قبل أربع سنوات عندما خطف فيلم "بالب فيكشن" الجائزة الأولى في مهرجان "كان" كتبت عن أن السينما التي عرفناها مستقلة، لم تعد مستقلة تماماً. بل في معظم الحالات هي ليست مستقلة مطلقاً. فخلال السنوات السبع الأخيرة انتبهت شركات هوليوود الرئيسية وهي مترو غولدوين ماير التي تضم يونايتد آرتستس، صوفي مالكة كولومبيا وتراي ستار، ديزني بيت ميراماكس، توتشستون، هوليوود بيكتشرز. يونيفرسال، وورنر، باراماوانت وفوكس، الى أن الأفلام الصغيرة احتمالات تجارة رابحة تزيد، أحياناً، عن تلك التي تحققها الأفلام الهوليوودية الكبيرة. بناء عليه قام عدد منها بشراء عدد من الشركات المستقلة أو الصغيرة والنموذج منها شركة ميراماكس التي تعتبر الواجهة الأولى بالنسبة لمثل هذه النوعية من الأفلام والتي ضمتها شركة ديزني لممتلكاتها مع منحها حرية خاصة واستقلالاً ذاتياً في الوقت عينه، وبعض شركات هوليوود التي لم تشتر أسست ما تريد مثل تأسيس فوكس شركة فوكس 2000 وفوكس سيرشلايت. وفي المجمل، ليست السينما المستقلة أو ما معروف منها على هذا النحو أقل تجارة وغوصاً في "البزنس" من تلك الهوليوودية التقليدية. ولا أعتقد أن هم الأخوين بوب وهارفي ويزنستين، رئيسي ميراماكس، في الفن ومهمّاته بقدر ما هو في المال والنجاح المادي أساساً... لا هما ولا أي من الشركات الصغيرة - الكبيرة التي انتشرت على حساب مخرجي ومبدعي تلك النوعية من الأفلام. أورد كلَّ هذا اليوم، لأن الأوراق اختلطت أكثر من الأمس القريب بالنسبة لما هو مستقل وما هو فيلم غير جدير بالنعت. ليس فقط أن معظم الشركات التي تمول الأفلام الصغيرة لم تعد عملياً مستقلة، بل أن المفهوم ذاته اختلف على الصعيدين الفني والسياسي كما هو مختلف على الصعيد التجاري. الفيلم المستقل هو المستقل روحاً عن السائد وليس فقط بميزانية دون الخمسة عشر مليون دولار وبممثلين غالباً هم غير معروفين أو معروفون متبرعون. انه ذلك الذي ينضح بتجربة فنية ذات قوام خاص وبرؤية اجتماعية أو سياسية منفردة. أفلام جون كازافيتس الأولى كانت مستقلة لأن الرجل أخرجها كما يرغب وليس كما يرغب السوق. أفلام جون سايلس اليوم هي أكثر الأفلام المستقلة "استقلالاً" لأنه يخرجها كما يرغب هو ويضمنها رسالات وأبعاداً ليست في بال معظم الأفلام الأخرى. هذه هي الفحوى الخالصة لماهية الفيلم المستقل. وروبرت ألتمان يعلم شيئين أو ثلاثة عن هذا الموضوع كونه خاض معركة خاسرة مع فيلمه الأخير "رجل الكعك" عندما لم يستطع ضمان انجاز الفيلم مئة بالمئة كما يريد. والمهرجانات اليوم تلعب دوراً مهماً في تقديم الأفلام الأميركية المستقلة أو المتشبهة بها. ونظرة على بعض المهرجانات الأولى حول العالم تفيد بذلك من دون جدال. "زواج بولندي" و"أحياء بيفرلي هيلز" كلاهما من فوكس سيرتشلايت عرضا في تورنتو. "المقامرون" لجون دول توزيع ميراماكس عرض في فانيسيا ودوفيل، "ابنة الجندي لا تبكي" أوكتوبر عرضه هذان المهرجانان كما تورنتو. وفي تورنتو شاهدنا أيضاً "حمام من طين" اشترته غريمارسي وأيضاً "بيكر" لجون ووترز فاين لاين. وفي "كان" كنا شاهدنا كلاً من "المزيفون" فوكس سيرتشلايت، "القادر" ميراماكس، "سعادة" غود ماشين. ومن فانيسيا الى نيويورك يطير فيلم "احتفال" لوودي آلن الذي اشترته ميراماكس أيضاً. ما يؤكد ذلك هو أن المهرجانات كافة تحولت الى مكان انطلاق لمثل هذه الأفلام، وهي حاجة متبادلة. المهرجان بحاجة الى أفلام جديدة جيدة وكثير من هذه الأفلام المذكورة جيد أو مختلف جزئياً على الأقل والأفلام المستقلة أو المتشبهة بها تبحث في المهرجانات عن فرص للترويج فريدة. المهرجان هو مكتب اعلامي نشط في خدمة الفيلم. هذا يعود بالنفع علينا جميعاً، هواة السينما، لكنه يؤكد أيضاً أن الفيلم الجيد لا يعرف نوعاً ولا حجماً ولا هوية. ليتنا نرى فقط المزيد من الأفلام المبتكرة والمبدعة في نطاق السينما الخارجة تماماً عن السائد. ليس السائد من الأفلام التجارية فحسب، بل السائد من الأفلام التي تطرح نفسها على أساس أنها غير تجارية أيضاً. فبين كل الأنواع، تبرز هذه الفئة كتلك التي هي أحق بالتشجيع لأنها تحافظ على رؤية غير مزدوجة وهدف غير قابل للتنازل، وتحتوي نبضاً لا يُجارى من قواعد الإبداع والتجديد.