وقف بنيامين نتنياهو وانحنى فوق مائدة العشاء ليسلم دونالد ترمب رسالة ترشيحه لجائزة نوبل للسلام. يعرف ترمب أن ضيفه لا يريد أي نوع من السلام لكنه يرشحه للجائزة. ويعرف الرجلان أن ما بينهما من صداقة لا يخلو من التكاذب، لكن رئيس الوزراء الإسرائيلي أكثر العارفين بالقاعدة الرابحة والمتبعة حالياً في الدبلوماسية الأمريكية، وهي تُختصر ب«دغدغ الأنا الترامبية»، وإذا لم تكسب كل ما تريده فإنك لن تخسر جله، لأنه مع ترمب لا مجال لليقين. غير أن الطرف الوحيد الرابح معه دائماً هو إسرائيل. تساءلت الصحف الأمريكية «عما إذا كان الترشيح لنوبل من نتنياهو- المتهم بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية من جانب المحكمة الجنائية الدولية- يساعد فعلاً الرئيس» في سعيه الى الجائزة. المفارقة أنه لم يكن في أحاديث ترمب وضيفه أي أثر لأي سلام، بل بحث عن «تفاهمات حول غزة والإقليم... وما بعد الإقليم» بحسب تعبير نتنياهو. وعلى رغم المكافآت الأمريكية الضخمة لإسرائيل على ما أنجزته في الحرب على إيران، والاستثمارات الجديدة بمليارات الدولارات لتطوير البنية التحتية لجيشها، لم يستطع ترمب انتزاع موافقة «صديقه» على فكرة «إنهاء الحرب في غزة». كان الرئيس الأمريكي يفضل هدنة دائمة واستعادة لجميع الرهائن، لأن وقف إطلاق النار لمدة 60 يوماً وصفقة جزئية لتبادل الأسرى أصبحا تكتيكاً إسرائيلياً لمواصلة الحرب. وحتى «الضمان» الذي وفره ترمب لتمديد الهدنة والتفاوض على إنهاء الحرب سيبقى غير علني لأن الجانب الأمريكي يعلم مسبقاً أن الإسرائيليين لن يحترموه. قبل ذلك، كان ترمب تدخل عملياً في القضاء الإسرائيلي طالباً إلغاء محاكمة نتنياهو في قضايا الفساد. صحيح أنه لم يخلصه كلياً من الملاحقة إلا أنه قوض القضية في لحظة حاسمة وأنقذ مستقبله السياسي، لكن نتنياهو ظل متمسكاً عقائدياً بائتلافه الحكومي، وبالأهداف التي حددها لمستقبل غزة: احتلال، تجويع، تهجير، إبادة جماعية... ولا يزال اتفاق الهدنة عالقاً في مفاوضات الدوحة بسبب تعنت إسرائيلي متوقع في بند الانسحابات، إذ إن جيش الاحتلال منتشر في كل القطاع وأخلى نسبة كبيرة من المناطق من سكانها ليجمعهم في «غيتو رفح» (كما بات كتاب إسرائيليون يصفونه، تذكيراً ب«غيتوات» النازيين لليهود). على رغم أجواء التوافق، كان نتنياهو مستاء لأن ترمب لم يجدد علناً تأييده لمشروع تهجير سكان القطاع، وأشارت مصادره إلى أنه كرر طرحه وقدمه بصيغة «منح الناس (الغزيين) حق الاختيار الحر في البقاء أو المغادرة»، مذكراً بأن واشنطن وعدت بالتدخل لدى دول كانت أبدت استعداداً لاستيعاب أعداد من الغزيين. وأورد موقع «والا» العبري أن الإسرائيليين يعتقدون أن تحولاً حصل في موقف ترمب بعد زيارته للسعودية وتوقيع الاتفاقات معها. ثم إنه يفكر أيضاً في «الاتفاقات الإبراهيمية» ويرى أن توسيعها يتطلب إنهاء حرب غزة، لكن نتنياهو يريد الحرب والتطبيع معاً ويردد أنه وترمب يؤمنان ب«السلام من خلال القوة». ولم يسمع هذا المصطلح من ترمب خلال زيارة نتنياهو، كم أنه لم يكرر الحديث عن «النصر الكبير» (على إيران) كما فعل ضيفه. واضح بالنسبة إلى المراقبين أن نتنياهو استطاع استدراج واشنطن إلى ما يريده من حربه على غزة، فما يسمى «اليوم التالي» عنده هو الخيام في رفح... قبل الترحيل. وليس لدى واشنطن وعواصم الغرب تصور آخر قابل للتحقيق، ولم تول ما يكفي من جدية وتصميم في دعم الخطة المصرية العربية للتعمير من دون تهجير في غزة، إذ ظل هاجس الجميع إنهاء وجود «حماس» وحكمها في القطاع، لكن الخيار الانتحاري ل«حماس» سهل لإسرائيل خيار «الإبادة» الذي بات يُذكر كأنه مجرد نتيجة «منطقية» للحرب. هل هناك خلاف فعلاً بين ترمب ونتنياهو؟ ربما بالنسبة إلى إيران، وليس في شأن غزة التي سبق للرئيس الأمريكي أن عدها «منتهية». فهو يميل إلى مسار دبلوماسي مع طهران، معتمداً على نتائج حرب ال12 يوماً وإن لم تؤد إلى «استسلام» إيران كما أراد، وملوحاً من جهة أخرى ب«العصا الإسرائيلية» عند الضرورة. لا بد أن تختلف المقاربتان الأمريكية والإسرائيلية لإيران ومنطقة الشرق الأوسط والخليج، فالحرب الأخيرة كانت ولا تزال مقلقة للخليج حيث تبلورت مصالح لأمريكا- ترمب، مقدار ما كانت مرفوضة من جانب تيارات مؤيدة لترمب في الداخل. في المقابل، باتت طهران تخير واشنطن بين مفاوضات يمكن أن تفضي إلى اتفاق «زائد استثمارات» وحرب تعطل كل تفاوض، لكن ترمب منح إسرائيل إمكان مهاجمة إيران من دون ضوء أخضر أمريكي. هذا يعني أنه يستبعد جائزة نوبل للسلام حتى قبل أن يكون له حظ في نيلها. * ينشر بالتزامن مع موقع "النهار العربي"