تنتظر فرانك فرانسيس ريتشاردوني، المعين منسقاً للعلاقة الأميركية مع أحزاب المعارضة العراقية، مهمة شاقة بالتأكيد، لكنها تنطوي على مفارقة سياسية ساخرة، ذلك ان ريتشاردوني مطالب الآن بانجاح مسعى حكومته إطاحة الرئيس صدام حسين، بعدما عمل على توطيد جسور الثقة بين واشنطنوبغداد في مطلع الثمانينات. على ريتشاردوني إذن ان يحطم ما كان بناه بيديه قبل حوالى 17 عاماً. وكان شريكه في العملية الديبلوماسية المعقدة آنذاك نزار حمدون الذي هو أيضاً فقد منصبه قبل أسابيع وعاد إلى بغداد بعد سنوات من الصراع المرير مع الأحداث واستقتال لابقاء حلقات من الروابط التي شاركه في بنائها ريتشاردوني. ريتشاردوني في الخمسينات من العمر يبدو أفضل خبراء الإدارة الأميركية في شؤون النزاعات المتشابكة. وهو اكتسب منذ بداية الثمانينات فرصة لمعروفة الظروف الميدانية في النزاعات المسلحة في الشرق الأوسط. لكنه قبل كل شيء يعد أكثر عناصر المحللين عقلانية، بالمقارنة مع زملائه في مجلس الأمن القومي أو وزارة الدفاع، أو الاستخبارات المركزية. بدأ ريتشاردوني حياته المهنية في الميدان الشرق أوسطي في نهاية السبعينات حيث عمل في تركيا مشرفاً على أكثر من ملف قبل أن يعود في 1981 إلى واشنطن ليعمل مساعداً خاصاً لمدير مكتب الاستخبارات والبحوث في وزارة الخارجية. في ذورة الحرب العراقية - الإيرانية، نقل ريتشاردوني إلى القسم العراقي وأصبح المسؤول عن ملف العلاقات مع العراق. وترافق انتقاله إلى منصبه الجديد وصول نزار حمدون كرئيس لشعبة رعاية المصالح العراقية في واشنطن خلفاً لفاضل العزاوي الذي فشل في تحريك الأجواء نحو دعم العراق. ومع حمدون، بنى ريتشاردوني علاقة متينة وواسعة مع بغداد ونال أثر ذلك جائزة تقديرية من حكومته. بعد هذا الانجاز ارسلته واشنطن في 1986 ليصبح ضابط الاتصال مع مصر، ثم تولى الاشراف على وحدة المراقبة المدنية التابعة للقوة المتعددة الجنسية في شبه جزيرة سيناء. ومع اندلاع حرب الخليج الثانية وانقطاع العلاقات الأميركية - العراقية، ارسلته الخارجية ليتولى في 1991 رعاية المصالح الأميركية في العراق، حيث عمل من عمّان حتى 1993. ومنذ ذلك الوقت استلم ملف الاتصال مع أحزاب المعارضة العراقية ونقل مقره إلى لندن. ومع عمليات "بروفايد كومفورت" تولى ريتشاردوني منصب المستشار السياسي للضباط الأميركيين والأتراك المشرفين على تنفيذ العملية، قبل أن يعود إلى واشنطن ليتولى الإدارة في أحد أقسام الوزارة. ومنذ 1995 نقل مجدداً إلى أنقرة بمنصب مستشار في السفارة يشرف على الملف العراقي. ويأتي تعيين ريتشاردوني في 21 كانون الثاني يناير الجاري كمنسق للعلاقات مع أحزاب المعارضة، كتأكيد اضافي على مواقفه المتشددة من الحكومة العراقية، ولكنه يرتكز في عمله لزعزعة الحكومة على اعتماد الأحزاب السياسية العراقية التي أصبح خبيراً ببنيتها وامكاناتها بعد سنوات طويلة من الممارسة الميدانية. وهو يتعارض في هذا التوجه مع سياسات الجمهوريين الداعية إلى تكثيف التدخل الأميركي عسكرياً، وإلى اعتماد سياسات تصدٍ متزايد. ريتشاردوني يتكلم العربية إلى جانب الفرنسية والايطالية والتركية. ولكن مهمته الجديدة هي اقناع فصائل المعارضة العراقية على التحدث بلغة واحدة، مهما تكن هذه اللغة؟!