محمية الإمام تركي تعلن تفريخ 3 من صغار النعام ذو الرقبة الحمراء في شمال المملكة    أمير جازان يُدشّن مهرجان المانجو والفواكه الاستوائية ال20 بمحافظة صبيا    الفيحاء يتجاوز الطائي بهدف في دوري روشن    الرياض يتغلّب على الأهلي بثنائية في دوري روشن    الأهلي يسقط في المدرسة.. الحزم يضرب الوحدة.. الفيحاء يرمي الطائي في الخطر    أرامكو السعودية و«الفيفا» يعلنان شراكة عالمية    نائب أمير الشرقية يستقبل نائب رئيس جمعية «قبس»    النواب اللبناني يمدد ولاية المجالس البلدية والاختيارية    مانشستر سيتي يضرب برايتون برباعية نظيفة    الهجوم على رفح يلوح في الأفق    في ذكرى الرؤية.. المملكة تحتفي بتحقيق العديد من المستهدفات قبل وقتها    الذهب ينخفض مع تراجع الطلب واحتمال ارتفاع أسعار الفائدة    محمد بن ناصر يرعى تخريج طلبة جامعة جازان    وزير الدفاع يرعى حفل تخريج الدفعة ال82 من طلبة كلية الملك عبدالعزيز الحربية    رئيس الشورى يرأس وفد المملكة في مؤتمر البرلمان العربي    الاهلي يسقط امام الرياض بهدفين لهدف    أمير القصيم يثمن دعم القيادة للمشروعات التنموية    حزمة الإنفاق لأوكرانيا تشكل أهمية لمصالح الأمن الأمريكي    سلمان بن سلطان يرأس لجنة الحج والزيارة بالمدينة    جائزة الامير فهد بن سلطان للتفوق العلمي والتميز تواصل استقبال المشاركات    إطلاق برنامج تدريبي لطلبة تعليم الطائف في الاختبار التحصيلي    فيصل بن فرحان يهنئ وزير خارجية اليمن بمناسبة توليه مهمات عمله    فيصل بن بندر يرأس اجتماع المجلس المحلي بمحافظة الخرج    استثمر في عسير ببلديات القطاع الشرقي    «الثقافة» تُعيد افتتاح مركز الملك فهد الثقافي بعد اكتمال عمليات الترميم    مريض سرطان يؤجل «الكيماوي» لاستلام درع تخرجه من أمير الشرقية    "سلطان الطبية" تنفذ دورة لتدريب الجراحين الناشئين على أساسيات الجراحة    تسيير حافلات لدعم الأخضر أمام أوزبكستان    "ذكاء اصطناعي" يرفع دقة الفيديو 8 أضعاف    مستشفى ظهران الجنوب يُنفّذ فعالية "التوعية بالقولون العصبي"    الحوثي يقر باستهداف سفن أمريكية وإسرائيلية.. هيئة بريطانية: انفجار قرب سفينة قبالة عدن    نائب أمير الشرقية يستقبل نائب رئيس مجلس أمناء جمعية قبس للقرآن والسنة    وصول الطائرة الإغاثية السعودية ال 47 لمساعدة أهالي غزة    كاوست ونيوم تكشفان عن أكبر مشروع لإحياء الشعاب المرجانية في العالم    استمرار هطول أمطار رعدية مصحوبة برياح نشطة على المملكة    أمير عسير يعزي الشيخ ابن قحيصان في وفاة والدته    "رسائل الأمل" من أطفال السعودية إلى غزة    "الجمعة".. ذروة استخدام الإنترنت بالمملكة    «النقد الدولي» يدشن مكتبه الإقليمي في السعودية    أدوات الفكر في القرآن    إنشاء مركز لحماية المبلغين والشهود والخبراء والضحايا    فهد بن سلطان يتسلّم شهادة اعتماد تبوك مدينة صحيّة    النفع الصوري    اللي فاهمين الشُّهرة غلط !    مين السبب في الحب ؟!    إجراء أول عملية استبدال ركبة عبر «اليوم الواحد»    رسالة فنية    تحت رعاية الأمير عبد العزيز بن سعود.. قوات أمن المنشآت تحتفي بتخريج 1370 مجنداً    أسرة البخيتان تحتفل بزواج مهدي    انطلاق "التوجيه المهني" للخريجين والخريجات بالطائف    تجهيز السعوديين للجنائز «مجاناً» يعجب معتمري دول العالم    "أم التنانين" يزور نظامنا الشمسي    «سدايا» تطور مهارات قيادات 8 جهات حكومية    مقصد للرحالة والمؤرخين على مرِّ العصور.. سدوس.. علامة تاريخية في جزيرة العرب    بعضها يربك نتائج تحاليل الدم.. مختصون يحذرون من التناول العشوائي للمكملات والفيتامينات    تجاهلت عضة كلب فماتت بعد شهرين    جامعة جازان تحتفي بتخريج 9,597 خريجاً وخريجة    المجمع الفقهي الإسلامي يصدر قرارات وبيانات في عددٍ من القضايا والمستجدات في ختام دورته ال 23 clock-icon الثلاثاء 1445/10/14    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



انتقد موقف العالمين العربي والاسلامي من قضية القدس . باسل عقل : تقصير في العطاء وتقصير في الاداء
نشر في الحياة يوم 23 - 11 - 2000

ألقى السياسي الفلسطيني باسل عقل محاضرة مفصّلة في مؤتمر "الحياة" السنوي السادس المنعقد في عمان بين 20 و22 الجاري قدّم فيها صورة واقعية عن مأزق المسيرة السلمية ومسؤولية اسرائيل عن هذه الأزمة بسبب تعنتها ورفضها الاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني.
