يعتمد هذا المنهج على التفاعل الذي يحدث بين المرسل والمتلقي ضمن سياقات متنوعة، وقد حدّد الناقد الأدبي الروسي (رومان ياكبسون 1982م) أهم المبادئ التي يمكن أن ترتكز عليها (نظرية التواصل)، ويمكن أن تشكل ملامح هذا المنهج النقدي، وهي: التبادل (Echange)، والتبليغ (Transfert)، والتأثير (Impact)، فهو منهج يُعنى بقانون الاتصال الذي هو (تفاعل بين اثنين)، سواء أكان ذلك الاتصال من الإنسان وبني جنسه، أو من الإنسان وغيره من الحيوان، والنبات، والجماد، ومظاهر البيئة عموماً، كما يتكئ هذا المنهج النقدي على درجات الاتصال الثلاث: (العاديّ) الذي يكتفي بأداء الرسالة دون تفاعل، أو حيوية، و(الجيّد) الذي يحقق الغاية، بطريقة مختصرة، وموجزة، و(الفَعَّال) الذي يكون مؤثراً، وذا وظيفة تشويقية، على أن درجات الاتصال قد تكون أعلى وأقوى كلما أبهر المرسلُ المتستَقبِلَ، وشدّه بطريقة إغرائية، تجعله أكثر إعجاباً، وإطراباً. إن (التداولية) في معناها اللغوي تنطلق من مادة (دول) التي تشير إلى معاني التناقل، والتناول، والأخذ، والتبادل، والتفاعل، أما في المفهوم الاصطلاحي فإن التداولية اليوم تتجه إلى دراسة استعمال اللغة في سياقات متعددة، ومواقف مختلفة، وعلاقة ذلك الاستعمال بمن يستخدمه، أو يتوجه إليه، فالتداولية ليست علماً لغوياً محضاً، ولكنها علم تواصلي، قد ينصرف إلى علوم اللغة، وما يتفرع عنها من أدب، ونقد، وبلاغة، ونحوها، وهي علم قد ينطلق إلى مشاريع معرفية أوسع. لقد ذهب التداوليون المعاصرون -كجورج يول مثلاً- إلى أن التداولية تختص بدراسة المعنى كما يوصّله المتكلم، ويفسّره المستمع؛ فهي مرتبطة بتحليل ما يعنيه الناس بألفاظهم أكثر من ارتباطها بما يمكن أن تعنيه الكلمات، أو العبارات مستقلة ومنفصلة، بل ذهب بعضهم - كفرانسيس جاك - إلى أن التداولية تتطرق إلى اللغة الخطابية، والتواصلية، والاجتماعية معاً، وعلى هذا فإن تداول اللغة بين المتكلم، والمخاطب ليس بالضرورة أن ينبعث من سياق لغوي فحسب، بل ربما يخرج من سياقات أخرى اجتماعية، ومادية، وصولاً إلى معنى محدد، أو تحقيقاً لغاية تواصلية معينة. وقد يدخل ضمن هذا المنهج التداولي التواصل غير اللغوي الذي هو - كما يقول (توماس دوفير): «إسمنت لازم لتوطيد الكلام المنطوق الذي تشكّل فيه الكلمات حجر الأساس»، فالتواصل قد يكون بالكلام، أو بالكتابة، ولكنه أيضاً قد يكون في أن تمسك رأسك بين يديك، أو أن تنقر الطاولة بالإصبع، أو أن تلزم الصمت؛ فحركاتنا، ومواقفنا، وسلوكياتنا (السكوت – النظرات – الابتسامات ..) كلها تشكل دائماً ما يكمل كلامنا، أو كتابتنا، أو ما ينوب عنها على الأقل؛ لذلك فإن التواصل اللغوي، والتواصل غير اللغوي، يحتاج إلى إنسانٍ تواصليٍّ بامتياز؛ يتقن الذكاء العاطفي، ويجيد - بتفوق- التواصل مع الآخرين باختلاف عاداتهم، وتنوّع سلوكهم، وتغيّر طباعهم، وتباين تصرفاتهم، وهذا هو ما ينشده المنهج التداولي اليوم في الدراسات النقدية. إن المنهج النقدي التداولي ينطلق من علم استعمال اللغة، وهو مبحث حيوي يجعل الخطابات أكثر تفاعلاً، وذلك من خلال مراعاة المقام، وأحوال المخاطب، والبحث في كيفيات التواصل، وأغراض الكلام، وقوانين الإقناع، وطرق الحجاج، وإستراتيجيات التراسل، وما يرمي إليه الخطاب من مقاصد، ومقامات، وغايات؛ ولذلك فإن المنهج التداولي منهج ينظر إلى اللغة بوصفها ظاهرة خطابية، وتواصلية، واجتماعية في آن، وهذا ما يدل على أنه منهج فحل، ينهل من مشارب عدة، تصبّ في تعزيز قيمة الخطاب، وإظهار جماليات الاستعمال.