في تصعيد جديد يستهدف البنية التحتية للطاقة في العراق، تعرّضت عدة حقول نفطية في إقليم كردستان، أمس (الأربعاء)، لهجمات متتالية باستخدام طائرات مسيّرة مفخخة، ما أدى إلى توقف الإنتاج في مواقع إستراتيجية، وأثار موجة استنكار حكومية وأمنية. وأمر رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني بفتح تحقيق فوري في الحوادث، التي تكررت لليوم الثالث على التوالي، وطالت منشآت تشغلها شركات نرويجية وأمريكية، في وقت تشير فيه أصابع الاتهام إلى جهات مسلّحة مدعومة من الخارج. وأكدت شركة DNO النرويجية، المشغّلة لحقلَي طاوكي وبيشكابير في منطقة زاخو الحدودية القريبة من تركيا، أنها أوقفت الإنتاج مؤقتاً بعد تعرض الحقلين لهجوم بثلاث مسيّرات مفخخة، أسفر عن أضرار مادية دون وقوع إصابات. وأوضح بيان للشركة أن"التقييم الفني للأضرار جارٍ حالياً"، متوقعة استئناف الإنتاج "بمجرد اكتمال التقييمات والإصلاحات". وفي تطور موازٍ، تعرض حقل نفطي آخر في دهوك شمالي العراق، تشغّله شركة هنت أويل الأمريكية، لهجوم مشابه، لكن لم تصدر تفاصيل دقيقة حول نتائج هذا الاعتداء حتى الآن. وكان حقل سرسنك النفطي قد شهد، الثلاثاء، هجوماً بطائرة مسيرة أدى إلى توقف الإنتاج أيضاً، قبل ساعات من توقيع الشركة الأميركية المشغلة له اتفاق مبادئ مع الحكومة العراقية لتطوير حقل نفطي جديد. ولم تعلن أي جهة مسؤوليتها عن هذا الهجوم حتى الآن. وذكرت مصادر أمنية كردية أن "التحقيقات الأولية تشير إلى أن المسيّرات المستخدمة في الهجمات انطلقت من مناطق تخضع لسيطرة فصائل مسلّحة متحالفة مع إيران"، في إشارة إلى مجموعات تنشط في شمال العراق وخارجه وتُعرف بولائها لمحور"المقاومة". وأعلن جهاز مكافحة الإرهاب في إقليم كردستان على صفحته الرسمية أن الهجمات الأخيرة نُفذت باستخدام "ثلاث طائرات مسيّرة مفخخة"، مؤكداً عدم وقوع إصابات في الأرواح، لكنه أشار إلى"تسجيل أضرار مادية في البنية التحتية لحقول النفط". ووجّه رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني بتشكيل لجنة تحقيق عاجلة للوقوف على خلفيات الهجمات المتكررة على المنشآت النفطية في الإقليم، مؤكداً في بيان رسمي أن"أمن قطاع الطاقة خط أحمر، ولن يتم السماح لأي طرف بزعزعته أو تهديد الاستثمارات الأجنبية". وأشار البيان إلى أن الحكومة العراقية تتابع عن كثب تداعيات هذه الهجمات، وتعمل مع الأجهزة الأمنية في بغداد وأربيل لتحديد مصدر المسيّرات ومنفذي الاعتداءات. ويُعد استهداف حقول النفط في كردستان تطوراً خطيراً، خصوصاً أنه يتزامن مع جهود حكومية لإعادة تصدير النفط الكردي وفق اتفاقيات جديدة مع بغداد. وكانت شركات عدة أعلنت مؤخراً استعدادها لاستئناف التصدير بعد التوصل إلى تفاهمات ملزمة مع الحكومة المركزية، عقب أشهر من التوقف. وتأتي الهجمات المتكررة على حقول النفط في كردستان وسط توترات إقليمية متصاعدة، وتنافس على النفوذ داخل العراق بين الحكومة المركزية والفصائل المسلحة المتحالفة مع قوى إقليمية. وبينما تبقى هوية الجهة المنفذة غير معلنة رسمياً، فإن مؤشرات التصعيد قد تضع مستقبل أمن الطاقة في العراق أمام اختبار جديد، في واحدة من أكثر المراحل حساسية في تاريخ البلاد الاقتصادي والسياسي.