ولفت في محاضرته التي تضمنت استعراضاً للمسار التصاعدي الذي قاد الى المواجهات الحالية، إلى أهمية موضوع القدس الشريف كنقطة استقطاب للدعم العربي والاسلامي، مشيراً إلى أن العالم العربي والاسلامي لا يزال مقصّراً عن الاستجابة لنداء الشعب الفلسطينين لاغاثته ونصرته سواء على المستوى المالي أو الدعم السياسي.
وفي ما يأتي نص المحاضرة:
إذا أردنا ان نلخص مواقف الطرفين من كل قضية من القضايا التي بحثت في كامب ديفيد فإننا نلخصها على الوجه التالي، وأنا أنقل من تقرير الأخ أبو مازن الى اجتماع المجلس المركزي يومي 9 و10 ايلول سبتمبر. وما جرى في كامب ديفيد وثيق الصلة بما يجري الآن في فلسطين.
أولاً: الأمن
أ- الموقف الاسرائيلي:
1- السيطرة على أجزاء من وادي الأردن لمدة لا تزيد عن 12 سنة وذلك للابقاء على المستوطنات والقواعد الموجودة هناك.
2- المطالبة بست قواعد عسكرية في الضفة الغربية.
3- المطالبة بثلاث مناطق للرقابة العسكرية اسرائيلية.
4- وجود اسرائيلي على المعابر الدولية لمراقبة القدوم والذهاب.
5- السيطرة على الاجواء فيما يتعلق بالطيران وكذلك على المجال الكهرومغناطسي.
ب - الموقف الفلسطيني:
1- القبول بوجود دولي أو متعدد الجنسيات على الحدود.
2- رفض أي وجود اسرائيلي في الأراضي الفلسطينية.
ثانياً: الحدود
أ - الموقف الاسرائيلي:
1- اقتطاع 15 - 20 في المئة من حدود نهر الأردن والبحر الميت.
2- ضم 10.5 في المئة من أراضي الضفة الغربية.
ب - الموقف الفلسطيني:
1- رفض الاقتطاع نهائياً.
2- تعديلات على الحدود طفيفة ومتبادلة بالقيمة والمثل وذلك بما لا يتعدى 2 في المئة.
ثالثاً: اللاجئون
أ - الموقف الاسرائيلي:
1- التعويض على اللاجئين.
2- انشاء صندوق دولي لهذا الغرض وتشارك فيه اسرائيل كأية دولة اخرى.
3- المطالبة بالتعويض من هذا الصندوق على اليهود الذين قدموا من البلاد العربية.
4- السماح بعودة مئات الافراد من اللاجئين تحت عنوان "جمع شمل العائلات، أو لأسباب انسانية".
ب - الموقف الفلسطيني:
1- تتحمل اسرائيل مسؤولية أدبية وقانونية عن مأساة اللاجئين.
2- لا بد من ضمان حق العودة لكل من يرغب في ذلك القرار 194 والعودة تعني... الى اسرائيل.
3- التعويض على من يرغب بالعودة بسبب استعمال أو استهلاك أمواله، والتعويض على من لا يرغب عن قيمة املاكه وأمواله ومعاناتهم.
