تايكوندو الشباب يهيمن على بطولتي البراعم والناشئين والحريق يزاحم الكبار    القيادة تعزي في وفاة الرئيس الإيراني ومرافقيه    برعاية خادم الحرمين وزير النقل يفتتح مؤتمر مستقبل الطيران 2024 ويشهد إعلان أكبر استثمار بتاريخ الخطوط السعودية    زلزال بقوة 5.2 درجة يضرب منطقة "شينجيانج" شمال غرب الصين    أمير تبوك يرعى تخريج أكثر من 2300 متدرب ومتدربة للتدريب التقني والمهني .. غدا    أكثر من ثلاثة الاف جولة رقابية تنفذها أمانة الشرقية على المنشآت الغذائية والتجارية    كيف سقطت مروحية الرئيس الإيراني.. وما الذي كشفته الصور؟    إيران تعلن رسمياً مصرع الرئيس ووزير الخارجية    تعليم البكيرية يعتمد حركة النقل الداخلي للمعلمين والمعلمات    وصول أبطال آيسف 2024 إلى جدة بعد تحقيق 27 جائزة للوطن    «التعليم» تحدد أنصبة التشكيلات المدرسية في مدارس التعليم العام    الأرصاد: استمرار التوقعات بهطول أمطار بعدد من المناطق ورياح نشطة في الشمال    حبس البول .. 5 آثار أبرزها تكوين حصى الكلى    1.8 % معدل انتشار الإعاقة من إجمالي السكان    أمير عسير يُعزّي أسرة «آل مصعفق»    أوتافيو يتجاوز الجمعان ويسجل الهدف الأسرع في «الديربي»    خادم الحرمين يستكمل الفحوصات الطبية في العيادات الملكية    «عضو شوري» لمعهد التعليم المهني: بالبحوث والدراسات تتجاوزون التحديات    4 نصراويين مهددون بالغياب عن «الكلاسيكو»    البنيان: تفوق طلابنا يبرهن الدعم الذي يحظى به التعليم في المملكة    السعودية.. يدٌ واحدةٌ لخدمة ضيوف الرحمن    متحدث «الداخلية»: «مبادرة طريق مكة» توظف الذكاء الاصطناعي    الفضلي: «منظمة المياه» تعالج التحديات وتيسر تمويل المشاريع النوعية    مرضى جازان للتجمع الصحي: ارتقوا بالخدمات الطبية    السعودية من أبرز 10 دول في العالم في علم «الجينوم البشري»    5 بذور للتغلب على حرارة الطقس والسمنة    نائب أمير منطقة مكة يُشرّف حفل تخريج الدفعة التاسعة من طلاب وطالبات جامعة جدة    وزارة الحج والعمرة تنفذ برنامج ترحاب    ولي العهد يبحث مع سوليفان صيغة شبه نهائية لاتفاقيات استراتيجية    تأجيل تطبيق إصدار بطاقة السائق إلى يوليو المقبل    القادسية بطلاً لكأس الاتحاد السعودي للبلياردو والسنوكر    هاتف HUAWEI Pura 70 Ultra.. نقلة نوعية في التصوير الفوتوغرافي بالهواتف الذكية    الشيخ محمد بن صالح بن سلطان «حياة مليئة بالوفاء والعطاء تدرس للأجيال»    تنظيم مزاولة مهن تقييم أضرار المركبات بمراكز نظامية    جائزة الصالح نور على نور    مسابقة رمضان تقدم للفائزين هدايا قسائم شرائية    الانتخابات بين النزاهة والفساد    أمير القصيم يرعى حفل تكريم الفائزين بمسابقة براعم القرآن الكريم    165 ألف زائر من بريطانيا للسعودية    الملاكم الأوكراني أوسيك يتوج بطلاً للعالم للوزن الثقيل بلا منازع    بختام الجولة ال 32 من دوري روشن.. الهلال يرفض الهزيمة.. والأهلي يضمن نخبة آسيا والسوبر    ثقافة سعودية    كراسي تتناول القهوة    المتحف الوطني السعودي يحتفي باليوم العالمي    من يملك حقوق الملكية الفكرية ؟!    يوم حزين لهبوط شيخ أندية الأحساء    «الخواجة» نطق.. الموسم المقبل ضبابي    الاشتراك بإصدار مايو لمنتج «صح»    عبر كوادر سعودية مؤهلة من 8 جهات حكومية.. «طريق مكة».. خدمات بتقنيات حديثة    بكاء الأطلال على باب الأسرة    تحقيقات مع فيسبوك وإنستغرام بشأن الأطفال    جهود لفك طلاسم لغة الفيلة    تأملاّت سياسية في المسألة الفلسطينية    5.9 % إسهام القطاع العقاري في الناتج المحلي    ارتباط بين مواقع التواصل و«السجائر الإلكترونية»    سقوط طائرة هليكوبتر تقل الرئيس الإيراني ووزير الخارجية    الديوان الملكي: خادم الحرمين يستكمل الفحوصات الطبية    أمير منطقة تبوك يرأس اجتماع جمعية الملك عبدالعزيز الخيرية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سياسة باراك الدفاعية لمواجهة "خطرين ونصف"
