظيف الممرات قبل عمليات المقاومة، وأسأل لماذا لا يتم أيضاً طرق أبواب الدول العربية والإسلامية للاستعانة بخبرات جيوشها، خصوصاً تلك التي لديها جيوش كبيرة كمصر وايران وسورية؟".
وكانت الحكومة اللبنانية، وفي ضوء تزايد سقوط الضحايا بالألغام، أعلنت في جلستها الأخيرة انها "تدرس، في عمق، مسألة المخاطر الناجمة عن وجود الألغام والخسائر البشرية التي يتكبدها أبناء المنطقة الجنوبية وستكثف اتصالاتها مع الدول المعنية القادرة على المساعدة"، من دون تقديم تفاصيل اضافية. ويؤكد العميد الركن صوايا استعداد الجيش "لتلقي أي مساعدة ممكنة ضمن هذا الاطار وفق القوانين والأنظمة المرعية الاجراء".
العدو الصامت الخبيث
ويعتقد الاختصاصي في مجال الألغام بطرس حبيقة، وهو أحد أعضاء فريق العمل في الصندوق الدولي للتأهيل الذي يمول دراسة عن المصابين بالألغام في لبنان "ان اللغم عدو صامت وخبيث، وضحيته هي من تدل اليه".
وتشاركه الرأي جنان جمال العاملة في وحدة تعزيز الوقاية من مخاطر الألغام، مشيرة الى "ان لبنان يعاني احتمال وجود الغام أو قنابل عنقودية في كل أراضيه، ولا يمكن تحديد الحقول في شكل دقيق بسبب عوامل جرف التربة في حين ان من الصعوبة، معرفة الحقول المشبوهة بقنابل عنقودية أو دمى وأشياء مفخخة رمتها الطائرات الحربية الإسرائيلية في الشمال والبقاع والجنوب وبالتالي تحديدها بأسلاك شائكة". لذا فإن الأطراف المعنيين بهذه المشكلة يشددون على موضوع حملات التوعية بالتنسيق مع جمعيات أهلية منتشرة في القرى والبلدات.
وإذا كان لبعض الجمعيات انتماء سياسي قد يحول دون وصول رسالة التوعية الى الجميع، فإن الجيش اللبناني كما يقول العميد الركن صوايا وعبر المكتب الوطني لنزع الألغام والمنشأ في العام 1998 "هو المعني الأول بمعالجة مشكلة الألغام عبر مسؤوليته في البرنامج الوطني لنزع الألغام ما يسقط كل التجاذبات السياسية المحتملة في حال وجودها". وفي ضوء الاستنفار الجماعي لمؤسسات محلية حكومية وأهلية ودولية لنشر الوعي، فإن عشرات الآلاف من الملصقات والمنشورات وزعت على المدنيين للتحذير من مخاطر الألغام وانتشرت على طرق الجنوب لافتات حديد ثبتت على الجانبين تدعو المواطنين الى الاتصال بالمكتب الوطني لنزع الألغام التابع للجيش اللبناني للإبلاغ عن أي بقعة أو جسم مشبوه.
وإذا كان المعنيون بالحملة يخضعونها للتقويم لمعرفة مدى وصول رسائلهم الى المجموعات المستهدفة، تبقى ثمة ملاحظات على الوسائل المستخدمة والمكلفة أموالاً طائلة ومنها الاعتماد على وسيلة "القراءة" للافتات التحذيرية والمناشير، علماً ان عدداً لا بأس به من ضحايا الألغام هم من الأميين وفي أكثر الأحيان وصلوا في تعليمهم الى المرحلة الابتدائية او المتوسطة. ثم ان حملات التوعية، كما يقول جمال "تحتاج الى المرونة والى توحيد الرسائل المطلوب ايصالها الى الرأي العام والى الاستمرارية".
ويتلقى المكتب الوطني لنزع الألغام، بإقرار المسؤولين عنه، عشرات الاتصالات يومياً للابلاغ عن اماكن مشبوهة. ولكن تبقى بلاغات لا تصل الى المكتب انما تبقى في نطاق القرى يتناقلها الأهالي، ظناً منهم انهم ما داموا يعرفون فان الجيش لا بد من ان يكون على علم ايضاً، وهو ما حدث في بلدة دبين، في حادث اصابة محمد حجازي والطفلين محمد وعلي سويد. اذ فور حصوله حضر عناصر الجيش الى الحقل المشبوه وباشروا تسييجه عوضاً عن السياج الصدئ والمهترئ الذي كان موجوداً. ولدى سؤال "الحياة" والد الطفلين عن سبب عدم ابلاغه الجيش عن الحقل الذي يجاور منزله، قال انه فعل ولكن لأشخاص غير عسكريين، علماً انه عسكري متقاعد.
ويقول العميد الركن صوايا ان المكتب يرسل فور تلقيه البلاغات "وحدات الهندسة للتأكد من صحتها ويسيج البقع المشبوهة ويضع اشارات التحذير عليها للعمل على تنظيفها لاحقاً وفق جدول الأفضليات. ولكن عندما يقال لنا ان هذه الوادي ملغمة، هل يعني ان علينا أن نسيجها كلها؟ أي نحو مليوني متر مربع على سبيل المثال. العملية تحتاج الى تحديد أبعادها وكلفتها كبيرة جداً".
... من أجل حفنة دولارات
لكن المشكلة التي يواجهها الجميع ان ثمة من "يسرق" الشريط الشائك لاستخدامه في حقله مثلاً أو لبيعه في مقابل بضعة دولارات أو ينزع اللافتات الجديدة لبيعها أو الاحتفاظ بها ل"الذكرى"، معرضاً أولاده وأبناء قريته لأخطار جسيمة، اضافة الى قضائه على جهود مميتة قام بها الخبراء لتحديد الحقول المشبوهة.
وتركز هذه الجمعيات حملاتها في المدارس وضمن حلقات توعية مباشرة، إذ ان المشكلة كما يقول ممثل منظمة "يونيسيف" في لبنان "تحتاج الى عمل فردي لا الى أفلام تحذيرية عبر شاشات التلفزيون لا تزيد مدتها عن ثلاثين ثانية".
ويشير حبيقة الى "ان الصندوق حصل على منحة قبل ثلاث سنوات بقيمة تقارب مليون دولار من الوكالة الأميركية للانماء الدولي لتنفيذ برنامج في لبنان عنوانه "الوقاية من مخاطر الألغام ومعالجة آثارها الاجتماعية". تفيد منها جمعيات عدة، بينها جمعية "جرحى الحرب" التابعة ل"حزب الله". ولكن ليست هناك أموال مخصصة للمصابين بالألغام، علماً ان المصاب هو من أصيب جسدياً وكل أفراد عائلته المتضررين من اصابته".
تورد الدراسات العالمية ان عملية التخلص من مشكلة الألغام، شرط التوقف عن زرعها الآن، تحتاج الى 1100 عام. ما يعني ان مشكلة لبنان لن تحل في المدى المنظور، وسقوط الضحايا لن يتوقف، وان زاد من حذر السواد الأعظم من خطورة الألغام.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.