4- المسؤول عن دفع هذه التعويضات هو "صندوق أموال الغائبين الاسرائيلي" الذي أنشئ لإدارة أموال الفلسطينيين اللاجئين عام 1949.
5- دفع التعويضات عن الأملاك العامة الفلسطينية مدارس، مستشفيات، جمعيات، أماكن عبادة، مؤسسات عامة.
6- دفع تعويضات للدول المضيفة للاجئين بسبب الاعباء التي تحملتها اكثر من نصف قرن.
7- يمكن انشاء صندوق دولي يتحمل جزءاً من التعويضات.
8- رفض الخلط بين مشكلة اللاجئين الفلسطينيين والمهاجرين اليهود من البلاد العربية. باعتبار ان قضية المهاجرين اليهود واذا وجدت لها أية ذيول أو نتائج فإنها قضية ثنائية بين اسرائيل وكل دولة عربية على حدة.
رابعاً: القدس
القدس الشرقية التي احتلت عام 1967 تتألف من قسمين قسم داخل السور بما فيه الحرم القدسي الشريف وكنيسة القيامة وأحياء اسلامية ومسيحية وأرمنية، وقسم خارج السور ويتألف من مجموعة أحياء مثل الشيخ جراح، المصرارة، باب العامود، شارع صلاح الدين وغيرها.
أ - الموقف الاسرائيلي:
قسم الاسرائيليون هذه "القدس" الى أقسام عدة وأعطوا لكل قسم صفة قانونية مختلفة.
1- القدس داخل السور:
الحرم الشريف: السيادة لاسرائيل وللفلسطينيين الرعاية عليه فقط.
الاحياء الاسلامية والمسيحية والحي الأرمني: سيادة اسرائيلية.
مجمع للرئاسة داخل الحي الاسلامي يتمتع بالسيادة الفلسطينية.
2- المدينة خارج السور:
سيادة اسرائيلية مع صلاحيات بلدية تمارسها بلدية "أبو ديس" على هذه الاحياء.
قرى محيطة بالقدس معظمها منطقة ب الآن عليها سيادة فلسطينية ما عدا اثنتين منها.
للاسرائيليين طريق يربط المناطق التي لهم سيادة عليها عبر قرى القدس.
للفلسطينيين طريق يصل الى الحرم فقط ويأتي من الخارج.
ب - الموقف الفلسطيني:
القدس الشرقية تعود جميعها الى السيادة الفلسطينية.
الحي اليهودي وحائط المبكى سلطة اسرائيلية وليس سيادة.
مدينة مفتوحة وتعاون على مستوى الخدمات البلدية.
هذا هو اجمالنا لنتائج مفاوضات قمة كامب ديفيد، الا ان للاسرائيليين اجمالاً آخر جاء نتيجة لمفاوضات محلية جرت بين جلعاد شير والدكتور عريقات، حيث قدم الأول النتائج التالية التي تعتبر وجهة نظر اسرائيل وموقفها.
المطلوب من الحدود الغربية 10.5 في المئة ولا تقبل اسرائيل فكرة التبادل.
مطلوب خمسة مواقع مراقبة وقطاعات طوارئ لإنزال القوات العسكرية الاسرائيلية مع ثلاث طرق موصلة اليها.
ثلاث محطات انذار مبكر بإدارة اسرائيليين وبوجود ضابط ارتباط فلسطيني.
سيطرة اسرائيلية على 8 في المئة من مناطق الغور لمدة بين 12 - 15 سنة.
15 في المئة من نهر الأردن للسيادة الاسرائيلية و15 في المئة من البحر الميت ايضاً.
الاجواء بكل ما فيها تحت سيادة فلسطينية وسيطرة اسرائيلية تامة وبنظام تحكم تديره اسرائيل.
لا لممارسة حق العودة للاجئين الى أرض اسرائيل، ويمكن القبول بجمع شمل العائلات 10 آلاف لمدة 15 سنة.
مطلوب انهاء الصراع.
الدولة الفلسطينية منزوعة السلاح.
القدس: نفس الطروحات التي قدمت في كامب ديفيد.
هذا هو الموقف الاسرائيلي الذي بُلغ لنا قبل عشرة ايام تقريباً وبذلك يتبين لنا عمق الخلاف الجذري والفجوة العريضة بين الموقفين.