نشر في الحياة يوم 08 - 12 - 1999

بعد ستة أشهر من تولي باراك الحكم في اسرائيل، أصبح من الواضح انه ينظر الى العمليات السياسية - سواء في ما يتعلق بالتسوية الجارية حالياً في الشرق الاوسط او غيرها - بمفهوم علاقات القوى. فالسلام في نظره مجرد وسيلة لتقوية أمن اسرائيل وتحقيق أهدافها بعيدة المدى، وليس هدفاً في حد ذاته كما يزعم. لذلك فإن هدف باراك السياسي هو التقدم بإسرائيل الى اتفاقات سلام من خلال تفوق عسكري، وهو لا يحاول إخفاء ذلك بل يؤكده في كل مناسبة. ففي أحد لقاءاته الاخيرة مع وحدات من الجيش الاسرائيلي أوضح أن هدف زيارته للرئيس كلينتون كان ضمان تقوية الجيش في كل مسار للسلام، بفضل الالتزام الاميركي بدعم الأمن الاسرائيلي.
لذلك لم يكن غريباً أن تثمر زيارته الاخيرة لواشنطن عن اتفاق استراتيجي جديد يؤكد التعهد الاميركي ليس فقط بضمان امن اسرائيل، ولكن ايضاً - وبصراحة كاملة - تفوقها العسكري على جيرانها العرب. وهو ما ترجم على الصعيد التنفيذي بصفقة 50 مقاتلة "ف - 16" قيمتها 5،4 بليون دولار، و42 صاروخاً جو - جو "أرام" قيمتها 18 مليون دولار، وتخصيص 500 مليون دولار اضافية لاستكمال انتاج الكتيبة الثالثة من الصاروخ "آرو" المضاد للصواريخ والمنتظر دخوله الخدمة في بداية العام المقبل، وذلك في اطار المشروع "IBIS" لاعتراض الصواريخ البالستية العربية، باعتبار أن هذا المشروع يشكل الحل الامثل لمواجهة هذا التهديد الذي تقدره اسرائيل بحوالي 2000 صاروخ عربي وايراني.
هذا بالطبع الى جانب حصول اسرائيل على ثلاث غواصات دولفين مسلحة بالصواريخ البالستية اريحا -3 بتمويل اميركي، وهو ما يوفر لإسرائيل القدرة على توجيه الضربة الثانية، ودعماً آخر لاستراتجية الردع، كذلك حصولها على القراويطات البحرية المسلحة بالصواريخ هاربون وغبرائيل سطح - سطح التي تم بناؤها في الترسانة الاميركية، وهو ما يدعم قوة اسرائيل البحرية ويعطيها حرية حركة استراتيجية اوسع وقدرة تدميرية عالية في البحرين المتوسط والأحمر.
والمنصبان اللذان يحتلهما باراك حالياً كرئيس وزراء ووزير دفاع يمثلان فرصة ثانية له لاستكمال المهمة التي بدأها عندما كان رئيساً للأركان، ويتطلع الى قرارات سياسية عليا تنفذ خطته لتطوير الجيش الاسرائيلي، وتحقيق متطلبات أكثر إلحاحاً على صعيد التطوير التكنولوجي. فلقد عُين باراك رئيساً للأركان بعد حرب الخليج في ظل الصمت الاستراتيجي الذي صادفته اسرائيل. وكشفت ضربات صواريخ سكود العراقية عن ضعف المؤخرة الاسرائيلية، وفي الجولان حشدت سورية ست فرق منها أربع في النسق الاول واثنتان في الاحتياط بإجمالي 6000 دبابة، وبدأت ايران مشروعها النووي والصاروخي الذي يطول العمق الاسرائيلي. وبذلك ادرك القادة الاسرائيليون عقم نظرية الأمن الاسرائيلي القديمة التي تربّت عليها الأجيال السابقة، ذلك ان اختراق القوات الاسرائيلية لقوات سورية بهذا الحجم يبدو مهمة مستحيلة وسيكلف اسرائيل آلاف الضحايا ولن يحقق الحسم المطلوب في الحرب.
