شهدت مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة، أمس (الأربعاء)، مأساة إنسانية جديدة راح ضحيتها 20 فلسطينياً على الأقل خلال عملية توزيع مساعدات غذائية، وسط تضارب الروايات حول أسباب الحادث بين منظمات إنسانية ومصادر فلسطينية رسمية. وفيما وجّهت مؤسسة إنسانية مدعومة أميركياً وإسرائيلياً أصابع الاتهام لحركة "حماس" بالمسؤولية عن الفوضى، أصرّت الجهات الصحية والأمنية في غزة على أن قوات الاحتلال أطلقت النار والغاز بشكل مباشر على المدنيين، ما تسبب بحالة تدافع قاتلة. وأكدت مؤسسة"غزة الإنسانية" أن الحادث الذي وقع في منطقة الطينة القريبة من مركز توزيع مساعدات، أسفر عن مقتل 20 شخصاً، بينهم 19 قضوا دهساً تحت الأقدام، بينما توفي أحدهم بطعنة، في مشهد وصفته ب"الفوضى الخطيرة"، مرجحة أن عناصر مسلحة اندسّت وسط الجموع وأثارت الفوضى. وأضافت المؤسسة في بيان:"لأول مرة منذ بدء توزيع المساعدات، رُصد وجود أسلحة نارية بين المحتشدين، وقد تمت مصادرة أحدها، كما تم تهديد موظف أميركي من قبل أحد المسلحين"، لكن الرواية الرسمية الفلسطينية جاءت مخالفة تماماً؛ إذ صرّح المتحدث باسم جهاز الدفاع المدني، محمود بصل، بأن "الاحتلال الإسرائيلي أطلق النار والغاز على آلاف المواطنين المتجمعين في محيط مركز المساعدات، ما تسبب بتدافع كبير بعد إغلاق الأبواب في وجوه الجوعى، بينهم أطفال ونساء". وأفادت وزارة الصحة في غزة، في بيان، بأن 21 مواطناً استُشهدوا، بينهم 15 نتيجة اختناق بالغاز، و6 بسبب التدافع، محمّلة الاحتلال الإسرائيلي والمؤسسة الأميركية المسؤولية الكاملة، واصفة مراكز المساعدات ب"مصائد الموت". وقال مصدر طبي من مستشفى ناصر: إن بين الضحايا أطفالاً أصيبوا برصاص الاحتلال في منطقتي "الطينة" و"الشاكوش"، بينما كانوا يحاولون الوصول إلى مركز المساعدات في رفح. وأضاف أن "عناصر الأمن الأميركي" أغلقت البوابات، ما فاقم التدافع، تزامناً مع إطلاق النار من قبل قوات الاحتلال. تأتي هذه المجزرة وسط تقارير متكررة عن مقتل مدنيين خلال انتظارهم المساعدات. وقالت مفوضية الأممالمتحدة السامية لحقوق الإنسان، الثلاثاء: إن 875 شخصاً قُتلوا منذ مايو الماضي أثناء سعيهم للحصول على الطعام، بينهم 674 في محيط مواقع تابعة لمؤسسة غزة الإنسانية. وترفض وكالات الأممالمتحدة التعاون مع هذه المؤسسة، متهمةً إياها بخدمة أجندات سياسية وأمنية للجيش الإسرائيلي. وفي تطور متصل، أعلن الجيش الإسرائيلي، أمس، عن إنشاء "ممر ماجن عوز"، وهو طريق عسكري جديد بطول 15 كيلومتراً يقسم مدينة خان يونس إلى قسمين، شرقاً وغرباً، ويرتبط بممر "موراغ" الذي يفصل المدينة عن رفح. وقال الجيش الإسرائيلي: إن الممر يهدف إلى"تفكيك بنية حماس التحتية في المدينة"، مشيراً إلى أن الفرقة 36 قتلت عشرات العناصر، ودمرت أنفاقاً ومخازن أسلحة خلال عملياتها الأخيرة. ومنذ اندلاع الحرب قبل 21 شهراً، يعاني سكان قطاع غزة، البالغ عددهم نحو 2.4 مليون نسمة، من حصار خانق، دمار هائل وانهيار كامل للبنية التحتية، وسط تحذيرات أممية متكررة من وقوع مجاعة شاملة. وأكدت وزارة الصحة في غزة مقتل 844 شخصاً قرب مراكز توزيع المساعدات منذ أواخر مايو، في حين تؤكد منظمات أممية ارتفاع العدد مع كل يوم تمر فيه قوافل الإغاثة تحت الحصار أو النيران. وتكشف أحداث خان يونس عمق الأزمة الإنسانية في غزة، وتسلّط الضوء على تصاعد التوتر بين مؤسسات الإغاثة المدعومة غربياً، والفصائل الفلسطينية، في ظل استمرار العمليات العسكرية الإسرائيلية. ومع استمرار الانهيار، يبقى المدنيون وحدهم في مرمى النيران والجوع، وسط غياب أفق لأي حل سياسي أو إنساني شامل.