ما ان انتهت القمة حتى راح الاميركان يضعون اللوم علينا مدعين اننا سبب الجمود الذي أصاب المفاوضات زاعمين بأن باراك تقدم بخطوات ملموسة نحو الحل، لكن الجانب الفلسطيني لم يتقدم خطوة واحدة، وقد أرسلوا بالمبعوثين الى مختلف دول العالم يحملون الادعاء والأفكار التالية:
ان الفرصة ضيقة والوقت قليل ولا بد من استغلالها.
ان حكومة باراك في خطر وقد تسقط في أية لحظة ولن يكن البديل أفضل منها.
ان المدة المتبقية لكلينتون محددة ولا بد من الاستفادة منها لأن الخليفة القادم من أي من الحزبين لن يتمكن من عمل شيء قبل سنة أو سنتين.
إن المشكلة المستعصية هي مسألة السيادة على الحرم والأماكن المقدسة فقط، وفي الوقت الذي تحل فيه هذه المسألة فإن باقي القضايا قابل للحل أو انها بحكم المنتهية.
لا ضرورة لعقد اجتماعات عربية أو اسلامية لأن من شأن هذه الاجتماعات ان تصعد الموقف. ولا ضرورة لاتخاذ مواقف قد تعطل مسيرة المفاوضات وتعرقلها.
ان اعلان الدولة الفلسطينية في 13/9 سيشكل عقبة في طريق العملية السلمية ويضطر اميركا واسرائيل لاتخاذ مواقف مضادة.
لم يكن المبعوثون الاميركيون وحدهم يجوبون دول العالم بل أسرعت اسرائيل لإرسال مبعوثيها ايضاً ليتلوا شرح نفس المواقف والأفكار المذكورة أعلاه.
نحن بالطبع لم ولن نقبل أبداً بمثل هذه الذرائع والحجج الواهية التي تسعى لابتزازنا. ولن نقبل بأن يكون سيف الوقت مسلطاً على رقابنا لأن اهتمامنا الأساسي كان وسيظل ضمان حقوق شعبنا كما أقرتها الشرعية الدولية. ولن نربط هذه الحقوق لا بالمدة المتبقية للرئيس الاميركي ولا بالوضع الانتخابي الحرج لرئيس وزراء اسرائيل الذي بدد الكثير من الوقت وهو يسعى وراء وهم فرض الحل علينا في اطار لاءاته الخمس.
وخلاصة القول، فإن الهوة واسعة وسحيقة بين الموقفين ولا زالت المسافات بعيدة ونحن لا نملك الا ان نتمسك بمواقفنا التي اعتمدتها مؤسساتنا.
وإذا جاز لي بعد هذا العرض لما جرى في كامب ديفيد ان أرسم صورة على شكل نقاط مختصرة ومحددة للوضع الذي يحيط بانتفاضة الأقصى فلسطينياً وعربياً واسلامياً وأوروبياً واميركياً فإنني أرى أمامي الصورة التالية معتذراً في البدء على بعض الظلال القاتمة التي تغلب على الصورة، ومتيقناً في الوقت نفسه ان الشعب الفلسطيني رائد العمل الفدائي ومخترع ثورة الحجارة قادر بمخزونه النضالي وتراثه الاستشهادي على الصمود والاستمرار في مسيرته حتى تتحقق أهدافه في التحرر والاستقلال.
أولاً: واضح ان هذه الانتفاضة مستمرة ولن تقف لأنها تستمد نبضها وجذوتها من الشارع الفلسطيني.
ثانياً: ان فتح كبرى التنظيمات الفلسطينية وبصفتها الحزب الحاكم وواجهة العمل الفلسطيني الرسمي تريد الانتفاضة عصياناً وحجارة، بينما يريدها آخرون حجارة واطلاق نار معاً. ولعل فتح في هذا تدرك ان المعركة طويلة مما يتطلب تجنب المنزلق الاستنزافي الذي يلوح تحت وطأة الحماس والعواطف الملتهبة التي ضاقت ذرعاً بالاحتلال وبلغ معها السيل الزبى.
ثالثاً: الحديث عن وقف الانتفاضة في نظر رجل الشارع الفلسطيني والعربي يرقى الى مرتبة الخيانة لأنه يُذّكر بمصير الانتفاضة الأولى التي اجهضت ودفنت في دهاليز مؤتمر مدريد مع أوهام السلام التي رافقته.