إلا أن أحداث العالم 1991 - حرب الخليج وتفكك الاتحاد السوفياتي - عمّقت من جديد الفجوة العسكرية لمصلحة اسرائيل امام سورية التي فقدت السند الاستراتيجي لها، والعراق الذي ضُرب. ولقد استغلت المؤسسة الامنية برئاسة رابين وباراك ذلك في التحدث عن "نافذة الفرص" التي تمنح املاً في مسيرة السلام التي ستؤمن التفوق الاسرائيلي في المنطقة بالقدرة النووية، ووفرة السلاح المُقدم من اميركا، وتسويات سياسية تبعد الجيش السوري عن الحدود، وتهدئ الانتفاضة في المناطق المحتلة، وتوقف حرب الاستنزاف التي يتعرض لها الاسرائيليون في لبنان.
لذلك طلب رابين ان تتفرق عملية السلام مع سورية الى سنوات عدة، وبرر ذلك بالتشكيك في صدقية الرئيس الاسد. لكن كان لديه في الواقع سبب آخر لعرقلة التسوية، وهو كسب الوقت حتى يستكمل تطوير الجيش على الاسس الجديدة التي وضعتها المؤسسة العسكرية الاسرائيلية، وحتى يقف قوياً صلباً عند الحدود الجديدة مع سورية. وجاء خلفاء رابين واستغلوا نافذة الفرص التي أوجدتها المماطلة في المفاوضات مع سورية لتعظيم قدرة اسرائيل العسكرية على الاصعدة كافة، وهي الثمار التي يجنيها باراك حالياً.
مواجهة خطرين
عندما كان باراك رئيساً للأركان اوضح ان اسرائيل محاطة بما سماه "خطرين ونصف". حيث يتمثل الخطر الاول في تعرض اسرائيل لهجوم تقليدي من جانب واحدة أو أكثر من دول المواجهة العربية او كلها، مدعومة من قبل دول المساندة في العمق، وقد يشمل إيران أيضاً. والخطر الثاني يتمثل في حيازة اي دولة عربية لسلاح نووي. وكلا الخطرين يهددان ليس فقط مناطق في اسرائيل ولكن كيانها ايضاً. اما نصف الخطر فإنه يأتي من قبل المنظمات "الإرهابية" والهجمات الكيميائية والبيولوجية المحتمل ان يتعرض لها العمق الاسرائيلي بواسطة الصواريخ البالستية العربية، وانتفاضة اخرى للشعب الفلسطيني.
ومثل هذا الخطر لا يهدد الكيان الاسرائيلي، وإنما يهدد الأمن الاسرائيلي لما قد يسببه من خسائر جسيمة في الافراد والمنشآت وفي الروح المعنوية، وبما يؤثر في السياسة الداخلية والاقتصاد في إسرائيل.
ولم تتغير نظرة باراك الاستراتيجية والامنية تجاه هذه التهديدات بعد توليه رئاسة الحكومة، فأمامها وضع مطالبه ازاء تطوير الجيش الاسرائيلي في العقد المقبل لا سيما بعد استكمال عملية التسوية على جميع مساراتها. فهو يعتقد بأن استمرار استراتيجية الردع ببعديها المادي والنفسي وتقويتها خير ضمان لمنع نشوب هذه التهديدات. والمقصود ب"الردع النووي بالشك" إلى "الردع النووي العلني" المقرون بخطوط حمراء توضح متى يمكن اللجوء الى استخدامه، وذلك لتوفير صدقية اعلى لهذه الاستراتيجية. وفي ذلك أوضح باراك عندما كان وزيراً للخارجية "أن السياسة النووية الاسرائيلية لم تتغير، ولن تتغير، ولا يمكن أن تتغير". وفي زيارته الاولى للقاهرة أوضح باراك للرئيس مبارك أن اسرائيل دولة صغيرة ولن تفرط في أمنها. وبذلك ألمح الى رد فعل اسرائيلي متعنت اذا ما استأنفت مصر ضغوطها لكي توقع اسرائيل على معاهدة حظر الانتشار النووي N.P.T التي رفضت الانضمام اليها. كما تدعم الغواصات الحديثة التي حصلت اسرائيل عليها اخيراً استراتيجية الردع بما توفره من قدرة على توجيه ضربة صاروخية نووية ثانية من اعماق البحر في حال تعرضها لضربة أولى بأسلحة دمار شامل.