رابعاً: ان انتفاضة عام 1987 استندت الى آمال عريضة بإمكانية تحقيق تسوية سياسية يرفرف عليها السلام بينما تستند انتفاضة عام 2000 الى سبع سنوات عجاف من المفاوضات العقيمة حيث تنصل الطرف الاسرائيلي من تنفيذ الاتفاقات مع الطرف الفلسطيني تارة حتى تستمر المفاوضات الى ما لا نهاية كما شاء شامير ونتانياهو وتارة اخرى بحجة ان المواعيد غير مقدسة كما ردد رابين ومن بعده بيريز وباراك.
خامساً: ان انتفاضة الأقصى اكثر عنفاً وأوسع انتشاراً وأشد تأثيراً عربياً واسلامياً وعالمياً.
سادساً: ان مواكب جنازات الشهداء وآلاف الجرحى والمعاقين من جراء همجية الآلة العسكرية الاسرائيلية في مواجهة شعب أعزل قد جعلت امكانية قيام القيادة الفلسطينية بتقديم أية تنازلات أو إظهار أية مرونة أمراً مستحيلاًَ.
سابعاً: يستتبع ذلك ان احتمالات التوصل الى تسوية مع الاسرائيليين ضمن صيغة السلام الحالية والشروط المتداولة أصبحت بعيدة المنال ان لم تكن غير واردة.
ثامناً: يفترض ان تكون دماء شهداء انتفاضة الأقصى قد غسلت شوائب اتفاقات اوسلو وتجاوزتها وقد انتهت صلاحيتها الزمنية على كل حال مما يتطلب صيغة سلام جديدة وشروطاً جديدة تستند الى وحدة في التحرك والتوجه والمسار بعيداً عن اجترار الماضي وذلك من خلال اعادة تفعيل دور الامم المتحدة والعودة الى القرارات الصادرة عنها أساساً واطاراً وحيداً للحل.
تاسعاً: منذ ان قررنا في مدريد ان السلام هو خيارنا الاستراتيجي مع اسرائيل تعاقب على رئاسة الحكومة في اسرائيل خمسة رؤساء هم شامير ورابين، وبيريز ونتانياهو وباراك حيث جمعت بينهم احدى صفتين: اما ان الواحد منهم لا يريد السلام لأسباب عقائدية وتوراتية، فيضيع الوقت ويداور ويناور، أو انه لا يستطيع السلام واما انه لا يريد ولا يستطيع في آن. واذا جنحت حكومة اسرائيلية نحو السلام لجأت اوركسترا أحزاب المعارضة الى خلق أزمة لأن طبيعة النظام السياسي الاسرائيلي تمنع أي حكومة من اتخاذ قرار استراتيجي. كما ان نظام الانتخابات القائم على التمثيل النسبي لا يسمح ببروز أغلبية كبيرة في الكنيست ويجعل من الاحزاب الصغيرة قوى كبرى لا يتناسب حجمنها مع قوتها العددية. وبتعبير آخر فإن اسرائيل في ظل نظامها هذا غير مهيأة للسلام ولا تستطيع السلام وتجربتنا معها منذ مؤتمر مدريد هي أكبر برهان. وعلى الطرف الآخر فإن ياسر عرفات يتمتع برئاسة منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الوطنية الفلسطينية ومنظمة فتح مما يعطيه هامشاً واسعاً للتحرك قد لا يتوافر لزعيم فلسطيني بعده. وهذا أمر لا تدركه اسرائيل أو بمعنى أصح لا تريد إدراكه لأن نزعة السلام لم تنضج لديها بعد.
عاشراً: لا شك ان انتصار "حزب الله" المشرف على اسرائيل في جنوب لبنان كان حافزاً وقدوة للشعب الفلسطيني في انتفاضة الأقصى.
ولكن المقارنة بين فلسطين وجنوب لبنان لا تجوز لأسباب جغراسية وتوراتية ولوجستيكية. ويكفي القول ان شعب فلسطين يقاتل في ظل الاحتلال بينما قاتل حزب الله وانتصر من خارج نطاق الاحتلال على الرغم من ان عملياته كانت في العمق الاسرائيلي.
حادي عشر: ان العدوان العسكري الاسرائيلي على غزة يشير الى ان السماء هي سقف المدى الذي يمكن ان يذهب اليه باراك الذي قرر على ما يبدو ممارسة سياسة القتل الجماعي للجم الانتفاضة ومعاقبتها كلما سقط قتيل اسرائيلي. اما قوافل الشهداء الفلسطينيين الذين يسقطون بفعل مدافع اسرائيل وقذائفها ورصاصها فليس لهم الا الله حامياً.
ثان عشر: لقد ألحقت انتفاضة الأقصى أضراراً جسيمة بالاقتصاد الاسرائيلي، واضافت أعباء عسكرية على الجيش الاسرائيلي. وأوقعت في صفوف الاسرائيليين خسائر في الأرواح. ولكن كل ذلك يبقى ضمن المعقول والمحتمل بالنسبة لاسرائيل على ان إقدام اسرائيل على اغلاق المنافذ والمعابر ونقاط الحدود والمطار وعزل المدن الفلسطينية ومحاصرتها وحجب أموال الضرائب التي تدفع للسلطة الفلسطينية وحرمان الناس من مشتقات البترول والخبز والماء والكهرباء كل ذلك قد ألحق أضراراً هائلة بالاقتصاد الفلسطيني سياحياً وزراعياً ومعيشياً. وأصبح عدد العمال العاطلين حوالى 380 ألفاً بينهم 120 ألف كانوا يعملون في اسرائيل. ومجموع هؤلاء العمال يحتاجون الى مئتي مليون دولار شهرياً.
ثالث عشر: ان اسرائيل تشيع ان القيادة الفلسطينية تحتمي بجثث الاطفال الذين يتساقطون صرعى الرصاص الاسرائيلي. والحقيقة ان هؤلاء الاطفال هم أبناء المخيمات وهم لا يقيمون في صالونات على مقاعد وثيرة لمشاهدة التلفزيون. انهم عملياً يقيمون في الشارع ويتفاعلون مع أحداث وطنهم فيشاركون في المواجهات لأنهم الأكثر معاناة.
ننتقل الآن الى الشأن العربي والاسلامي من الصورة
ان سقف العمق الاستراتيجي لانتفاضة الأقصى على مستوى الحكومات قد ظهر جلياً واضحاً للعيان في قمتي القاهرة العربية والدوحة الاسلامية وهو سقف متدن ومتشقق بكل المقاييس مهما حاولنا تلميعه وترميمه وذلك بسبب التقصير في العطاء والتقصير في الأداء. وإذا كانت قمة القاهرة قد قررت منح بعض المال فإن قمة الدوحة قد أحجمت. ومقولة ان الدول الاسلامية دول فقيرة لا تُقنع أحداً. فالمسألة أولاً رمزية وتضامنية. ولو جمعت مبالغ صغيرة من كل دولة اسلامية لوصلت الى حجم يساهم حتماً في تخفيف المعاناة. ولقد كان يفترض ان ترفع "القمة العربية مجتمعة المبالغ التي اقترحها مشكوراً سمو ولي العهد السعودي لأن الحفاظ على عروبة القدس وتراثها وشعبها لا يتحقق بالمبالغ المتواضعة التي رصدت لصندوق القدس. ان القدس بحاجة الى بليوني دولار على الأقل اذا كنا جادين في انقاذها والحفاظ على طابعها العربي الاسلامي والمسيحي. ومع ذلك فالعبرة في التنفيذ ونأمل ان يصار الى دفع الاموال التي تقررت. وعلى صعيد الأداء فقد فشلت القمة كحد أدنى في تبني كلمات الأمير عبدالله بن عبدالعزيز حول مسؤولية واشنطن في انهيار عملية السلام. والأمير عبدالله ليس ولي عهد كوبا ولكنه ولي عهد السعودية المعروفة بعلاقاتها التقليدية والوثيقة بواشنطن. وفي هذا المجال، فقد كان بإمكان القمة ان تخرج بتصور جديد لمرجعية جديدة للسلام تكفل سير المفاوضات وفق أسس جديدة تؤدي الى تسوية سياسية وذلك بعد ان عطلت اسرائيل كل وسائل التقدم نحو حل سلمي. كما فشلت القمة العربية في اتخاذ موقف سياسي حازم في شأن العلاقات مع اسرائيل. ونحن نتفهم الرأي القائل بأن الدول التي وقعت معاهدات سلام مع اسرائيل فعلت ذلك برعاية دولية واميركية على وجه التحديد وتم بموجبها انهاء حالة الحرب وان قطع العلاقات يقوض خيار السلام ويعود بنا الى حال الحرب. ومع ان هذا الرأي قابل للنقاش اذ يمكن قطع العلاقات والتأكيد في الوقت نفسه ان ذلك لا يؤثر في معاهدات السلام، فقد كنا نأمل كاجراء وسطي ان يصار الى سحب السفراء وتجميد العلاقات لحين التزام اسرائيل بالاتفاقات واقلاعها عن سياستها الهمجية تجاه الشعب الفلسطيني. وبذلك نكون قد عبرنا بالافعال وليس بالاقوال الفضفاضة عن سخط الأمة واستنكارها لسياسات اسرائيل. أو لم ترتكب اسرائيل كل الموبقات من اقامة المستوطنات ومصادرة الأراضي وطرد السكان وتجاهل الاتفاقات وتهويد القدس في ظل استمرار هذه العلاقات؟ ثم لماذا ينظر الى هذا الأمر على انه عمل عدواني ولماذا لا يعتبر نوعاً من الضغط على اسرائيل كي تستجيب لنداء السلام الذي ما فتيء العرب يرددونه. والمطلوب هو ضغط سياسي وليس اعلان حرب.