ولقد واجهت الاستراتيجيين الاسرائيليين في حرب الخليج مشكلة عدم القدرة على الرد في مواجهة الهجمات الصاروخية العراقية. وبغض النظر عن البعد السياسي لهذه المشكلة والمتمثل في الضغط الاميركي عليها بعدم الرد حتى لا تفسد التحالف الذي كان قائماً، وتولي القوات الجوية الاميركية لهذه المهمة، فإن الرد الاسرائيلي الذي كان ممكناً على الصعيد الايجابي هو توجيه هجمات جوية ضد الاهداف الصاروخية والاستراتيجية في العراق، وهو ما يتطلب اختراق الاجواء السورية او الأردنية ويعتبر أمراً مستحيلاً لاعتبارات سياسية واستراتيجية معروفة.
كما يعرقل بُعد المسافة من فعالية اي ضربات جوية سواء ضد العراق او ضد ايران. وهو ما تحاول اسرائيل التغلب عليه من خلال اتفاقات التعاون الاستراتيجي مع تركيا وتطوير قواتها الجوية. فقد انفقت على تحديثها خلال العقد الحالي حوالي 10 بلايين دولار سواء في مجال إمدادها بالمقاتلات الحديثة ف -16 او ف -15E أو المروحيات الهجومية اباتشي والاقتحامية بلاك هوك وكوبرا المحسّنة، حيث سيتحمل سلاح الجو الاسرائيلي الثقل الرئيسي في الحرب المقبلة سواء في ما يتعلق بقصف الاهداف الاستراتيجية في الاعماق العربية والايرانية، او قتال وحدات الصواريخ البالستية ومنعها اصلاً من إطلاق صواريخها، كذلك تدمير القوات العربية من دول المواجهة والعمق قبل اختراق المناطق الامنية منزوعة السلاح والوصول الى خطوط المواجهة، بالاضافة إلى تقديم المعاونات النيرانية للقوات البرية والبحرية وتحقيق السيطرة الجوية وحماية سماء اسرائيل.
وبسبب تعدد وتنوع هذه المهام فإن القوات الجوية الاسرائيلية ستسعى الى التزود بذخائر خاصة وطائرات روبوتية من دون طيار لتقوم ليس فقط بمهام الاستطلاع، ولكن أيضاً "بمهام التدمير خصوصاً ضد المطارات ووسائل الدفاع الجوي، باعتبار أن المفهوم الاستراتيجي الجديد عند باراك يؤكد على تدمير القوة بدلاً من احتلال الاراضي، وان "من يهجم يخطف" سواء بكسر القوة العسكرية او ضرب اهداف البنية التحتية. وهو ما ينعكس ايضاً في نظرية "الجيش الطائر" التي يتبناها باراك، وتعتمد على فكرة الاستخدام الموسع للمروحيات الهجومية والاقتحامية للتعامل مع الاهداف العسكرية الثمينة في عمق "العدو" مثل الاحتياطات المدرعة ومراكز القيادة والسيطرة ومواقع المدفعية والمناطق الادارية، وذلك بتنفيذ اساليب الحرب الجو - برية القائمة على مبدأ مهاجمة جميع تشكيلات وانساق "العدو" في الجبهة في وقت واحد لتشتيت قوات الخصم، ومنعه من القيام بردود فعل مضادة منسقة وقوية.
ولا يقل اهتمام باراك بالقوات البرية وتطويرها عن اهتمامه بالقوات الجوية، باعتبار ان القوات البرية هي التي ستتحمل في النهاية أعباء تنفيذ الاهداف والمهام الاستراتيجية على الارض، ويجسّم بالتالي حجم نتائج العمليات المشتركة من خلال احتلال أراضي "العدو" والقدرة على التمسك بها، خصوصاً بعد ان ثبت فشل نظرية الامن القديمة القائمة على غزو اراضي "العدو" واحتلالها والتمسك بها كأوراق مساومة لوقف القتال وفرض السلام. فبعد 17 سنة من الاحتلال الاسرائيلي لجنوب لبنان، وجدت اسرائيل نفسها متورطة في مستنقع وحرب استنزاف لا تعرف كيفية الخروج منها. لذلك فإن نظرية باراك في تطوير القوات البرية ترتبط بفكرته عن تدمير العدو اولاً وليس احتلال الارض، وهو ما يتطلب مضاعفة حجم القوة النيرانية للتشكيلات المدرعة، وزيادة خفة حركتها لتكون قادرة على سبق التشكيلات البرية العادية ومنعها من اختراق المناطق الامنة او منزوعة السلاح، وتدميرها خارجها بالتعاون مع القوات الجوية والضربات الصاروخية بواسطة الصواريخ اريحا وهو ما يؤمن في النهاية كسر الارادة السياسية للعدو.
أما في ما يتعلق بخطر امتلاك احدى او بعض الدول العربية او الاسلامية لسلاح نووي، فإن ذلك يدخل في اطار الخطوط الحمراء التي يتوقع أن يكشف باراك عنها صراحة وتكون سبباً لتوجيه ضربات وقائية إما بأسلحة تقليدية او فوق تقليدية ضد الدولة/ الدول العربية التي ستتبنى برامج نووية. ويقع العبء الأكبر في ذلك على كاهل المخابرات الاسرائيلية التي تتابع بنشاط جهود الدول العربية والإسلامية، سواء في مجال تطوير البنية النووية او في مجال الحصول على اسلحة نووية جاهزة من دول اخرى تمتلكها، وذلك بالتعاون مع أجهزة المخابرات الغربية وكذلك الروسية، مع السعي إلى إجهاض مثل هذه البرامج مبكراً من خلال الاعمال التحتية المعروفة عن الموساد. وتضطلع أقمار التجسس الاسرائيلية والاميركية بدور بارز في كشف مثل هذه البرامج.
مواجهة نصف خطر
وإذا انتقلنا الى ما يصنعه باراك ب"نصف خطر"، وأبرز امثلته هجمات صاروخية عربية، سنجدها تشتمل على مجموعة اجراءات ذات جانبين احدهما ايجابي والآخر سلبي. ويتمثل الجانب الايجابي في توجيه هجمات جوية ضد وحدات الصواريخ العربية والايرانية، ومصانع انتاجها ومستودعاتها ومراكز ابحاثها ومواقع اطلاقها، وذلك فور تلقي الإنذار المبكر بذلك من مركز الإنذار الاسرائيلي المرتبط بمركز الانذار الاميركي في كولورادو، ويتلقى في الوقت نفسه معلومات اقمار التجسس الاميركية عبر اقمار الاتصالات. وفي حال نجاح وحدات الصواريخ العربية في اطلاق صواريخها، فيتم اعتراضها في الجو بأساليب عدة تشمل أولاً: الصواريخ المضادة للصواريخ باتريوت، آرو، هوك. ثانياً: اسلحة الطاقة الحركية K.E.W التي تعتمد على إطلاق مقذوف يعمل بالطاقة الكهرومغناطيسية لاعتراض الصاروخ المعادي. ثالثاً: أسلحة الطاقة الإشعاعية الموجهة D.E.W التي تستخدم اشعة ليزر x واشعة الذرات المشحونة وغير المشحونة في تدمير الصواريخ المعادية في الجو. رابعاً: استخدام الطائرات الروبوتية من دون طيار HA-1o مثل الطائرة الاميركية "جلوبال هوك" من دون طيار ايضاً في اعتراض الصواريخ على ارتفاعات عالية قد تصل الى 36 الف قدم. خامساً: استخدام الصواريخ جو - جو في اعتراض الصاروخ الباليستي المعادي. سادساً: استخدام صاروخ "الطاقة الكامنة" القادر على اكتشاف الصاروخ المعادي على مسافة لا تقل عن 40 كم وسرعة الاشتباك معه بعد التعرف عليه بما لا يزيد على 1-5،3 ثانية وعلى ارتفاع لا يقل عن 15 كم وبسرعة 2-5 كم/ ثانية. وتطبق اسرائيل في هذا الصدد النظام الاميركي المعروف ب"نظام فلتشر". أما الجانب السلبي فيتمثل في إعداد المنطقة الخلفية من اسرائيل أي العمق الاسرائيلي لمواجهة احتمالات وصول صواريخ معادية مسلحة برؤوس كيميائية وبيولوجية، وذلك من خلال الإنذار بذلك، وتجهيز الملاجئ الواقية والمزودة بمرشحات، وتزويد افراد الشعب بجرعات الوقاية تتوافر حالياً مهمات وقائية بنسبة 85 في المئة من الشعب الاسرائيلي، والتحصين المبكر بالامصال الواقية والمضادة، ووحدات التطهير، إلى جانب اجراءات الدفاع المدني المعروفة.