ان واقع الأمر يقول - وانتفاضة الأقصى مطلوب منها ان تسمع وتعي - ان الإرادة العربية السياسية مغيبة بقرار من واشنطن بسبب اعتماد الانظمة العربية على الولايات المتحدة اقتصادياً وأمنياً وعسكرياً الأمر الذي يشكل لهذه الانظمة حماية وضمانة محلياً واقليمياً.
ننتقل الآن الى الشأن الأوروبي
منذ بضع سنوات ودول الاتحاد الأوروبي تسير في ركاب واشنطن وتبيعنا مواقف انشائية ولفظية على رغم حاجتنا الماسة الى موقف أوروبي يكون رديفاً للموقف الاميركي وليس بديلاً عنه حتى نحقق بعض التوازن في خلل الانحياز الاميركي لاسرائيل. ولعل أبلغ مثال على سوء الموقف الأوروبي هو ما حدث هذا الاسبوع في مرسيليا خلال اجتماع مؤتمر الشراكة الأوروبية. لقد رفضت دول الاتحاد الأوروبي الخمس عشرة استنكار بربرية اسرائيل تجاه الشعب الفلسطيني فرفضت الاطراف العربية المشاركة في المؤتمر أو التوقيع على البيان الختامي، بينما وصف وزير خارجية مصر الموقف الأوروبي بأنه غير اخلاقي ووصفه نبيل شعث بأنه لئيم. وهذا دليل على الضعف العربي في أوروبا مما يتطلب المزيد من الحركة والعمل في هذه القارة.
أما بالنسبة الى الجانب الاميركي من الصورة، فخلال السنتين الماضيتين تحديداً رعى الرئيس الاميركي عدة قمم فلسطينية - اسرائيلية. وكانت هذه القمم محكومة بالفشل إلا اذا انتهت بالشروط الاسرائيلية وذلك لأن يدي الرئيس كانتا مغلولتين بقيدين: قيد ضرورة نجاح حرمه المصون في الانتخابات لمجلس الشيوخ عن نيويورك وقيد ضرورة فوز رفيق دربه ونائبه في انتخابات الرئاسة الاميركية. ومن أجل تحقيق هدفيه كان الرئيس الاميركي يخشى ان يتنحنح خلال المفاوضات الفلسطينية - الاسرائيلية لئلا يُشتم من ذلك انه يتفهم - مجرد ان يتفهم - وجهة النظر الفلسطينية فيعاقبه اللوبي الصهيوني فتخسر هيلاري ويخسر آل غور. والآن وبعد ان تمت الانتخابات فإن الرئيس كلينتون ليس فقط بطة عرجاء ولكنه بطة كسيحة لا تقوى على انجاز شيء ناهيك عن تحقيق اختراق على صعيد القضية الفلسطينية.
إن الأزمة الانتخابية القانونية الطاحنة والمعقدة قد أفقدت مسبقاً سيد البيت الأبيض القادم جزءاً كبيراً من هيبته ونفوذه امام شعب منقسم الى قسمين متساويين. ولا شك ان وضعاً كهذا سينعكس سلباً على سياساته في الشرق الأوسط وخاصة اذا كان الرئيس القادم هو جورج بوش الذي يحتاج على الأقل الى سنة يعيد خلالها ترتيب بيته وادارته قبل ان يشرع في الالتفات الى الشرق الأوسط الذي سيواجه فراغاً سياسياً في واشنطن واحداثاً في الداخل لا يعلم مداها وطبيعتها إلا الله.