ومن الأخطار التي يشملها أيضاً وجود قوة من الشرطة الفلسطينية تقدر ب30 ألف مقاتل تعتبر بجميع المقاييس قوة عسكرية في الضفة الغربية وغزة، قريبة من قلب اسرائيل، ويمكنها في حال نشوب حرب او مؤثرات ان تصل الى اهدافها داخل اسرائيل عبر الشوارع والطرق الترابية الفرعية المعروفة لهم جيداً حيث لا اسوار او عقبات تمنعهم من ذلك، ويمكنهم اجتياز الخط الاخضر سيراً على الاقدام او باستخدام السيارات وصولاً إلى اهدافهم داخل اسرائيل ومهاجمتها. ناهيك عن مهاجمتهم للمستوطنات الاسرائيلية التي تضم 166 ألف مستوطن في الضفة و5500 آخرين في قطاع غزة. ومثل هذه الاعمال سوف تكبد اسرائيل خسائر بشرية ومادية جسيمة. كما يمكن في حال وقوع حرب مع دولة عربية أو أكثر ان يكون بمقدور الفلسطينيين استغلال مثل هذا الموقف والتدخل في عمليات تعبئة الاحتياط، وخلخلة الحياة في اسرائيل بشكل كامل، وبما يؤثر سلباً على الروح المعنوية للشعب والجيش معاً، لا سيما اذا ما استغلت المقاومة اللبنانية التي يقودها "حزب الله" أيضاً مثل هذه الظروف، وكثفت من هجماتها ضد المستعمرات الاسرائيلية في الجليل بشمال اسرائيل.
وفي مواجهة مثل هذه المخاطر يسعى باراك الى توسيع هامش الأمن من خلال معاهدات السلام التي تؤكد على الترتيبات الامنية التي تنص على استبقاء 60 في المئة من اراضي الضفة في أيدي الاسرائيليين، ومناطق منزوعة السلاح ومناطق اخرى مخفضة السلاح، والسور الالكتروني العازل الذي يفصل بين الاراضي التي تسيطر عليها اسرائيل والاراضي التي يسيطر عليها الفلسطينيون، وشبكات الانذار المبكر، والدوريات المشتركة وتحديد حجم وتسليح الجيش الفلسطيني، مع تأمين السيطرة المستمرة على المنافذ البرية والبحرية والجوية التي تربط أراضي الدولة الفلسطينية القادمة مع الدول العربية الأخرى.
أما في ما يتعلق بالجبهة السورية، والتي يعتبرها باراك أخطر الجبهات، فإن تصوره يشمل استعداده للانسحاب من الجولان مع ترتيبات امنية تؤمن ايضاً مناطق منزوعة ومخفضة التسلح، على ان تكون هذه المناطق مكشوفة تماماً امام اسرائيل، وإبعاد السوريين تماماً عن خط المياه المشرف على بحيرة طبرية، وتحديد حجم القوات السورية الموجودة في المنطقة ما بين الجولان ودمشق، إلى جانب مراكز الإنذار المبكر في الجولان والتي يطالب باراك بإشراك اسرائيليين مع الاميركيين فيها.
وفي لبنان يربط باراك بين انسحابه من الجنوب وبين استبعاد عناصر "حزب الله" تماماً من هناك، على ان تتعهد الحكومتان السورية واللبنانية بعدم عودة المقاومة إلى الجنوب وتهديد مستعمرات الجليل، بالاضافة إلى استمرار اعمال الاستطلاع الجوي الاسرائيلي فوق الجنوب اللبناني. كما يفكر باراك في إنشاء مستوطنات دفاعية في شمال اسرائيل تحتلها قوات جيش لبنان الجنوبي العميل بعد انسحابه من الجنوب.
وهكذا يربط باراك بين الترتيبات الامنية والتسوية السلمية باعتبار العلاقة التبادلية بين الامن والسلام في نظره، وعلى اساس ان المكان الذي لا يتوافر فيه أمن تكون أعباء الدفاع عنه ثقيلة بما لا تستطيع اسرائيل تحمله، سواء على صعيد الكلفة الاقتصادية او على صعيد الكلفة البشرية، خصوصاً عند وقوع الحروب ونشوب التوترات المسلحة.
* لواء ركن متقاعد، خبير استراتيجي مصري.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.