طبعاً لا يفوتنا ونحن في هذا السياق ان ننبه الى ما يمكن ان تقوم به اسرائيل على الجبهة السورية - اللبنانية. ان اسرائيل لم تبتلع ولم تهضم بعد هزيمتها في لبنان على يد حزب الله حيث ما زالت تتخبط بسبب الشعور بالمهانة وفقدانها عنصر الانتصار الدائم. ولا ننسى ان مجلس الأمن دعا الدولة اللبنانية قبل ايام الى بسط سيطرتها على كامل الجنوب اللبناني والى وضع نهاية للانتهاكات على جانبي الحدود اللبنانية - الاسرائيلية. كما ان كوفي انان حمّل لبنان مسؤولية ما قد يجري حين قال ان لبنان يخاطر بتجدد الصراع ما لم ينشر قواته على طول الحدود بدلاً من ترك حزب الله يسيطر على المنطقة. وقد يكون في هذا الكلام ذريعة لاسرائيل لكي تقوم بعمل عسكري واسع ضد لبنان وسورية أو المواقع السورية في لبنان بحجة ضبط الفوضى على حدودها. وقد يتم ذلك لتغطية عملية ابادة واسعة لضرب الانتفاضة الفلسطينية واقتلاعها من جذورها. أقول ذلك آخذاً بالاعتبار العوامل التالية:
أولاً: ان هشاشة الوضع السياسي الداخلي لباراك وانفجار انتفاضة الأقصى توجب عليه تحقيق نصر يشد من أزره ويحيي تطلعاته السياسية ويعدل الكفة.
ثانياً: ان واشنطن تمر في حالة شلل سياسي بسبب تغيير الادارة مما ينعكس فراغاً وفوضى في منطقتنا ويغري اسرائيل على العربدة.
ثالثاً: ان الاتحاد الأوروبي في ظل الفراغ القائم لا يرغب في لعب دور سياسي فاعل في الشرق الأوسط. اما الدور الروسي فلا يزال هامشياً.
رابعاً: وهذا هو الأهم. بقينا أربع سنوات نطالب بقمة عربية وواشنطن تقول ان ذلك لا يساعد عملية السلام، وأخيراً عقد العرب قمتهم المبتغاة وأقصى ما استطاعوا ان يفعلوه هو تنبيه اسرائيل وتجاهل مسؤولية واشنطن ورصد أموال للقدس والانتفاضة لبحث أمر صرفها بعد عدة اشهر في قمة عمان القادمة.
فماذا يلجم باراك بعد ذلك؟
في تقديري الشخصي - وهذا اجتهاد مني - فإن قضية القدس التي ظلت تعيش سنين طويلة في أجواء الدعم اللفظي والتأييد البلاغي ما كانت لتشتعل في وجدان العرب والمسلمين الا عندما أحسوا أخيراً ان اسرائيل جادة في مطلبها بسط سيادتها على الحرم الشريف. وبقي ان أضيف ان مجموع المال الموجود اليوم في خزانة بيت مال القدس الشريف والذي أنيط به انقاذ الأقصى والارض والعباد في القدس لا تتجاوز ثلاثة أو أربعة ملايين دولار على أحسن تقدير.
حضرات الضيوف الكرام:
لربما كانت ظلال الاحباط والتخوف غالبة على كلامي. واذا كان الأمر كذلك فإنه يعني ان لا ضبابية في الرؤية. ثم قد اكون محبطاً ولكني لست يائساً. وسبب الاحباط هو اننا فرضنا على انفسنا العجز ولم يفرضه العدو علينا. والتغيرات الكبرى لا تحتاج الى جيوش جرارة. ولكنها تحتاج الى حسن تقدير وتدبير وتخطيط. وبهذه الروح استطاعت جيوش المسلمين ان تهزم امبراطوريتين هما روما وفارس. ولا ننسى ان انتفاضة عام 1987 اجبرت اسرائيل على الجلوس الى طاولة المفاوضات مع الفلسطينيين. والفلسطينيون لن يحققوا النصر الذي يريدون الا بدعم امتهم العربية. وحتى تستقيم الامور لا بد من هز الثوب العربي هزاً عنيفاً حتى يسقط ما علق به من غبار أودى بلونه وأثر في جودته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.